قالت مؤسسة بحثية مهتمة بالشأن اليمني إن ثمة ثلاثة أسباب وراء موافقة مجلس القيادة الرئاسي على طلب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ، تأجيل تنفيذ القرار الذي أصدره البنك المركزي بعدن، بإلغاء تراخيص ستة بنوك لم تمتثل لتعليماته وقراراته التي أصدرها مؤخرا في إطار رد الفعل التصعيدي على إجراءات اقتصادية اتخذتها جماعة الحوثي وأضرت بمصالح الحكومة اليمنية.
وجاء في الدراسة، التي أصدرتها مؤسسة المخاء للدراسات الاستراتيجية، بعنوان "تأجيل مجلس القيادة قرار إلغاء تراخيص البنوك: الأسباب والسيناريوهات"، أن مجلس القيادة الرئاسي وافق على تأجيل تنفيذ القرار لثلاثة أسباب، أولها التدخل السعودي، الناجم عن ضغوط وجهها الحوثيون نحو المملكة، إذ هدد زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، في خطاب ألقاه في 7 تموز/ يوليو الجاري، بضرب المطارات والبنوك والموانئ السعودية، رداً على ما قال إنه عزم الرياض على "نقل البنوك من صنعاء".
وأضافت الدراسة أنه ورغم أن جماعة الحوثي لا ترغب في عودة الحرب في المرحلة الراهنة، فإن من الواضح أن "المضي في تنفيذ القرارات سيجبرهم على توجيه ضربات لأهداف داخل السعودية، وهو أمر تتحاشاه الرياض، وتضعه في أولوياتها"، مشيرة إلى أن المملكة قد تكون أوعزت للمبعوث الأممي توجيه خطاب إلى مجلس القيادة الرئاسي، يطلب تأجيل تنفيذ القرار إلى نهاية أغسطس القادم على الأقل، ومارست ضغوطا على المجلس للتجاوب معه، "وتم إخراج الأمر على هذا النحو ليكون مخرجا مناسبا لمجلس القيادة الرئاسي للتراجع عن القرارات".
أما السبب الثاني، وفقا للدراسة، فيتمثل في صعوبة تنفيذ القرارات، ذلك أن "الثقل السكاني، ومعظم الثقل المالي والنشاط الاقتصادي، موجود في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، فنسبة 80% من السكان والنشاط ورؤوس الأموال تقريبا تقع في تلك المناطق، ونقل تلك البنوك إلى عدن يعني بشكل أو بآخر إغلاقها؛ كما أنه قد يدفع لتوسيع دائرة الفوضى والانقسام الاقتصادي، ويوِلد مخاطر حقيقية تمس مصادر العيش المتبقية للسكان في تلك المناطق".
وأضافت الدراسة: "ومع أن القرارات التي اتخذها البنك المركزي في عدن تنساق في إطار حماية المقدرات الوطنية، واستعادة سلطة الدولة، وتعزيز القدرات الاقتصادية، والحفاظ على العملة الوطنية، إلا أن جانباً منها يستخدم كأدوات في سياق الصراع مع جماعة الحوثي"، مرجحة أن الهدف من بعض القرارات هو "إجبار الحوثيين على المفاوضات"، بما يسمح للحكومة المعترف بها دوليا باستعادة تصدير النفط، الذي يمثل المصدر الرئيس للموارد بالنسبة لها.
وبناء على ذلك، ترى الدراسة أن مجلس القيادة -ومن خلفه السعودية- لم يلغِ قرار البنك المركزي، وإنما أجّل تنفيذه حتى نهاية أغسطس. وأكدت أن "هذا التأجيل يتفق مع رغبة المبعوث الأممي، الذي يرغب هو الآخر في إبقاء جماعة الحوثي تحت الضغط، بما يضمن انخراطها في المباحثات على النحو الذي أشار إليه الخطاب الذي وجهه إلى مجلس القيادة الرئاسي وطالب فيه بتأجيل تنفيذ القرار".
ثالث الأسباب التي تراها الدراسة هو تجنُّب مسار الحرب، رغم تأكيد مجلس القيادة الرئاسي مضيه في "ردع الممارسات التعسفية" لجماعة الحوثي، ورغم الاجتماع الموسع الذي عقده وزير الدفاع بالحكومة المعترف بها دوليا، مع قيادات الوزارة وهيئة الأركان العامة، بعدن، في 11 يوليو الجاري، وإشادته بالجهوزية القتالية العالية للقوات المسلحة وكافة التشكيلات العسكرية لردع تلك التهديدات، وحثه القيادات العسكرية على مضاعفة العمل المنسق مع كافة الدوائر والجهات المعنية لتعزيز الجاهزية القتالية؛ "إلا أن قرار مجلس القيادة الرئاسي فُهم على نطاق واسع بأنه تجنُّب لمسار التصعيد الذي قد يفضي إلى تصعيد عسكري، بحسب المبعوث الأممي".
تضع الدراسة بعد ذلك تساؤلا مفاده: إلى أين تتجه الأمور؟
وللإجابة على هذا السؤال ترى الدراسة ثلاثة سيناريوهات محتملة، أولها مراوحة الأمور لكن دون تنفيذ قرارات البنك المركزي.
ذلك أن جماعة الحوثي ستتمسك برفضها أي مفاوضات تخُص الاشتباك الاقتصادي، إلا في إطار خارطة التسوية، وفي الوقت نفسه تستمر الضغوط السعودية وغيرها على الحكومة المعترف بها دوليا لمنع تنفيذ قرارات البنك المركزي، خاصة ما يتصل بسحب تراخيص البنوك وإلغاء العملة القديمة، وذلك تجنُّباً لدفع الأمور إلى التصعيد العسكري.
وترى الدراسة أن مما يدعم هذا السيناريو الموقف السعودي الذي يستميت في منع أي هجمات حوثية داخل حدود المملكة، "ورغبة الحوثيين في عدم التفاوض إلا في مسار التسوية السياسية، لشعورهم بمراوغة السعودية في هذا الملف، وعدم رغبة أطراف أخرى، ولأن التفاوض في مسار التسوية في ظل ميزان القوة الحالي، خاصة بعد هجمات البحر الأحمر، يحقق لهم الكثير من المكاسب".
السيناريو الثاني هو التفاوض وتراجع حدة الاشتباك الاقتصادي. وتذهب الدراسة إلى أن هذا السيناريو تدعمه ضغوط المبعوث الأممي وسلطنة عمان، وكذا ضغوط الشارع؛ فتردي الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة كل من الحوثيين والحكومة المعترف بها، يثير مخاوف كل منهما من انفلات الشارع، ما يدفعهما إلى إيجاد حلول عن طريق المفاوضات.
وتضيف الدراسة أن "مسار التفاوض والبحث عن حلول هو الأقل كلفة لجميع الأطراف تقريبا. إلى جانب أن معظم الأطراف تتحاشى مسار الحرب، إذ لا توجد رغبة لدى الحوثيين، ولا مجلس القيادة الرئاسي، ولا السعودية، في خوض جولة جديدة من القتال في المرحلة الراهنة".
لكن ما قد يقف في طريق هذا السيناريو أن ثمة "أطرافا في السعودية، وأخرى دولية، لا ترغب بالمضي في هذا المسار، لأنه في الأخير سيمكن الحوثيين من تخفِيف ما يواجهونه من ضغوط شعبية".
إلى ذلك "يبقى موقف جماعة الحوثي هو العائق الأبرز أمام هذا المسار، فقد أعلنت في 13 يوليو الجاري، على لسان حسين العِزي (نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين) رفضها القاطع الانخراط في مفاوضات الملف الاقتصادي التي دعا إليها المبعوث الأممي، إلا في إطار مناقشة تنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها".
وتضيف الدراسة أن الحوثيين "يخشون من أن التفاوض حول الملف الاقتصادي قد يكون بديلا عن التفاوض حول خارطة التسوية، وهذه الأخيرة تحقق لهم قدراً كبيراً من المكاسب، وعلى رأسها أنها تقدمهم كطرف شرعي، فضلاً عن أنها تحقق لهم المكاسب الاقتصادية التي قد تتحقق من خلال المفاوضات حول الملف الاقتصادي منفردا".
أما السيناريو الثالث فيتمثل في التصعيد العسكري، وتذهب الدراسة إلى أن "هذا السيناريو غير مرغوب فيه من قبل كثير من الأطراف المعنية بالاشتباك الاقتصادي، إلا أن إمكانية تحقُّقه عالية جداً؛ فمجلس القيادة الرئاسي واقع تحت ضغوط شعبية تجعل التراجع الكلي عن القرارات التي اتخذها البنك المركزي في عدن دون مفاوضات أمراً شديد الصعوبة، وعالي التكلفة أيضا".
وتضيف الدراسة أن الضائقة المالية التي تعاني منها الحكومة المعترف بها تدفعها نحو خيار التصعيد الاقتصادي، وهو مسار سيكون وقعه موجعاً للحوثيين، ما قد يدفعهم إلى تنفيذ تهديداتهم بالهجوم على الجبهات الحكومية، أو على مصالح حيوية سعودية، الأمر الذي قد يدفع مختلف الأطراف إلى جولة جديدة وعالية من العنف.
وترى الدراسة أن "مما يساعد على ذلك إدمان الحوثيين انتزاع مكاسب من خلال إطلاق تهديدات نحو السعودية، وحالة الانتشاء بفعل انخراطهم في حرب لا متماثلة في جنوب البحر الأحمر".
وتستدرك بالقول: "غير أن عدم استعداد معظم الأطراف لجولة جديدة من الحرب، والكلفة العالية لها، ومخاطر خسارتها، قد تمنع تلك الأطراف من الانخراط الفعلي في الحرب، واستخدامها فقط في سياق الابتزاز والضغوط أو التهديد والردع".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news