قالت منظمة سام للحقوق والحريات، الثلاثاء 23 ديسمبر/ كانون الأول، إن ما جرى في محافظتي حضرموت والمهرة (شرقي اليمن)، لا يمثل حادثًا عابرًا، بل يعكس مرحلة متقدمة من تآكل سلطة الدولة وتوسّع نفوذ تشكيلات مسلّحة تعمل خارج الإطار الدستوري والقانوني.
جاء ذلك في تقرير للمنظمة، اطلع عليه "بران برس"، حمل عنوان "لا أحد يحمي الضحايا"، وثقت فيه الانتهاكات التي رافقت التطورات الأمنية والعسكرية في محافظتي حضرموت والمهرة خلال ديسمبر/كانون الأول 2025.
وذكر التقرير، أن ما شهدته حضرموت والمهرة يقع ضمن سياق ممتد منذ عام 2017، حيث برزت تشكيلات مسلّحة موازية للقوات الحكومية، وتعثرّت مسارات دمجها وإعادة هيكلتها، الأمر الذي انعكس على بنية الدولة وسيادة القانون.
ووفق التقرير، فإن محاولات “توحيد القيادة” بعد إنشاء مجلس القيادة الرئاسي لم تُحدث اختراقًا حاسمًا، في ظل بقاء سلاسل قيادة منفصلة، وتداخل أدوار قوى داخلية وخارجية، وتحوّل مناطق نفوذ إلى “سلطات أمر واقع” تفرض ترتيباتها بالقوة.
وأشار إلى أن المنطقة العسكرية الأولى، تعرضت لحملة اتهامات إعلامية، تضمنت مزاعم بتهريب وتخزين مخدرات، وأخرى بتهريب أسلحة إلى جماعة الحوثي، مؤكداً أنها لم تستند إلى أدلة موثوقة قابلة للتحقق، مثل محاضر ضبط قضائية أو تقارير تحقيق مستقلة أو بيانات رسمية محايدة.
التقرير اعتبر تلك الاتهامات بأنها "ظلّت في نطاق الخطاب السياسي والإعلامي"، دون أن ترتقي إلى مستوى وقائع مثبتة وفق معايير الإثبات المتعارف عليها.
وخلص إلى أن جذور التوتر تعود إلى مسار طويل من تراكم الاختلالات، أبرزها استمرار تشكيلات مسلّحة خارج مؤسسات وزارتي الدفاع والداخلية، وتعطل تنفيذ الترتيبات الأمنية والعسكرية المتفق عليها في اتفاق الرياض، مع ما ترتب على ذلك من واقع ميداني قائم على التنافس بين وحدات نظامية وأخرى موازية.
كما أشار إلى انتقال نوعي في نمط السيطرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2025، عبر انتشار واسع في مناطق وادي حضرموت، وإزاحة وحدات حكومية من مواقع متعددة، والسيطرة على مرافق مدنية ومقار رسمية، رافقها فرض رموز وسلطات بديلة داخل المؤسسات.
وعن ما وثقه من الانتهاكات، أوضح تقرير "سام"، أنها شملت اعتداءات على وحدات عسكرية نظامية، ووقائع قتل خارج نطاق القانون، واحتجازًا تعسفيًا، ومعاملة قاسية أو مهينة، إضافة إلى نهب واسع النطاق للممتلكات العامة والخاصة، وانتهاك حرمة المساكن.
كما تضمنن الاستيلاء على مرافق مدنية، وفرض رموز وسلطات بديلة داخل مؤسسات الدولة. وأشار إلى أن هذه الوقائع خلقت حالة خوف واضطراب مجتمعي واسع، وفاقمت من هشاشة الأوضاع الإنسانية في مناطق عدة.
وتحدث التقرير عن عمليات اقتحام وانتشار في وادي حضرموت ومدينة سيئون، شملت دخول مقار حكومية ومدنية، وتقييد حركة موظفين وحراس، وامتداد الاعتداءات إلى منازل مسؤولين حكوميين ومنازل جنود وضباط، فضلاً عن فرض إجراءات قسرية على محلات تجارية وفتحها تحت التهديد ثم نهبها.
كما أشار إلى وقائع استهداف سكان “البيوت الخشبية” ومخيم مريمة في سيئون، حيث نُهبت ممتلكات نحو 450 أسرة، بما في ذلك مدخرات وأدوات معيشية ومواشٍ، في سياق اعتبره التقرير انتهاكًا شديد الخطورة للحق في السكن والملكية والكرامة الإنسانية.
وأورد التقرير إفادات متطابقة تفيد بوقوع نهب واسع استهدف 23 إلى 24 منزلًا في منطقة المساكن بمدينة القطن خلال ساعات طويلة، عقب دخول مجموعات مسلّحة، وإجبار السكان على مغادرة مساكنهم فورًا دون اصطحاب ممتلكاتهم.
تقرير سام، أشار كذلك، إلى تلقيه وثائق تتضمن كشوفات وجداول محاسبية ومواد مصوّرة حول نهب محلات ومخازن في مناطق منها “سرا” وسوق سيئون، بما في ذلك محلات لبيع “الجنابي” ومستلزماتها.
وذكر أن الوثائق عرضت تفاصيل دقيقة للبضائع المنهوبة وقيمها المالية، وصورًا لحالة المحلات قبل النهب وأثناءه وبعده، بما يُظهر حجم الخسائر، ويعزز—وفق عرض التقرير—وجود نمط نهب علني في ظل اضطراب أمني وغياب تدابير حماية فعّالة.
وقال إنه وثق عمليات مداهمة واعتقال في مدينة سيئون خلال ديسمبر/كانون الأول 2025، منها اعتقال أربعة أشخاص من منزل بحي مريمة يعود لضابط في المنطقة العسكرية الأولى، وواقعة مداهمة منزل عاقل حي الثورة فجر 16 ديسمبر/كانون الأول 2025 بمشاركة آليات ومجموعة نسائية للتفتيش.
كما أورد معلومات عن توقيف مدنيين في مدينة الشحر بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول 2025، دون إبراز أوامر قضائية أو إعلان أماكن الاحتجاز أو تمكين الأسر من التواصل. ولفت إلى مخاطر الإخفاء القسري عند احتجاز أشخاص في أماكن غير معلومة وحرمانهم من الاتصال بمحامين وذويهم.
التقرير انتقد غياب موقف واضح من وزارة حقوق الإنسان خلال الفترة المشمولة، معتبرًا أن الصمت الرسمي يقوض فرص الإنصاف، ويبعث برسالة تساهل مع الانتهاكات بدل التعامل معها كقضية وطنية تستوجب الشفافية والمحاسبة، خاصة مع تعدد الشهادات والتقارير عن تجاوزات طالت المدنيين وممتلكاتهم.
وأشار إلى ان وقف تدهور الوضع يتطلب إجراءات عاجلة تبدأ بتحقيقات مستقلة ومحايدة وفعّالة في جميع الانتهاكات الموثقة، وحماية الضحايا والشهود، ومساءلة المسؤولين وفق المعايير الوطنية والدولية.
ودعا إلى وقف أي دعم عسكري أو أمني للتشكيلات المسلحة الخارجة عن مؤسسات الدولة، والعمل على توحيد القوات تحت قيادة رسمية خاضعة للرقابة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، ومعالجة أوضاع النازحين وجبر الضرر، بما يشمل التعويض ورد الحقوق.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news