ميناء المخا التاريخي بين إعادة الإحياء الاستثماري وإعادة التموضع الجيوسياسي في البحر الأحمر

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 46 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
ميناء المخا التاريخي بين إعادة الإحياء الاستثماري وإعادة التموضع الجيوسياسي في البحر الأحمر

ميناء المخا التاريخي بين إعادة الإحياء الاستثماري وإعادة التموضع الجيوسياسي في البحر الأحمر

قبل 20 دقيقة

إن مذكرة التفاهم لتطوير ميناء المخا، التي وقّعت في ديسمبر 2025 بتكلفة تصل إلى نحو 139 مليون دولار مع شركة "بريما" الاستثمارية، ليست مجرد عقد استثماري روتيني، بل تمثل خطوة استراتيجية جريئة تهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ الاقتصادي والسياسي على الساحل الغربي لليمن. تأتي هذه الخطوة في لحظة حاسمة، حيث يعاد تعريف أهمية الجغرافيا اليمنية وسط التوترات الإقليمية في البحر الأحمر، محولة المشروع من مبادرة تنموية بحتة إلى عنصر أساسي في صراع أوسع يتعلق بالسيادة والنفوذ وأمن الممرات البحرية العالمية.

1. التحليل الجيوسياسي: المشروع في قلب التوترات الإقليمية

أ. الموقع الاستراتيجي: ورقة رابحة في الرهان الجيوسياسي

بديل استراتيجي: يقع ميناء المخا شمال مضيق باب المندب مباشرة، مما يمنحه قيمة استثنائية في السياق الراهن، ويشكل خيارًا جغرافيًا وسياسيًا وعمليًا عن ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة جماعة الحوثيين، والذي يُنظر إليه دوليًا كمصدر رئيسي للتهديدات على أمن الملاحة الدولية.

نقطة مراقبة ودعم: قربه من خطوط الملاحة الرئيسية بين آسيا وأوروبا يجعله موقعًا مثاليًا لترتيبات أمنية دولية، سواء لمراقبة الممر أو دعم العمليات اللوجستية.

توازن ساحلي جديد: يعزز وجود مركز اقتصادي ولوجستي رئيسي تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، مما يخلق توازنًا مضادًا لهيمنة الحوثيين على الساحل الغربي.

ب. السياق الإقليمي المضطرب: من ممر تجاري إلى ساحة صراع

تصعيد البحر الأحمر: منذ أواخر 2023، تحول مضيق باب المندب والمناطق المحيطة إلى منطقة اشتباك مفتوحة بسبب الهجمات الحوثية والردود الدولية، مما رفع القيمة الاستراتيجية لأي ميناء آمن خارج سيطرة الجماعة.

مصالح القوى الإقليمية والدولية:

السعودية: قد ترى في المشروع تعزيزًا لموقف حليفتها (الحكومة اليمنية) ودعمًا للاستقرار في تعز، مما يخفف الضغوط الأمنية على حدودها الجنوبية.

الإمارات: تسعى لتوسيع شبكتها اللوجستية كما في بربرة بالصومال والمكلا باليمن، وقد تنظر إلى المخا كجزء متكامل أو كمنافس يتطلب تنسيقًا.

مصر: قلقة من أي تغييرات في أمن البحر الأحمر، الذي يمثل شريانها الحيوي؛ قد يثير التطوير مخاوف من إعادة ترتيب اللاعبين، أو يُرحب به كعامل استقرار إذا بقي تحت إدارة معترف بها.

الولايات المتحدة وحلفاؤها: تبحث عن قواعد دعم آمنة لعملياتها البحرية، ويوفر ميناء متطور في هذا الموقع خيارًا لوجستيًا وسياسيًا هامًا.

ج. الصراع الداخلي: معركة السيادة والإيرادات

استعادة أدوات الدولة: يمثل المشروع محاولة حاسمة لاستعادة دور الحكومة في إدارة الموانئ والإيرادات بعد سنوات من الانهيار أو السيطرة غير الشرعية.

تأثير اقتصادي غير مباشر: إنشاء منفذ بحري فعال جنوب مناطق الحوثيين قد يحول التدفقات التجارية ويقلل الاعتماد على المنافذ الخاضعة لتأثيرهم.

التحديات الأمنية: قرب الموقع من خطوط الاشتباك يجعل الاستثمار عالي المخاطر، وسيتطلب ترتيبات أمنية معقدة وحماية دولية، مما قد يعسكر المشروع ويربطه بالصراع الجاري.

2. الأبعاد المتداخلة: ما وراء الجيوسياسة

أ. البعد الاقتصادي والاجتماعي: أمل لتعز المعزولة

شريان حيوي: تعز، أكبر المحافظات سكانًا، تعاني عزلة لوجستية وحصارًا اقتصاديًا منذ سنوات. يعد المشروع بتخفيض تكاليف الغذاء والدواء والوقود، مما ينعش الاقتصاد المحلي المنهك.

فرص العمل: سيولد آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة في التشغيل والنقل والخدمات، مساهماً في الاستقرار الاجتماعي.

التحدي البنيوي: النجاح مرهون بتطوير شبكة طرق آمنة تربط الميناء بتعز والداخل، وهو استثمار إضافي قد يفوق تكلفة الميناء نفسه.

ب. البعد الأمني المحلي: من الصراع إلى الجذب الاقتصادي

يسعى المشروع إلى تحويل الساحل المحرر من ساحة حرب إلى منطقة جذب اقتصادي، مستندًا إلى منطق المصالح المستدامة لترسيخ الأمن بدلاً من الاعتماد على القوة العسكرية وحدها.

ج. التحديات العملية الرئيسية

المخاطر الأمنية: احتمال استهداف الميناء أو خطوط إمداده ضمن الصراع الأوسع.

المنافسة: جذب الخطوط الملاحية بعيدًا عن موانئ جيبوتي وعدن والمكلا الراسخة.

الحوكمة: ضمان الشفافية لتجنب الفساد أو التنافس النخبوي.

3. السيناريوهات المستقبلية: إعادة تشكيل البحر الأحمر

يعتمد مصير الميناء على تفاعل المتغيرات الإقليمية والداخلية:

سيناريو النجاح (التفاؤلي): يصبح الميناء منفذًا رئيسيًا لتعز والمناطق المجاورة، يجذب شراكات دولية، ويعزز موقف الحكومة الشرعية مع إعادة توازن اقتصادي.

سيناريو التعثر (الواقعي): يعمل بطاقة محدودة بسبب التحديات الأمنية والمنافسة، محافظًا على دور محلي دون تحول جيوسياسي كبير.

سيناريو التصعيد (المتشائم): يتحول إلى هدف عسكري أو ورقة تفاوض، مجمّدًا الاستثمارات ومؤكّدًا طابعه العسكري.

الخلاصة:

تمثل مذكرة تطوير ميناء المخا تجليًا واضحًا لعودة "الجيوبوليتيكس" بأشد صورها، مؤكدة أن الموانئ اليمنية التاريخية تعود إلى صدارة الصراع العالمي على الممرات البحرية. إنه محاولة يمنية ذكية لاستغلال اللحظة الجيوستراتيجية لتحقيق مكاسب اقتصادية وأمنية وسياسية. ومع ذلك، يظل المشروع غارقًا في مخاطر جمة، حيث يفصل خط رفيع بين كونه شريان حياة لتعز وهدفًا في حرب إقليمية. النجاح لن يُقاس بعدد السفن المستقبلة فحسب، بل بقدرة النظام الإقليمي على استيعاب هذا التموضع الجديد دون إثارة تصعيد إضافي.

* أكاديمي ومحلل سياسي يمني – جامعة تعز

 

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

اول محافظ يمني يعلن انفصاله عن الشرعية في خطوة غير مسبوقة

نيوز لاين | 1544 قراءة 

في اقوى تعليق له على تصرفات رئيس الانتقالي عقب وصول الفريق السعودي والإماراتي الى عدن وكشف حقيقة مخفية تحت الكواليس .. شاهد ما قاله خالد الرويشان

المشهد الدولي | 1012 قراءة 

صحيفة الأيام الوصول الى اتفاق بين التحالف العربي والمجلس الانتقالي يخص حضرموت

أنباء عدن | 988 قراءة 

ترقب مغادرة الزبيدي عدن صوب هذه الدولة

كريتر سكاي | 855 قراءة 

بن بريك يتحدى الرياض: أول موقف جنوبي رسمي ضد جهود السعودية في حضرموت والمهرة.. عاجل

مأرب برس | 848 قراءة 

طيران التحالف يرمي قنابل دخانية فوق العبر.. رسائل تحذير في سماء حضرموت وسط توتر متصاعد

يني يمن | 837 قراءة 

اليمن.. تعديلات رئاسية وحكومية "جذرية" مرتقبة

عدن حرة | 749 قراءة 

الوصول إلى إتفاق مبشر بين التحالف والمجلس الانتقالي في حضرموت

صوت العاصمة | 699 قراءة 

عاجل:عيدروس الزبيدي يصدر قرار الليلة

كريتر سكاي | 624 قراءة 

عاجل / بيان ناري للقوات المسلحة الجنوبية رداً على هيئة الأركان اليمنية

عدن تايم | 558 قراءة