أعادت زيارة أم كلثوم إلى عدن في أربعينيات القرن الماضي فتح ملف قديم من الجدل الفني والاجتماعي في اليمن، بعدما تحولت هذه الرحلة إلى واحدة من أبرز المحطات الثقافية في تاريخ المدينة. وجاءت زيارة أم كلثوم إلى عدن في عام 1947 تقريبًا، في وقت كانت فيه الفنانة المصرية في ذروة مجدها، وكانت عدن تُعد مركزًا حضاريًا وثقافيًا مهمًا في المنطقة العربية.
عدن تستقبل كوكب الشرق في ذروة المجد
شهدت مدينة عدن استعدادات واسعة لاستقبال كوكب الشرق، حيث أقيمت حفلات غنائية كبرى حضرها جمهور كثيف من اليمنيين إلى جانب الجاليات العربية المقيمة آنذاك. وتمثل زيارة أم كلثوم إلى عدن حدثًا استثنائيًا، ليس فقط بسبب المكانة الفنية الكبيرة للفنانة، ولكن أيضًا بسبب التأثير الثقافي الذي أحدثته هذه الحفلات في مجتمع كان يعيش تحولات اجتماعية وفكرية متسارعة.
حفلات غير مسبوقة وحضور جماهيري لافت
تميزت حفلات أم كلثوم في عدن بحضور جماهيري غير مسبوق، إذ امتلأت القاعات بالحضور من مختلف الطبقات الاجتماعية. واعتبر كثيرون أن زيارة أم كلثوم إلى عدن وضعت المدينة على خريطة الفن العربي، وجعلتها محطة أساسية في مسار التبادل الثقافي بين مصر واليمن، خاصة في ظل ندرة الزيارات الفنية الكبرى في تلك الحقبة.
أصوات محافظة وانتقادات اجتماعية
لم تمر زيارة أم كلثوم إلى عدن دون اعتراضات، حيث ظهرت أصوات محافظة انتقدت مظاهر الاختلاط في الحفلات، إضافة إلى السهر الليلي المصاحب لها. واعتبر بعض المنتقدين أن هذه الفعاليات لا تتماشى مع القيم الاجتماعية السائدة آنذاك، ما جعل زيارة أم كلثوم إلى عدن محور نقاش واسع بين مؤيدين ومعارضين داخل المجتمع اليمني.
المثقفون يدافعون عن الفن ودوره التنويري
في المقابل، دافع مثقفون يمنيون عن الزيارة، معتبرين أن حضور أم كلثوم يمثل خطوة مهمة نحو نهضة ثقافية حقيقية. وأكد هؤلاء أن زيارة أم كلثوم إلى عدن عكست انفتاح المدينة على الفنون العربية، وأسهمت في تعزيز مكانتها كمركز ثقافي مؤثر في شبه الجزيرة العربية، بعيدًا عن الصورة النمطية السائدة في ذلك الوقت.
البعد الخيري والسياسي يزيد الجدل
زاد الجدل حدة عندما تردد أن جزءًا من إيرادات الحفلات خُصص لدعم أعمال خيرية وقضايا عربية. وأثار هذا الأمر نقاشًا جديدًا حول دور الفن في السياسة، وهل يمكن للغناء أن يكون أداة دعم وطني وقومي. وهكذا تحولت زيارة أم كلثوم إلى عدن من مجرد حدث فني إلى قضية رأي عام تجاوزت حدود المسرح.
محطة خالدة في تاريخ الفن العربي
رغم الجدل الذي رافقها، حققت الحفلات نجاحًا كبيرًا، وبقيت زيارة أم كلثوم إلى عدن علامة فارقة في تاريخ العلاقة بين الفن المصري واليمن. ولا تزال هذه القصة تُستعاد حتى اليوم باعتبارها دليلًا على أن الفن في اليمن كان دائمًا موضوع نقاش مجتمعي، وقادرًا على إحداث تأثير يتجاوز حدود الترفيه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news