هل يُغيّر ترامب مستقبل الشرق الأوسط دون أن يدري؟

     
شبكة اليمن الاخبارية             عدد المشاهدات : 40 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
هل يُغيّر ترامب مستقبل الشرق الأوسط دون أن يدري؟

مشاهدات

حين تُغيّر القوى الكبرى لغتها، فهذا يعني أن الخرائط على وشك أن تتغيّر.

نادرا ما تُقرأ الوثائق الإستراتيجية الكبرى كما ينبغي. إذ يجب الابتعاد عن قراءتها بوصفها بيانات نوايا أو باعتبارها نصوصا تقنية معزولة، بل يجب أن تُقرأ كمرآة دقيقة للحظة تاريخية تتغيّر فيها موازين القوة، وتتبدّل فيها أولويات الدول الكبرى، ويُعاد فيها تعريف معنى النفوذ نفسه.

الإستراتيجية الأمنية الأميركية الجديدة تنتمي إلى هذا النّوع من النصوص، فهي لا تبوح بكل شيء، لكنها تلمّح إلى الكثير، ولا تعلن القطيعة، لكنها توثّق تحوّلا عميقا في طريقة نظر واشنطن إلى العالم، وإلى الشرق الأوسط تحديدا، وهذا ما يعنينا أكثر في هذا المقال.

فالمنطقة التي شكّلت لعقود طويلة القلب النّابض للسّياسة الخارجية الأميركية، تجد نفسها اليوم أمام خطاب مختلف، خطاب ينطوي على حماسة أقلّ، وحذر أكثر، وبرودة أشدّ في حساباته.

هذا لا يعني البتّة أنّ الشرق الأوسط فقد أهميته فجأة، بل لأن الولايات المتحدة باتت تنظر إليه من زاوية جديدة، زاوية ترى فيه ساحة ينبغي ضبط اضطراباتها وليس إعادة تشكيلها، وإدارة أزماتها بعيدا عن الغرق في حلّها.

ويأتي هذا التحوّل في لحظة دولية مشحونة، حيث تعيد حرب أوكرانيا منطق الصّراع بين القوى الكبرى إلى الواجهة، أما الصين فتواصل صعودها الهادئ والمقلق للغرب عموما، والنظام الدولي يتأرجح بين بقايا أحادية لم تمت تماما وتعدّدية لم تكتمل بعد. وفي هذا السياق، يبدو الشرق الأوسط أقلّ مركزية، لكنّه أكثر حساسية، وهو أقلّ أولوية، لكنّه أكثر قابلية لإشعال اختلالات واسعة في حال أُسيء التعامل معه.

من الهيمنة إلى إدارة المخاطر: منطق الإستراتيجية الأميركية الجديدة

لفهم الإستراتيجية الأمنية الأميركية الجديدة فإنه لا يمكن التعامل معها بمعزل عن تفكيك وفهم مسار طويل من المراجعات التي بدأت فعليا منذ أكثر من عقد. فواشنطن، التي خاضت حروبا كبرى في أفغانستان والعراق، ودفعت أثمانا باهظة بشريا وماليا وسياسيا، خرجت من تلك التجارب بقناعة مركزية مفادها أنّ التفوّق العسكري لا يصنع نظاما مستقرا، وأنّ الهيمنة المباشرة قد تتحوّل من مصدر قوة إلى عبء إستراتيجي لا يُحتمل.

من هنا، فإنّ الإستراتيجية الأمنية الأميركية الجديدة لا تعبّر عن انسحاب أميركي بقدر ما تعكس إعادة تموضع محسوبة. فالولايات المتحدة لن تغادر الشرق الأوسط، لكنها تغيّر طريقة بقائها فيه. وهي لم تعد تسعى إلى لعب دور المهندس الإقليمي الذي يعيد رسم التوازنات، بل دور المدير الذي يضع حدودا عليا للأزمات، ويمنعها من التحوّل إلى تهديدات كبرى لمصالحه العالمية الأوسع.

يتغذّى هذا التحوّل من عاملين متداخلين: الأول دولي، ويتمثل في صعود منافسين إستراتيجيين تتقدّمهما الصين، وما يفرضه ذلك من تركيز الموارد والاهتمام على مسارح أخرى، لا سيما محور آسيا والمحيط الهادي. أما العامل الثاني فإقليمي، ويتصل بحالة الاستعصاء البنيوي في الشرق الأوسط نفسه. فهذا الإقليم فيه دول منهكة، وصراعات مزمنة، والفاعلون من غير الدّول، وانقسامات طائفية وقومية أثبتت التّجربة أن كسرها بالقوة أمر مكلف وغير مضمون.

في ضوء كل هذا، تعيد واشنطن ترتيب أولوياتها على أساس مفهوم بات حاضرا بقوة في التفكير الإستراتيجي الأميركي، وهو" إدارة المخاطر بدل صناعة الحلول". فالمطلوب ليس شرقا أوسط مستقرا بالكامل -وهو هدف بات يبدو طوباويا- بل شرق أوسط لا ينفجر في وجه المصالح الأميركية، ولا يفتح مساحات نفوذ غير قابلة للضبط أمام خصومها الدوليين والإقليميين على حدّ سواء.

غير أنّ هذه المقاربة الجديدة لن تمرّ من دون كلفة، فهي تخلق فراغات نسبية، وتشجّع القوى الإقليمية على اختبار حدود الحركة، وتحوّل الأزمات المجمّدة إلى قنابل موقوتة. ومع ذلك، تبقى في نظر صانع القرار الأميركي، أقلّ كلفة من الانخراط المفتوح، وأكثر انسجاما مع عالم يتّجه نحو تعدّدية غير مستقرة.

حين تتغيّر أدوات القوة، يتغيّر موقع الإقليم :

لم يعد التحوّل في أدوات القوة الأميركية تفصيلا تقنيا يخصّ البنتاغون أو دوائر التخطيط العسكري، بل أصبح مؤشّرا كاشفا عن إعادة ترتيب أعمق في تصوّر واشنطن لمكانة الشرق الأوسط داخل النظام الدولي الآخذ في التحوّل. فحين تُقلّص الولايات المتحدة حضورها العسكري المباشر، وتعيد توزيع مواردها، وتفضّل أدوات الضّغط غير الصّلبة، فإنها لا تفعل ذلك بمعزل عن قراءة جديدة لوظيفة الإقليم في معادلة القوة العالمية.

في العقود التي تلت الحرب الباردة، كان الشرق الأوسط يُدار بوصفه ساحة مركزية للهيمنة الأميركية، حيث تنتشر فيه قواعد عسكرية كثيفة، ويشهد تدخلات مباشرة، وعقد تحالفات أمنية صلبة، واستخدام واسع للقوة الخشنة بوصفها أداة ردع وحسم. غير أنّ هذا النموذج بدأ يتآكل تدريجيا، أوّلا، بسبب فشله في إنتاج استقرار دائم، ثمّ بسبب كلفته التي باتت غير متناسبة مع العائد الإستراتيجي في عالم تغيّرت فيه طبيعة المنافسة، ثانيا.

اليوم، نرى أنّ واشنطن، من خلال إستراتيجيتها الأمنية المعلنة، تتّجه إلى إعادة تعريف القوّة نفسها. إذ لم تعد السيطرة الجغرافية أو التفوق العسكري الكاسح وحدهما معيار النفوذ، بل باتت أدوات أخرى، مثل التحكّم في سلاسل الإمداد، والعقوبات الذكية، والتفوق التكنولوجي، وإدارة الفضاءات البحرية والرّقمية، أكثر حضورا في الحسابات الإستراتيجية. وهذا تحوّل يعكس إدراكا بأن النظام الدولي يتّجه، تدريجيا، نحو تعددية معقّدة، حيث يصعب فرض الإرادة بالقوة المباشرة من دون تكبّد استنزاف طويل.

في هذا السياق الجديد، يتراجع الشرق الأوسط من موقع "السّاحة المركزية"، الذي ظلّ فيه منذ عقود، إلى موقع "العقدة الحسّاسة". فهو لم يعد المسرح الرّئيسي للمنافسة الكبرى -كما هو حال شرق آسيا اليوم- لكنه يبقى نقطة تقاطع خطرة بين الطاقة، والممرات البحرية، والصراعات الهوياتية، والفاعلين من غير الدّول. وبذلك، يتحوّل الإقليم، في المنظور الأميركي الجديد، إلى مساحة يجب ضبطها لا إعادة تشكيلها، وإلى مجال يُدار بتوازن دقيق يكون في منطقة ما بين الردع والاحتواء.

وهذا التغيّر في الموقع يفسّر التحوّل في الأدوات. فالوجود العسكري الأميركي لم يختفِ، كما أسلفنا، لكنه بات أقلّ كثافة وأكثر مرونة، قائما على الانتشار السريع والقدرات الجوية والبحرية بدلا من الاحتلال أو التمركز البرّي طويل الأمد. وفي المقابل، صعدت أدوات الضغط الاقتصادي والمالي، بوصفها وسائل تأثير رئيسية، من العقوبات إلى التحكّم في الوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا.

غير أن هذا التحوّل لا يعني انسحابا هادئا، بل إعادة توزيع للمخاطر. فحين تُخفّض الولايات المتّحدة كلفة الانخراط المباشر، فإنها تنقل جزءا من عبء إدارة الاستقرار إلى القوى الإقليمية نفسها. وهنا، يدخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة، مرحلة تُختبر فيها قدرة دوله على ملء الفراغات، أو على الأقل التعايش معها، في ظلّ غياب راعٍ دولي مستعدّ لتحمّل التّكاليف كاملة.

في قلب هذا المشهد، يظهر التناقض البنيوي في المقاربة الأميركية، فهي تريد إقليما مستقرا بما يكفي لعدم تهديد مصالحها، لكنها غير مستعدّة للاستثمار السياسي والعسكري اللازم لبناء هذا الاستقرار. والنتيجة هي اعتماد نموذج "الاستقرار المُدار"، حيث تُحتوى الأزمات عند حدود معيّنة، دون تفكيك أسبابها العميقة.

ولا شكّ في أنّ هذا النموذج لا يُنتج سلاما، لكنه -في المقابل- يمنع الانهيار الشامل. وهو، في الوقت نفسه، يخلق بيئة رمادية تسمح لقوى أخرى -إقليمية ودولية- باختبار حدود النفوذ الأميركي. فروسيا تجد في الفراغات العسكرية فرصة لتموضع محدود، والصّين تستثمر في الفراغات الاقتصادية والتكنولوجية، في حين تتحرّك القوى الإقليمية بين المغامرة تارة، والحذر تارة أخرى.

بهذا المعنى، فإنّ التحوّل في أدوات القوة الأميركية لا يمكن فصله عن التحوّل في بنية النظام الدولي نفسه. فالولايات المتحدة، التي ما تزال القوة الأهمّ عالميا، باتت تتصرّف كقوة تسعى إلى إدارة تراجع نسبي وليس إلى إنكاره، وإلى توزيع الكُلفة بدل تحمّلها منفردة. والشرق الأوسط، في هذا السّياق، لم يعد مركز اللّعبة، لكنه لم يخرج منها أيضا، بل أصبح أحد مسارح اختبار هذا التحوّل العالمي المعقّد.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

انقلاب سعودي محتمل في اليمن

قناة المهرية | 1279 قراءة 

محافظة حضرموت تصدر البيان رقم ( 1 ) بعد بيان السعودية

يمن فويس | 1001 قراءة 

هاني بن بريك يرد على البيان السعودي بهذا التصريح .. شاهد ما قاله

المشهد الدولي | 908 قراءة 

عاجل : ترقب واسع لحدث مرتقب في حضرموت خلال الساعات القادمة

الناقد برس | 800 قراءة 

بعد 9 أشهر من التكتم.. الحوثيون يقرّون بمصرع قيادات في غارات أمريكية - الأسماء

حشد نت | 796 قراءة 

قوات عسكرية تعتدي بالضرب المبرح على قائد امني في حضرموت

كريتر سكاي | 640 قراءة 

عاجل:رسميا السعودية تعلن موقفها الحاسم بشان تحركات الانتقالي في حضرموت والمهرة

كريتر سكاي | 636 قراءة 

عاجل : السعودية تصدر البيان رقم ( 1 ) بشأن الأحداث الجارية جنوب اليمن

يمن فويس | 606 قراءة 

عاجل.. قوات الانتقالي تتجه لتفجير الوضع عسكريُا بحضرموت وتهاجم مواقع حلف القبائل

مأرب برس | 537 قراءة 

السعودية تكشف عن تشكيلها فريق لانسحاب الانتقالي من حضرموت والمهرة

بوابتي | 498 قراءة