يكشف حصار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة للعاصمة المالية، باماكو، تطوراً في التكتيكات الاقتصادية للجماعات المسلحة، فقد باتت تلجأ إلى الاقتصاد من أجل تعبئة موارد جديدة وإنهاك الخصوم.
ومنذ نحو شهرين، نجحت الجماعة في إحداث ارتباك غير مسبوق لنظام النقيب آسيمي غويتا، من خلال منع دخول شاحنات وصهاريج وقوافل الوقود؛ ما شلّ الحركة بشكل كبير في باماكو ومدن أخرى.
وليس هذا التطور الوحيد الذي يكشف عن ميل الجماعات المسلحة لاختبار تكتيكات اقتصادية في مواجهة الجيوش النظامية في إفريقيا التي تعاني عدة أزمات أمنية واقتصادية، إذ تُجرّب هذه الجماعات أموراً أخرى مثل "الفدية" وفرض الضرائب على السكان المحليين وغيرهما.
تحوّل استراتيجي
ويحذّر مراقبون للوضع الأمني المتدهور في إفريقيا من أن دولاً مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو قد تفقد قدرتها على استعادة الاستقرار في ظل نجاح الجماعات المسلحة في تعبئة موارد مالية ضخمة.
وعلّق الخبير الأمني المتخصص في الشؤون الإفريقية، عمرو ديالو، على الأمر بأن "توجه الجماعات المسلحة النشطة في الساحل الإفريقي ومناطق أخرى إلى الاقتصاد يشكل تحولاً استراتيجيا ينبغي التوقف عنده، خاصة أن ذلك يمكّن هذه الجماعات من أموال طائلة تجعلها قادرة على جلب أسلحة جديدة وحتى تقنيات متطورة مثل الطائرات المسيّرة".
وتابع ديالو، في تصريح لـ "إرم نيوز" أن "الجيوش النظامية لم تنجح بعد في التكيف مع هذه التكتيكات وإيجاد حلول لها في ظل عجزها عن وقف عمليات الخطف التي توفر فديات ضخمة للجماعات المسلحة، وأيضاً فرض سيطرتها على أراضيها كافة، وقد أتاح هذا الأمر للجماعات المسلحة تقديم نفسها بديلاً عن الدولة؛ فهي تفرض ضرائب بالفعل مقابل حمايتها وتأمينها للسكان".
ورأى أن "المشهد بات معقداً، وفي ظل عجز أنظمة هذه الدول فإنه من المحتمل أن يزداد التدهور، خاصة في دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا التي اكتوت هي الأخرى بنار هذه الجماعات".
محكّ حقيقي
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الإفريقية، إبراهيم كوليبالي، إن "ما تقوم به الجماعات المسلحة يضع اقتصاد الدول الإفريقية المعنية على محكّ حقيقي، فمالي على سبيل المثال تعاني أصلاً ضائقة مالية حادّة، وقد فاقمها حصار باماكو المستمرّ منذ شهرين".
وأوضح كوليبالي أنّ "هذه الجماعات تعي جيداً القطاعات التي يمكن أن تشلّ الاقتصادات، مثل الوقود والغذاء، وبالتالي توجّهت لخنقها مباشرةً، أما مسألة فرض الضرائب فهي آلية لجأت إليها الجماعات المسلحة في قرى نجحت في السيطرة عليها وهو أمر يضمن لها موارد مالية مهمة".
وشدد المتحدّث، في تصريح لـ "إرم نيوز"، على أنّ "الاستنزاف الاقتصادي والعسكري يضع الدول الإفريقية أمام تحدٍ وجودي؛ وهو ما يستوجب تدخلا دوليا خاصة أن سقوط هذه الدول سيشكل خطرا مباشرا على أوروبا وغيرها من المناطق".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news