حذر خبير أمن بحري من بروز جبهة جديدة في أمن الملاحة بالبحر الأحمر إثر تخريب كابلات الأنترنت، التي تشكل "الشرايين غير المرئية" للاقتصاد العالمي الحديث تحت المحيطات والبحار.
وقال كارل سايكس، الرئيس التنفيذي لمجموعة نبتون بي تو بي، وهي شركة أمن خاصة دولية متخصصة في الأمن البحري في
تحليل
نشرته صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية وترجمه للعربية "الموقع بوست" إنّ حوادث تخريب كابلات الإنترنت البحرية في البحر الأحمر تعد تحدٍّ أمني بحري جديد
مع تزايد استهداف البنية التحتية الرقمية الحيوية في مناطق النزاع والممرات البحرية الحساسة.
وذكر التحليل أن الكابلات البحرية التي تمتد على طول قاع المحيطات تنقل أكثر من 95 في المئة من حركة الإنترنت العالمية عبر ما يقارب 1.5 مليون كيلومتر، وتشكل "الشرايين غير المرئية" للاقتصاد العالمي الحديث. كما "تنقل تريليونات الدولارات من البيانات المالية يوميًا، وتدعم البنية التحتية الحيوية، وتشكل العمود الفقري للتجارة العالمية".
وأضاف أن "سلسلة الحوادث التي شهدها البحر الأحمر هذا العام سلطت الضوء على هذه الحقيقة الخفية. وسواء كان سببها أعمال تخريب أو حوادث بحرية، فإن قطع كابلات الإنترنت البحرية المتعددة تسبب في آثار متتالية عبر القارات - فقد ارتفع زمن الوصول، وتباطأت الخدمات، وفي بعض الحالات، واجهت العمليات الحيوية انقطاعًا. وقد أبرزت هذه الانقطاعات مدى هشاشة الاتصال العالمي عند التعرض لنقاط الاختناق.
وفقًا للجنة الدولية لحماية الكابلات، يتم الإبلاغ عما بين 100 و200 حادثة تتعلق بالكابلات البحرية سنويًا، مما يُبرز مدى تعرض هذه الانقطاعات للخطر وتكرارها. تُظهر الحوادث الأخيرة أنه عند تعرض هذه الأصول للخطر، يمكن أن تتراكم العواقب على الاقتصادات والسياسات والمجتمعات.
وأشار إلى أن البحر الأحمر يدير جزءًا كبيرًا من حركة البيانات بين أوروبا وآسيا. وبينما لا تُعدّ المخاطر التي تتعرض لها الكابلات البحرية أمرًا جديدًا، تُسلّط الأحداث الأخيرة الضوء على تزايد تعرضها للخطر والحاجة إلى تعزيز حمايتها ضمن أطر الأمن البحري.
وتابع "يعكس ذلك مشهدًا من التهديدات تختبر فيه الجهات الفاعلة غير التقليدية حدود حماية البنية التحتية والتنسيق الأمني والتأهب الجيوسياسي".
وأكد أن الكابلات التي تربطنا رقميًا أصبحت أهدافًا متزايدة في العالم المادي، حيث تتقاطع الصراعات وعدم الاستقرار والحسابات الاستراتيجية. ويتطلب هذا التحدي اهتمامًا أكبر بكثير مما حظي به.
نقاط الاختناق والتعقيدات
وطبقا للتحليل فإن البحر الأحمر، وتحديدًا مضيق باب المندب، يعد عقدة حيوية في التدفقات البحرية العالمية. وقال إن هذا التركيز الاستراتيجي يجعل المنطقة عُرضةً بشكل خاص لعدم الاستقرار على اليابسة، وغالبًا ما يُحاكي التهديدات تحت الماء. عندما تسعى الجهات المعادية إلى النفوذ، فإنها غالبًا ما تتجه نحو أهداف عالية القيمة ومنخفضة الرؤية.
"تُعدّ الكابلات البحرية بالغة الأهمية ليس فقط لربط دولة واحدة، بل لمناطق بأكملها وأنظمة عالمية. يُمكن لكابل واحد أن ينقل بيانات لعدد من الدول والقارات، من الهند وشرق إفريقيا إلى أوروبا والخليج. إذا تسبب عمل تخريبي كبير في إتلاف عدة كابلات في وقت واحد، فقد تكون النتيجة انقطاعات طويلة الأمد، وانخفاض في سرعات الإنترنت، وتأخيرات مالية، وتعطل العمليات السحابية لملايين الأشخاص".
وفق التحليل.
وأفاد أن إصلاح هذه الكابلات قد يستغرق أسابيع أو حتى أشهرًا نظرًا للسفن المتخصصة، وعمليات استعادة قاع البحر المعقدة، وإجراءات الربط، والتنسيق العالمي اللازم.
ويتطلب هذا حسب التحليل منع الانقطاعات المستقبلية الاستثمار في توفير مسارات بديلة، وتقنيات مراقبة مُحسّنة، ومعلومات استخباراتية مشتركة حول التهديدات، وأطر عمل جديدة للتعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية البحرية، تُعامل هذه الكابلات باعتبارها أساسية للأمن القومي، لا مجرد مرافق تجارية.
ودعا خبير الأمن البحري إلى اعتبار حماية الكابلات البحرية جزءاً من منظومة الأمن البحري العالمية، وتطوير أنظمة مراقبة مبكرة لرصد الأنشطة المريبة، وتنسيق الجهود بين الحكومات والقطاع الخاص لتأمين هذه البنى الحيوية.
وأكد أن الابتكار التكنولوجي سيكون أيضًا جزءًا حيويًا من أي حل طويل الأجل. يمكن لأنظمة الإنذار المبكر، ومراقبة السونار المتقدمة، والتحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لنشاط السفن أن توفر مستويات جديدة من الوقاية.
مخاطر مالية كبيرة
يشير التحليل إلى أن مشاريع الكابلات البحرية يتطلب ما بين 24 و36 شهرًا لإكمالها، بدءًا من التخطيط الأولي وحتى النشر الكامل. وغالبًا ما تتأثر الجداول الزمنية بعمليات إصدار التصاريح ومسوحات المياه العميقة، من بين عوامل أخرى. اعتمادًا على المسار والتكوين، يمكن أن تتراوح تكلفة الأنظمة الجديدة بين 200 مليون دولار و250 مليون دولار أو أكثر، مما يُبرز المخاطر الاستراتيجية والمالية التي تنطوي عليها حماية هذه الاستثمارات.
وخلص خبير الأمن البحري كارل سايكس، في تحليله إلى القول إن "أحداث البحر الأحمر كشفت عن الأهمية الاستراتيجية للبنية التحتية التي تربط مجتمعاتنا الرقمية معًا. واليوم، تُعتبر هذه الكابلات أصولًا جيوسياسية بالغة الأهمية مثل ممرات الشحن أو ممرات الطاقة، ويجب حمايتها بنفس القدر من التبصر".
  
  تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية  عبر  Google news