حين يصبح البرد عدوًا آخر .. نازحو مأرب يروون فصول معاناتهم في مخيمات النسيان
مع حلول فصل الشتاء القارس، تتجدد مآسي النزوح في محافظة مأرب، حيث يعيش عشرات الآلاف من الأسر النازحة تحت خيامٍ مهترئة تآكلت أطرافها وامتلأت بالثقوب، غير قادرة على صدّ رياح البرد أو حماية ساكنيها من موجات السقيع التي تضرب المنطقة منذ مطلع أكتوبر الجاري.
هذه المعاناة ليست جديدة، بل هي امتدادٌ لمأساةٍ مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، تسبّب بها انقلاب ميليشيا الحوثي وإعلانها الحرب على اليمنيين، ما أدى إلى تشريد الملايين داخل البلاد وخارجها، لتتحول مأرب إلى أكبر تجمعٍ للنازحين في اليمن، حيث تحتضن أكثر من 36 ألف أسرة في عشرات المخيمات المنتشرة في أرجائها.
في مخيم سُميّة شرق مأرب، تتجلى صورة البؤس الإنساني بأوضح معانيها. خيامٌ باهتة فقدت لونها من شدة الشمس والعواصف، وأسرٌ تتقاسم البطانيات القليلة بين ثلاثة أو أربعة منازل مؤقتة، فيما الأطفال وكبار السن يواجهون الليالي الباردة بلا وسائل تدفئة، سوى ما تبقّى من نارٍ تُشعلها الأمهات ببقايا الأخشاب أو البلاستيك.
يقول أحد العاملين في المجال الإغاثي إن موجات البرد هذا العام هي “الأشد منذ أعوام”، مشيرًا إلى تسجيل حالاتٍ متزايدة من الإسهالات وأمراض الجهاز التنفسي بين الأطفال والمسنين، في ظل غيابٍ شبه تام للتدخلات الإنسانية، وتقليص حجم المساعدات التي كانت تقدّمها المنظمات في السابق.
ورغم النداءات المتكررة التي أطلقها سكان المخيمات، لم تصل حتى الآن أي مساعدات إغاثية أو مواد للتدفئة، فيما تتّسع دائرة الحاجة يومًا بعد يوم، ويزداد الوضع سوءًا مع استمرار تدهور الخدمات الصحية والمعيشية.
النازحون في مأرب اليوم لا يواجهون فقط مرارة حرب ميليشيا الحوثي — العدو الذي هجّرهم من منازلهم — بل يواجهون عدوًا جديدًا لا يرحم: البرد القارس الذي يحاصرهم كل ليلة، في ظل صمت العالم وتراجع الدعم الإنساني.
وفي حين تواصل الأسر صراعها اليومي من أجل البقاء، تبقى مأرب، مدينة النزوح والصمود، شاهدةً على واحدةٍ من أكبر المآسي الإنسانية في اليمن، حيث يتحول البرد إلى امتحانٍ قاسٍ لإنسانية العالم الذي ما زال يدير ظهره لمخيمات النسيان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news