الحوثيون.. عبث السلطة وتدمير الحياة السياسية في اليمن
قبل 1 دقيقة
في مشهد يعكس عمق الأزمة السياسية التي يعيشها اليمن تحت سلطة الحوثيين، كشف مصدر مؤتمري مسؤول عن تفاصيل الاجتماع الأخير للجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام المنعقد في 28 أغسطس 2025م، والذي ناقش بإسهاب قضية احتجاز الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام، الأستاذ غازي أحمد علي محسن، وما ترتب على ذلك من تأثير مباشر على نشاط القيادة التنظيمية للحزب. هذه الحادثة ليست مجرد اعتقال لشخصية سياسية، بل هي تجسيد صارخ لنهج حوثي شمولي يسعى إلى خنق أي صوت وطني حر، وإلغاء الحياة السياسية لصالح مشروع طائفي ضيق لا يؤمن إلا بالهيمنة والإقصاء.
منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء عام 2014م، لم يتوقف مسلسل القمع السياسي ضد القوى الوطنية، وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام، الحزب الذي قاد اليمن لعقود وارتبط اسمه بالتحولات الكبرى في مسار الدولة الحديثة. واليوم، يأتي احتجاز أمينه العام ليكشف مرة أخرى أن الحوثيين لا يكتفون بتكميم أفواه خصومهم، بل يسعون لتصفية الحياة الحزبية برمتها وتحويل اليمن إلى ساحة صمت مطلق، حيث لا يُسمع إلا صوت المليشيا وقادتها.
الاجتماع الأخير للجنة العامة، وفق المصدر، ناقش بمرارة ما تتعرض له قيادات المؤتمر من ضغوط واحتجازات، وما يواجهه الحزب من سطو على أمواله وممتلكاته. ورغم أن الاجتماع أقر تشكيل لجنة لمتابعة إجراءات الإفراج عن الأمين العام، تضم عدداً من الشخصيات الوطنية من داخل المؤتمر وخارجه، فإن الأيام والأسابيع مرّت دون أن تُنفذ أي من الالتزامات، ودون أن تظهر نية حقيقية من الحوثيين للإفراج عن الرجل أو إعادة الممتلكات المصادرة.
لقد تجاوزت مليشيا الحوثي كل الخطوط الحمراء في تعاملها مع القوى الوطنية، فهي لا تعترف بشراكة ولا تؤمن بحوار، بل تتعامل بمنطق المنتصر الذي يرى في الآخرين مجرد أدوات أو خصوم يجب إخضاعهم أو التخلص منهم. احتجاز الأستاذ غازي أحمد علي محسن ليس إلا حلقة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي طالت قيادات وأعضاء المؤتمر الشعبي العام منذ استشهاد الزعيم علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017م، حين قرر الحوثيون أن ينتقموا من كل ما يمثل الدولة والجمهورية والوطنية اليمنية.
إن تجميد النشاط التنظيمي للمؤتمر الشعبي العام، كما أشار المصدر، هو نتيجة طبيعية لحالة الخنق السياسي التي فرضها الحوثيون، الذين صادروا القرار الحزبي كما صادروا مؤسسات الدولة. فكيف يمكن لأي حزب أن يمارس نشاطه في ظل بيئة أمنية خانقة، تكمم الأفواه، وتعتقل القادة، وتصادر الممتلكات، وتراقب الاجتماعات الحزبية بعدسات المخابرات؟
الحوثيون اليوم لا يواجهون المؤتمر الشعبي العام وحده، بل يواجهون فكرة الدولة نفسها. إنهم يريدون تفريغ اليمن من مؤسساته المدنية والحزبية ليقيموا على أنقاضها سلطة كهنوتية مغلقة، تدار بفتاوى دينية مغلوطة وشعارات جوفاء عن "الولاية" و"الحق الإلهي". في ظل هذا الواقع، يصبح احتجاز قيادي بحجم الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام عملاً سياسياً ممنهجاً هدفه إسكات آخر الأصوات الوطنية المعتدلة التي ما زالت تؤمن بالحوار والوسطية والتعايش.
ولعل أبرز ما كشفه البيان هو أن اللجنة المكلفة بمتابعة قضية الإفراج توقفت عن عملها “لأسباب وظروف غير معروفة”. وهذه العبارة وحدها كافية لتلخيص حال الحياة السياسية في مناطق سيطرة الحوثيين: غموض، خوف، ومصادرة للقرار. فحتى الشخصيات التي كانت تُعرف بعلاقتها القريبة من أنصار الله باتت اليوم عاجزة عن ممارسة دورها، بعد أن أدركت أن الحوثي لا يعرف سوى منطق الإملاء لا الشراكة.
إن المؤتمر الشعبي العام، كما جاء في البيان، سيبقى “التنظيم الوطني الرائد الذي انبثق من بين صفوف الشعب وحمل آماله وتطلعاته”. هذه العبارة ليست مجرد خطاب سياسي، بل هي رسالة تحدٍّ في وجه مشروع الحوثي الذي يحاول أن يصادر هوية اليمن الوطنية لصالح هوية طائفية دخيلة. فالمؤتمر، رغم كل ما يتعرض له، لا يزال يمثل تيار الاعتدال والوسطية في بلد أنهكته الحروب والمغامرات الأيديولوجية.
لقد آن الأوان أن يدرك اليمنيون، بمختلف انتماءاتهم، أن بقاء الحوثيين في السلطة يعني موت السياسة ودفن التعددية، وأن الصمت على احتجاز القيادات الوطنية هو تواطؤ غير مباشر مع مشروع يسعى لطمس كل معالم الجمهورية. احتجاز الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام ليس قضية تنظيمية فحسب، بل قضية وطنية تمس كرامة كل يمني حر، لأن ما يُرتكب ضد المؤتمر اليوم سيتكرر غداً ضد كل من يجرؤ على قول “لا” في وجه سلطة المليشيا.
إن التاريخ سيسجل أن الحوثيين، بدل أن يستثمروا فرصة الشراكة الوطنية بعد سنوات الحرب، اختاروا طريق القمع والاستبداد. لكنهم واهمون إن ظنوا أن اعتقال القادة سيوقف المسيرة الوطنية، فالأفكار لا تُسجن، والإرادة الحرة لا تُكسر. سيظل المؤتمر الشعبي العام، ومعه كل القوى الوطنية، شوكة في حلق مشروع الحوثي، حتى يعود اليمن دولةً لكل أبنائه، لا مزرعةً لفئة تدّعي الحق الإلهي في حكم الناس.
ختاماً، فإن ما يجري اليوم ليس سوى اختبار جديد لإرادة اليمنيين، واختبار لمدى صبر القوى الوطنية على عبث المليشيا. والمؤتمر الشعبي العام، رغم الجراح، أثبت أنه الضمير الوطني الحي، وأنه لن يتخلى عن نهجه الوسطي المعتدل، مهما اشتدت حملات القمع الحوثية. وسيأتي اليوم الذي تُفتح فيه السجون، وتُستعاد الأموال، وتعود الكلمة الحرة لتعلو من جديد فوق ركام الاستبداد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news