إريتريا.. حيث تُسحل الأحلام بجنازير الموت

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 67 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
 إريتريا.. حيث تُسحل الأحلام بجنازير الموت

إريتريا.. حيث تُسحل الأحلام بجنازير الموت

قبل 19 دقيقة

في ركن صغير من القارة السمراء، توجد دولة تُدعى إريتريا، ويبلغ عدد سكانها حوالي 3.7 ملايين نسمة، وفيها سجن هو الأكبر في العالم، على مساحة تقارب 117 ألف كيلومتر مربع.

صباح باهت، تصحو أسمرة وشقيقاتها من المدن الإريترية على تكرار ممل للمأساة نفسها، فلا ضجيج لأطفال يهرولون إلى مدارسهم، ولا أصوات ضحكات تملأ الأزقة، بل صباح على وقع جنازير العربات العسكرية وصدى الأوامر الصارمة لضباط وعساكر اعتادوا الحديث بلغة البنادق. بلد يغيب فيه الفرح وتصادر فيه الأحلام، يصحو الناس على الخوف وينامون عليه.

بين جبالها الصامتة وسواحلها الطويلة، تخفي إريتريا وجعًا لا تلتقطه الكاميرات، وطن صغير حوله القهر إلى مساحة من الصمت، الحلم فيه تهمة، والنجاة مرادف دائم للهجرة، جغرافيته لم تعد وطناً، والمنفى هو الامتداد الطبيعي لأبنائه.

في دورة نظمها اتحاد الإعلاميين الأفرواسيوي ومنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية، التقيت بمجموعة من الشباب الإريتريين. خمسة أيام كانت كافية لأدرك حجم الفاجعة، كنت أستمع إليهم وأشعر بالعار؛ كيف لم أسمع من قبل عن هذا الوجع القريب منا ونحن على الضفة ذاتها من البحر الأحمر؟

كانت قصصهم تروى بملامح فقدت الأمل، وكلمات تحاول النجاة من ثقل الحقيقة. مأساة صامتة، يقابلها صمت دولي أكثر صرامة ووجعًا من الرصاص.

يقول لاجئ إريتري لصحيفة ذا غارديان: "حين غادرت، لم أكن أعرف إلى أين أذهب، فقط كنت أعرف أن البقاء يعني أن أختفي يومًا بلا أثر".

كل بيت في إريتريا يحمل حكاية غياب شاب لم يعد من الخدمة العسكرية، معلم اختفى بعد أن سأل سؤالًا في الصف، وأم ودعت أبناءها إلى منفى لا عودة منه.

منذ أكثر من ثلاثة عقود، يعيش الإريتريون في دولة بلا أصوات، بلا انتخابات، بلا برلمان، بلا صحافة؛ بلد الصمت وسيلة النجاة الوحيدة فيه.

التعليم طريق إلى العسكرة لا المستقبل

في الداخل الإريتري، يهيمن الخوف على كل تفاصيل الحياة، المدارس والكليات خاضعة تمامًا لرقابة النظام، والتعليم فيها ليس طريقًا للمعرفة بل وسيلة لزرع الطاعة.

بعد المرحلة الثانوية، يُجبر الطلاب على الالتحاق بـ معسكر ساوا، وهو مركز عسكري-تعليمي يتحول فيه القلم إلى بندقية، والدفتر إلى دفتر أوامر.

وبحسب تقرير هيومن رايتس ووتش (2024)، تمتد الخدمة الوطنية في إريتريا إلى أجل غير مسمى، ويُستخدم المجندون كعمال بالسخرة في مشاريع زراعية وبناء قسرية.

أما يونيسف فتؤكد أن أكثر من 40% من الأطفال الإريتريين خارج التعليم الأساسي، بعد أن تحول التعليم إلى بوابة نحو العسكرة لا نحو الأمل.

المنفى كوطن بديل

منذ عقدين، تحول المنفى إلى اللغة الوحيدة التي يتحدثها الإريتريون، وفي مخيمات اللجوء الممتدة على حدود السودان وإثيوبيا، تعلق حياة مئات الآلاف بين الطين والانتظار.

تقول معلمة إريترية في مقابلة مع منظمة رعاية الأطفال: "كنت أدرس الأطفال الجغرافيا.. لكني لم أستطع أن أشرح لهم أين تقع الحرية".

تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) 2025، يؤكد أن أكثر من 650 ألف لاجئ إريتري يعيشون خارج بلادهم، معظمهم في شرق إفريقيا.

وأولئك الذين يواصلون الرحلة نحو المتوسط، تقول المنظمة الدولية للهجرة (IOM) إن أكثر من 3000 إريتري يفقدون حياتهم سنويًا في الصحراء أو البحر.

لاجئ وصل إلى إيطاليا قال لقناة الجزيرة الإنجليزية: "في البحر كنا 120 شخصًا، فقط 37 نجوا... لم أكن أعرف أن الحرية تحتاج كل هذا الغرق".

بلاد على هامش العالم

ليست مأساة الإريتريين وليدة الداخل فقط، بل تغذيها عزلة دولية خانقة؛ منذ استقلالها عام 1993، دخلت إريتريا في نزاعات حدودية مع إثيوبيا وجيبوتي، وتوترات حادة مع السودان واليمن بسبب ملفات أمن البحر الأحمر.

كما فرضت الأمم المتحدة عقوبات على أسمرة بين عامي 2009 و2018 بتهمة دعم جماعات مسلحة في الصومال، قبل أن تُرفع دون تحسن في سجلها الحقوقي.

علاقتها مع الغرب باردة، فالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يصفان النظام الإريتري بأنه "منغلق وغير متعاون"، خصوصًا بعد رفضه الانخراط في آليات المراقبة الأممية لحقوق الإنسان.

وتبرر الحكومة ذلك بأنه "استقلال القرار الوطني"، فيما يراه المراقبون عزلة طوعية عمقت معاناة الشعب الإريتري، الذي يدفع يوميًا ثمن هذه السياسات من حريته وكرامته ولقمة عيشه.

صمت بحجم الوجع

رغم كل هذا، ظل العالم يتفرج، الأمم المتحدة تصدر تقارير، والاتحاد الإفريقي يلتزم الحياد، والدول الكبرى تكتفي ببيانات “القلق العميق”، كأن وجع الإريتريين لا يكفي ليسمع.

وصف مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة (2024) إريتريا بأنها "دولة تمارس الاعتقال والتجنيد القسري والتعذيب المنهجي"، لكن لم تتبع ذلك خطوات عملية، فالعقوبات محدودة، والمساعدات مقننة، والمخيمات تتكاثر كأنها مدن بديلة للحياة.

يقول ناشط إريتري في المنفى لـ دويتشه فيله: "نحن أكثر الشعوب نسيانًا على وجه الأرض، نعيش في ظلال الأخبار كأننا خطأ مطبعي في خريطة إفريقيا".

بلاد تكتب تاريخها بالهروب

في النهاية، تبدو إريتريا وكأنها تكتب تاريخها بالرحيل لا بالبقاء؛ أطفالها يولدون في المخيمات، شبابها يموتون في البحار، وشيوخها ينتظرون أبناء لن يعودوا.

إنها ليست أزمة نظام سياسي فحسب، بل نكبة هوية كاملة، تذوب فيها فكرة الوطن، وتغيب فيها ملامح الإنسان.

ربما كانت جملة اللاجئ الإريتري في لقاء مع ذا غارديان الأكثر وجعًا وصدقًا:

"نحن لا نطلب سوى أن نعيش يومًا عاديًا... دون خوف من الباب الذي سيطرق بعد منتصف الليل."

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الانتقالي يقدّم ضمانات بعدم إعلان الانفصال ويوافق على عودة مجلس الرئاسة لعدن… مقابل بقاء قواته في حضرموت والمهر

يمن اتحادي | 1213 قراءة 

الانتقالي عبر وسيط يوافق على الانسحاب التدريجي وهذا الرد السعودي حوّل ذلك تفاصيل حصرية

المشهد الدولي | 1153 قراءة 

عاجل: الحكومة اليمنية والتحالف يمنحان المجلس الانتقالي مهلة 48 ساعة للانسحاب من حضرموت والمهرة.. ساعة الصفر تقترب

مأرب برس | 1122 قراءة 

بيان ناري من مجلس الشورى حول التدخل السعودي في حضرموت والمهرة!

موقع الأول | 804 قراءة 

أكاديمي إماراتي يهاجم القيادة السعودية: تهديدك لجنوب اليمن جنون.. حرر صنعاء أولاً

بران برس | 782 قراءة 

اقوى رد اماراتي على طلب التحالف العربي من الانتقالي الانسحاب من حضرموت والمهرة

كريتر سكاي | 728 قراءة 

تحركات جديدة للمجلس الانتقالي نحو ترتيبات استراتيجية تشمل مأرب وتعز والبيضاء

الأمناء نت | 687 قراءة 

ليلى عبد اللطيف: دولة عربية تواجه مصيرًا مظلمًا يشبه ما حصل في سوريا!

المرصد برس | 509 قراءة 

الوسيط طارق ..الانتقالي يوافق على الإنسحاب من المهرة دون حضرموت والرئاسي والسعودية ترفض رفضا قاطعا

يني يمن | 475 قراءة 

”خطوتين إلى الخلف أفضل من خطوة إلى الأمام”... لملس يرد على دعوة السعودية للانتقالي بالانسحاب من حضرموت والمهرة

المشهد اليمني | 449 قراءة