طيلة عامين، ومع تصاعد الحرب الإسرائيلية، على قطاع غزة، اتخذت جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب، تصعيداً للهجمات ضد الملاحة الدولية، واستغلالاً للشعب اليمني، تحت مسمى نصرة غزة.
واليوم، ومع سريان اتفاق وقف الحرب، بدت الجماعة المدعومة إيرانيًا أكثر عزلة خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرتها بقوة السلاح والبروباجندا الإعلامية، والتي زادت من وتيرتها، منذ أكتوبر 2023.
ومع الساعات الأولى لسريان الاتفاق في غزة، سارع الحوثيون، إلى استخدام لغة التهديد مجدداً، ضد السعودية على وجه الخصوص، في إشارة يرى فيها مراقبون، أن الجماعة، مقبلة على سيناريوهات عدة، قد يكون منها التصعيد العسكري، وستتجاوز شن الهجمات في البحر الأحمر.
"بران برس"، واستشرافاً للقادم في اليمن، ولما بعد حرب غزة، تحدث إلى عدد من المختصين والمحللين السياسيين، الذين توقعوا "عدد من السيناريوهات"، المتوقع أن تلجأ إليها الجماعة، بحثاً عن مبررات جديدة للتصعيد وتحقيق مكاسب سياسية، مع مراوغات سياسية كما هو عهدها، بما يخص السلام وإنهاء الحرب في البلاد، التي خلفت أسوأ أزمة إنسانية وفق تقارير أممية.
مأزق حوثي
في البداية، يرى المحلل السياسي، "عبدالواسع الفاتكي"، أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وضع الحوثيين، أمام مأزق استراتيجي حقيقي، بعد أن فقدوا الذريعة، التي استخدموها طيلة الأشهر الماضية، لتبرير تصعيدهم العسكري والإعلامي في البحر الأحمر وباب المندب، وحتى في هجماتهم المعلنة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأكد "الفاتكي" في حديثه لـ"برّان برس"، أن "توقف الحرب في غزة، غيّر موازين المشهد بالنسبة للحوثيين، وفرض عليهم البحث عن مسارات جديدة، تحفظ حضورهم العسكري والسياسي والإعلامي".
خفض التصعيد
إزاء ذلك، توقع المحلل الفاتكي، 3 سيناريوهات، قال إنها "رئيسية وقد تحدد ملامح تحركات الحوثيين، خلال المرحلة المقبلة"، يتمثل الأول بلجوء الجماعة، إلى خفض التصعيد في البحر الأحمر، والتوقف عن استهداف الأراضي الفلسطينية المحتلة، مقابل التركيز على تعزيز الجاهزية القتالية وإعادة الانتشار في بعض الجبهات الداخلية مثل تعز ومأرب والضالع.
وضمن هذا السيناريو، يرى أن الجماعة، ستستمر في تطوير قدراتها الصاروخية، والمسيّرة، بدعم وإشراف من طهران، لضمان استمرار حالة الاستنفار العسكري، دون الدخول في مواجهة مباشرة، مع المجتمع الدولي، خصوصاً بعد إدراكها أن أي تصعيد واسع، قد يكلّفها ثمناً باهظاً.
تصعيد داخلي
أما عن السيناريو الثاني، بحسب "الفاتكي"، يتمثل في تصعيد الحوثيين داخلياً، لتعويض خسارة الزخم الخارجي، حيث إن انتهاء حرب غزة أفقدهم الغطاء الإعلامي والسياسي، الذي استخدموه في تعبئة أنصارهم تحت شعار نصرة غزة.
وأشار إلى أن ذلك قد يدفع الجماعة، إلى تحريك العمليات العسكرية ضد الجيش الوطني، للحفاظ على تماسكها العسكري وجبهتها الداخلية، التي بدأت تتململ تحت وطأة تدهور الأوضاع المعيشية.
ولفت إلى أنها قد تفتعل مواجهات محدودة في مأرب أو تعز، في محاولة لتحسين موقعها التفاوضي مستقبلاً، أو للهروب من استحقاقات دفع الرواتب، وتقديم الخدمات، مستغلة الحرب، كذريعة دائمة، لتبرير فشلها في إدارة مناطق سيطرتها"، مشيراً إلى أن هذا التصعيد، إن تم، يهدف أيضاً إلى محاولة إعادة إنتاج صورة الحوثيين، بعد فقدان البريق، الذي وفرته حرب غزة.
هجمات رمزية
عن السيناريو الثالث، قال المحلل السياسي عبدالواسع الفاتكي، إنه سيكون وفق "عمليات محدودة بإيعاز من طهران"، مضيفاً: "هناك احتمال ثالث، يتمثل في تنفيذ الحوثيين عمليات رمزية ومحدودة في البحر الأحمر، مثل إطلاق طائرات مسيّرة، أو صواريخ مضادة للسفن".
وتابع بالقول: "وهذا الاحتمال، مرتبط بشكل مباشر بالموقف الإيراني، وتطور علاقاتها مع الغرب، فقد تدفع إيران الحوثيين للتصعيد مجدداً، إذا اشتدت عليها الضغوط الدولية، أو تجددت المواجهة مع إسرائيل من أجل استخدام الحوثيين كورقة ضغط، ضمن ردها على إسرائيل، أو دعم مفاوضاتها المتعلقة، بالملف النووي، أو لتعويض خسائرها في سوريا ولبنان.
وأردف: "إن الممر المائي في البحر الأحمر وباب المندب، بات ورقة ضغط استراتيجية، بيد الحوثيين وإيران في آنٍ واحد، فالمليشيات الحوثية تنظر إلى البحر الأحمر، كمنصة نفوذ، تتيح لها انتزاع اعتراف دولي غير مباشر بها كقوة إقليمية مؤثرة، بل واستخدامه كورقة تفاوض مع الولايات المتحدة وبريطانيا، عبر تهديد الملاحة الدولية".
مبررات للتصعيد
ويضيف: "ومن المحتمل أن يبحث الحوثيون عن مبررات جديدة للتصعيد، مثل الوجود الأمريكي والبريطاني، في البحر الأحمر، أو الرد على ضربات سابقة، عندئذ سيتحول خطابهم من نصرة غزة إلى مواجهة الاستكبار العالمي، استمراراً للخطاب الإيراني المعتاد".
ويرى أنه مع ذلك، فقد تسلك الجماعة، مسلك الخفض الكبير، لوتيرة العمليات العسكرية، نتيجة فقدان الغطاء الشعبي والسياسي، إضافة إلى خشيتها من تحرك دولي واسع ضدها، إذا عادت للتصعيد في البحر الأحمر وباب المندب".
وبشأن موقف الحوثيين، من عملية السلام، استبعد "الفاتكي"، استعدادهم لأي تسوية حقيقية، في الوقت الراهن، مشيراً إلى أنهم يرون أنفسهم "في موقع قوة"، بعد حرب غزة، ويعتقدون أن دورهم في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منحهم وزناً سياسياً جديداً.
مسار السلام
ويرى أن الحوثيين، وإن أبدوا أي مرونة في المفاوضات، ستكون شكلية وتكتيكية، هدفها كسب الوقت وتخفيف الضغوط الدولية، أو قد تأتي بإيعاز من طهران إذا وجدت نفسها تحت ضغط اقتصادي أو عسكري كبير".
وقال: إنه "قد يوافق الحوثيون، على خطوات إنسانية جزئية، مثل صرف المرتبات، أو فتح الطرق"، مضيفاً: "قد لا تتجاوز هذه الخطوات، لأن الجماعة تنظر إلى السلام كوسيلة لترسيخ سلطتها، لا كخيار لإنهاء الحرب".
وأشار إلى أن الجماعة، قد تستمر، في انتهاج خطاب مزدوج، فبينما تتحدث عن السلام والانفتاح على التفاوض، تمارس داخلياً التعبئة والتحشيد والتجنيد العقائدي، في استمرار في مشروعها الطائفي القائم، على ترسيخ الانقسام المجتمعي والجغرافي في اليمن.
أجندة عابرة للحدود
من جهته، المحلل والخبير العسكري العميد الركن "ثابت حسين" يقول: "إنه من الصعب أولاً، الوثوق أن ما جرى حتى الآن، سوف يوقف الحرب في غزة نهائياً، فعادة ما تأتي الشياطين في التفاصيل".
ويضيف في إطار إجاباته على تساؤلات "بران برس": "لكن على افتراض، أن هذه الحرب، قد انتهت وهو توجه دولي بالفعل، اعتقد أن الحوثيين سيسيرون وفقاً الأجندات الإيرانية، فهم أولاً وأخيراً جزء لا يتجزأ، من المحور الإيراني، ومن غرفة عمليات واحدة، هي الحرس الثوري الإيراني".
وعن مسار السلام، أكد أنه من حيث المبدأ، الحوثيون لا يبحثون، أو يجنحون نحو السلام، لافتاً إلى أنه "ليس وارداً في أجندة الجماعة الوصول إلى حل واتفاق سياسي سلمي، لحل الأزمة اليمنية، حلاً شاملاً وعادلاً".
ووفق العميد ثابت حسين، فإن الجماعة، تدرك جيداً، أن نهاية الحرب تعني نهاية مشروعها، المتمثل في فرض السيطرة الحديدية، على المناطق، التي تسيطر عليها، وفي إبقاء الوضع متوتراً في الجنوب، في حالة لا سلم ولا حرب.
الارتباط إيرانياً
وأضاف: "هذا من حيث المبدأ، لكن في الأول والأخير، نؤكد مرة أخرى، ان للحوثيين ارتباطاً وثيقاً بالأجندة الإيرانية، وسوف تظل تلك الأجندة، هي المحددات الأساسية، لأي توجه حوثي، سواء كان نحو التصعيد أم نحو السلام".
وطبقاً لذلك، أشار إلى أنه إذا ما أبرمت إيران، صفقات مع أمريكا أو حتى إسرائيل، فإن الحوثيين طبعاً سيتجهون نحو خيار السلام، أما إذا لم تتم مثل هذه الصفقات، فإنهم سيصعدون عسكرياً وسيختلقون أي مشاكل، وربما يكون توجههم نحو تعطيل الملاحة الدولية، خاصة في خليج عدن والبحر العربي.
تحديات كبيرة
إلى ذلك توقع رئيس وحدة الإعلام في مركز المخا للدراسات الاستراتيجية "عبدالعزيز الأبارة"، مواجهة الحوثيين، بعد توقف حرب غزة تحديات كبيرة، على الصعيدين العسكري والسياسي".
وقال في حديثه لـ "بران برس": "إذا كان الحوثيون، قد استغلوا النزاع في غزة، كذريعة للعديد من تحركاتهم العسكرية، سواء في تصعيد الهجمات على الملاحة البحرية في البحر الأحمر، أو في تعزيز تحشيدهم العسكري والسياسي في الداخل والآن، وبعد توقف الحرب، قد يواجهون صعوبة في إيجاد مبررات جديدة لاستمرار تصعيدهم، مما يتطلب منهم تكييف استراتيجياتهم بما يتماشى مع الواقع الجديد.
خيارات الجماعة
ويرى "الأبارة"، أنه وفق هذا السياق، فإن خيارات الجماعة، قد تتنوع، مرجحاً أن تسعى إلى الحفاظ على تصعيدها العسكري في اليمن، ولكن بدوافع جديدة ترتبط بالظروف المحلية من ناحية والإقليمية من ناحية أخرى".
وأشار إلى أنه من المحتمل أن تتجه إلى القيام بالتصعيد في المناطق المحررة، أو التي تحت سيطرة الحكومة الشرعية، مستغلة الفراغ العسكري الحاصل، المتمثل، بغياب العمليات العسكرية الكبرى للحكومة الشرعية، وهذا يمنحها فرصة لتعزيز نفسها عسكرياً وسياسياً داخل تلك المناطق.
وعن الهجمات في البحر الأحمر، يرى "الأبارة"، أن الحوثيين، قد لا يتراجعون، وسينفذون هجمات محدودة، تحت ذرائع، من قبيل فك الحصار عن السواحل اليمنية وكذلك، الدفاع عن سلامة المياه الإقليمية لليمن.
وأضاف: "كما أن استمرارهم في هذه الهجمات يُعد وسيلة فعالة لمحاولة إظهار قدرتهم العسكرية أمام أنصارهم وتأكيد موقفهم السياسي كطرف فاعل في المنطقة".
وطبقاً لـ "الأبارة"، ستظل في حالة مرونة استراتيجيتيه، بين استمرار التصعيد العسكري في الداخل اليمني والضغط الدولي عبر البحر الأحمر، في محاولة لتكييف مواقفها، بما يضمن لها السيطرة على الأرض من جهة، واستمرار الضغط على المجتمع الدولي من جهة أخرى.
وبما يخص السلام، استبعد كذلك، أن يشهد موقف الحوثيين تحولاً حقيقياً في هذا المسار، وقال: "هم لا يظهرون رغبة حقيقية في السلام، بقدر ما يبحثون عن فرص لتعزيز نفوذهم العسكري والسياسي"، مضيفاً: "قد يتجنبون الدخول في مفاوضات جادة، ويبحثون عن بدائل أخرى، لاستمرار صراعهم، مثل التصعيد في الجبهات المختلفة أو تكثيف الهجمات في البحر الأحمر أو الحدود".
وتابع بالقول: "لأنهم في النهاية، يسعون إلى تحقيق أهدافهم العسكرية والسياسية، من خلال زيادة الضغط، وهو ما قد يدفعهم لتفعيل سيناريوهات بديلة تضمن لهم استمرار سيطرتهم، دون التنازل عن مطالبهم الرئيسية"، مشيراً إلى أنه في المجمل، يتعامل الحوثيون مع السلام، كأداة للوصول إلى أهدافهم أكثر من كونه، رغبة حقيقية في إنهاء الصراع.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news