تشكل عمليات اعتراض الأسلحة والمكونات التقنية الموجهة للحوثيين، من قارب محمّل بمخدرات في سواحل لحج إلى الحاويات التي ضُبطت في ميناء عدن وكذلك ما تم الفبض عليه من شحنات أسلحة ومخدرات من قبل قوات المقاومة الوطنية بقيادة الفريق الركن طارق صالح والتي احتوت معدات عسكرية متطورة موجهة للحوثيين، دليلاً على تحوّل خطير في آليات التهريب، هذا التحليل يقدم قراءة متعمقة لهذه المسارات، مبرزاً كيف تحول التهريب إلى شريان حيوي يطور القدرات العسكرية والبحرية للحوثيين، بدعم وإشراف تقني من الحرس الثوري الإيراني، مستنداً في ذلك إلى تقارير دولية ومحلية.
التهريب لم يعد مقتصراً على الأسلحة التقليدية، بل أصبح منظومة متكاملة تشمل تهريب المخدرات كآلية رئيسية لإعادة التمويل، كما في حادثة ضبط طن من المخدرات قبالة سواحل لحج، وتهريب المكونات مزدوجة الاستخدام التي تُحوّل لأغراض عسكرية كما في عملية ضبط آلاف القطع الإلكترونية عند منفذ صرفيت في المهرة، وهو ما يؤكد استخدام مسارات بحرية وبرية متشابكة لتغذية شبكة إمداد واحدة.
سجّل العامان الماضيان تصاعداً ملحوظاً في حجم الشحنات المعترضة، فبيانات القوات المحلية والتحليلات الغربية تشير إلى ضبط مئات الأطنان من الذخائر ومحركات الطائرات المسيرة والمكونات الصاروخية في موانئ عدن والسواحل اليمنية، كما تم إحباط عدد من شحنات الأسلحة الإيرانية التي كانت في طريقها إلى مليشيا الحوثي من قبل المقاومة الوطنية في البحر الأحمر، ومن بينها شحنات تضمنت معدات عسكرية متطورة تزن أكثر من 750 طن، وهذه الاعتراضات لم تعد حوادث منعزلة، بل تثبت وجود عمليات استخباراتية منسقة لاستهداف خط إمداد أصبح أكثر حيوية وتعقيداً.
تشير تقارير استخباراتية إلى أن الدعم الإيراني تجاوز تزويد السلاح إلى نقل الخبرات التقنية في تشغيل وصيانة الأنظمة المعقدة، وإمداد مكونات رقمية تزيد دقة الضربات، ويعتمد هذا الدعم على آليات تمويه متقدمة تمتد من الخليج العربي و بحر العرب و خليج عدن حتى البحر الأحمر، مثل التحويل بين السفن وإطفاء أنظمة التتبع باستخدام شبكات من الشركات الواجهة، مما يجعل تدفق الإمدادات أكثر مقاومة للاعتراض.
ساهمت البيئة الحربية في تحول الحوثيين من مستفيد محلي إلى شريك وظيفي في شبكات تهريب إقليمية، فمعارفهم التقنية مكنتهم من التنسيق مع وسطاء في شرق أفريقيا، بينما تحولت عوائد تهريب المخدرات إلى خزينة لتمويل الوقود وقطع الغيار، وقد أكدت مصادر دبلوماسية أن عدداً من هذه العمليات انطلق من الموانئ السودانية والإريترية و الصومالية قبل انتقالها إلى السواحل اليمنية الغربية، وهو ما يفسر انتقال النشاط الحوثي إلى أفريقيا بعد تضييق الخناق عليه في البحر العربي والمحيط الهندي، هذا الاندماج مع فاعلين إقليميين وإجراميين يجعل قطع الإمداد مهمة بالغة التعقيد.
الأساليب والآليات العملية للتهريب تشمل نهجاً متعدد المستويات: أولاً عمليات النقل البحري المتدرّج لإخفاء مسارات الشحن، ثانياً استخدام موانئ تحويل في دول إفريقية وسواحل قابلة للاستغلال، ثالثاً شركات واجهة وشبكات وسطاء لشراء المكوّنات الحسّاسة عبر مسارات تجارية معقّدة، رابعاً آليات تمويل تشمل قنوات تجارة شرعية تُستغل لإخفاء حركة رؤوس الأموال، وخامساً التلاعب بسجلات الشحن والوثائق لتخفي طبيعة البضائع ومصدرها.
انعكست القدرات المتطورة للحوثيين مباشرة على أمن البحر الأحمر و خليج عدن ومضيق باب المندب، حيث ارتفعت تكاليف التأمين وتحولت خطوط الشحن، وهذا بدوره يرفع أسعار الطاقة ويطيل أمد الصراع في اليمن، كما تزايدت مخاطر استهداف السفن التجارية والمنشآت البحرية، مما دفع شركاء إقليميين ودوليين إلى تكثيف التنسيق لمواجهة التهديد، مع تركيز واضح على اعتراض الشحنات البحرية والرقابة على سلاسل التوريد.
ثغرات الاستغلال تتركز في ضعف الحوكمة في موانئ انتقالية على طول الساحل الإفريقي والبحر الأحمر، وجود شركات واجهة تسمح بإخفاء المشتريات الحقيقية، ونقاط ضعف في أنظمة تتبع السفن وبياناتها، إضافة إلى تعقيدات في المساطر القانونية المشتركة التي تصعّب مقاضاة الوسطاء واسترداد الأصول، كما أن الاعتماد المحلي على عوائد التهريب يوفر بيئة تمكينية تستفيد منها الشبكات الإجرامية والجماعات المسلحة.
مؤشرات الرصد المستمر ينبغي أن تركز على تكرار أنماط السفن و الشحنات الموثقة في تقارير دولية، تطور قوائم الكيانات والأسماء المدرجة على قوائم الحظر، أنماط شراء المكونات الإلكترونية الكبيرة وربطها بحوادث تشغيلية (مثل هجمات بالطائرات المسيّرة)، وتتبّع تدفقات العائدات من تجارة المخدرات والأسلحة إلى حسابات مرتبطة بشبكات محلية وإقليمية.
ليست صور الضبط في لحج وصرفيت وعدن مجرد أخبار عابرة، بل هي شواهد على تحول التهريب المدعوم تقنياً ومالياً إلى ركيزة استراتيجية لقوة مسلحة، وهذه المعركة ليست أمنية فقط بل سياسية واقتصادية وقضائية، لذا المطلوب نهج متكامل يجمع اعتراض السفن، ضرب القنوات المالية، بناء مؤسسات محلية، وبرامج تنموية بديلة، وإلا فإن كل ضبط منفرد سيجد له طريقاً بديلاً عبر واجهات جديدة.
مراجع مختصرة للاطلاع: تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة حول اليمن S/2024/731، بيانات CENTCOM وبيانات المقاومة الوطنية حول اعتراضات الحمولات، تحقيقات رويترز وAP وKUNA وYemen Monitor
والعربي الجديد عن الضبطيات الأخيرة، وتقارير صحافية وتحقيقية عن شبكات التهريب والواجهات التجارية، وتقارير أو بيانات استخباراتية غربية حول انتقال مكوّنات الطائرات المسيّرة وقطع إلكترونية مزدوجة الاستخدام.
أ.د.عبدالوهاب العوج
أكاديمي ومحلل سياسي
جامعة تعز
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news