أعد الاستطلاع لـ “يمن ديلي نيوز” إسحاق الحميري:
مع التحسن الكبير في سعر صرف العملة المحلية “الريال” في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة اليمنية، ساد المواطنون تفاؤل كبير بأن ينعكس هذا التحسن، إيجابا على مستوى الأسعار المعيشية.
إلا أن هذا التفاؤل بدأ يتلاشى تدريجياً، خصوصاً لدى المستأجرين الذين لم يلمسوا أي تغيير إيجابي في الإيجارات، بل وجدوا أنفسهم أمام واقع أكثر قسوة، حيث تمسك الملاك بأسعار مرتفعة ورفضوا أي تخفيضات رغم تحسن سعر الصرف.
في هذا الاستطلاع يسلط “يمن ديلي نيوز” الضوء على معاناة المستأجرين في محافظة مأرب (كنموذج) حيث يعيشون بين جشع المؤجرين من جهة، ومحدودية التدخل الحكومي، على أمل أن يتناول لاحقاً الجهود التي بذلتها السلطات المحلية والعوائق التي تقف دون تحديد الإيجارات.
يورد الاستطلاع شهادات مؤلمة يرويها مواطنون اضطر بعضهم إلى بيع مقتنياتهم الشخصية لتسديد الإيجار، فيما أغلق آخرون مشاريعهم الصغيرة بعد أن عجزوا عن مواكبة الإيجارات المرتفعة.
يقول بعضهم إنهم كانوا يدفعون ما يعادل 150 دولارا شهريا، وأصبحوا اليوم يدفعون أكثر من 250 دولارا بعد تحسن سعر الصرف.
بين المرتب والايجار
البداية مع أكرم الربيعي الذي كان يعمل موظفا بإحدى المنظمات الدولية، الذي ترك العمل منذ ثلاث سنوات واضطر مؤخرا لبيع باصه بحثاً عن فيزا تمكنه من الانتقال إلى السعودية للحصول على عمل يوفر له القدرة على دفع الإيجارات وتكاليف المعيشة.
إكرام رب أسرة وسائق باص وضع في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز” مقارنة بين المرتبات والايجارات قائلا: الصحفي والمعلم يستلموا من 60 ألف والمعلم 70 ألف ودكاترة الجامعات كتوسط 200، والايجارات أقل شقة (غرفة ومطبخ وحمام) صغيرة تتسع لأربعة أشخاص بالكثير بـ 150 ألف ريال.
وأضاف: هذي شقة صغيرة شعبي، وتخيل أنت هذي الإيجارات المرتفعة مقارنة بدخل غالبية شريحة المواطنين الذين يعانون من تدني مستوى الدخل.
وقال ارتفاع الأسعار في مأرب صار ملحوظ خاصة وأن الشقة في تعز (غرفتين وحمام ومطبخ وصالة) لا تتعدى إيجارها ٨٠ ألف ريال، سيراميك لعدد ٤ أشخاص.
وتابع: أما الان وبعد انخفاض سعر الصرف لحوالي ٤٥٪، فإن الإيجارات ارتفعت والذي كان يستأجر بما يعادل 500 سعودي أصبح يدفع 800 ريال.
يضيف: أنا كنت أعمل في منظمة دولية وكنت أدفع الايجار بسهولة، وكنت استغرب كيف يتحمل الايجار عامة الناس والأغلبية العظمى، أصحاب الدخول البسيطة، اما نحن أصحاب المنظمات والذي نشكل ١٪ فقط من إجمالي الساكنين، فكانت سهلة علينا.
وقال: بعد مرور ٣ سنوات من العمل وتوقف كثير من المنظمات عن العمل، اشتريت لي باص نواه ٢٠١٠ لأعمل عليه، ولكن تفاجأت أن الشغل بالباص بالكاد يوفيك المصاريف اليومية، خاصة وأن نظام الطوابير في محطة النفط اليمنية خانق.
وتابع: رغم عملي المتواصل لم أتمكن من دفع الإيجار البالغ 300 ألف ريال، وأنا أدفعه من مدخراتي طيلة ١٠ شهور، حتى انتهت مدخراتي.
وتابع: أفكر في بيع الباص لشراء فيزة للعمل في السعودية، وإلى الان لم أستطع دفع إيجار شهر ٨ و ٩ ،وطالبت صاحب البيت بتخفيض الايجار وفقا للمبادرة المجتمعية، إلا أن صاحب البيت رفع الايجار إلى ٧٥٠ ريال سعودي.
وأردف: عندما دخلت البيت في 2024 كان الايجار بما يعادل 450 ريال سعودي وبعد التحسن في سعر الصرف أصبحت أدفع مايعادل 705 ريال سعودي. لم أستطع دفع الإيجار بسبب هذا الفرق.
لم تنخفض
أما منيف أحمد، وهو عامل في كافتيريا، فيقول إن راتبه القليل لا يكفي لتلبية احتياجات أسرته، ومع انخفاض سعر الصرف في الفترة الأخيرة، تم خفض راتبه مما زاد من معاناته.
يضيف منيف أنه رغم انخفاض الصرف، فإن الإيجارات ما زالت كما هي ولم تنخفض، وكذلك الأسعار المرتبطة بالغذاء والمواد الأساسية تأثرت سلبًا، بينما بقيت الإيجارات مرتفعة، وهو ما زاد من صعوبة المعيشة.
ويشير إلى أن العمل أيضًا لم يعد كما كان في السابق، فقد قلّ الدخل اليومي مع ضعف الإقبال وتراجع الحركة، ما جعله يواجه صعوبة في تغطية احتياجات أسرته أو إرسال ما يكفي لهم.
ويختتم منيف حديثه بمناشدة السلطة المحلية للنظر إلى أوضاع المواطنين بعين الرحمة، ومساعدتهم في مواجهة هذه الظروف الصعبة التي أثقلت كاهلهم وأرهقتهم.
يحيى الدعيس، نازح في مأرب، شكر في البداية المبادرة التي تسلط الضوء على أزمة الإيجارات، لكنها لم تفض إلى نتائج وحلول عملية. مؤكداً أنه يعاني مثل آلاف الأسر من ارتفاع الإيجارات بشكل كبير.
وأوضح أن المؤجر فرض عليه زيادة بنسبة 25% ثم عاد ليطالبه بزيادة جديدة وصلت إلى 100% تحت تهديد الإخلاء، مستغلاً حاجة النازحين وضعف رواتبهم التي تتأخر لشهور.
وأضاف أن هذا الوضع يسبب ضغطاً نفسياً كبيراً، حتى إن بعض الأسر تفكر بالعودة إلى مناطق الصراع رغم المخاطر.
كابوس يومي
منصور الصايدي، نازح في محافظة مأرب، يشكر لـ”يمن ديلي نيوز” اهتمامه بهذا الملف الإنساني الذي يمس حياة آلاف النازحين، مشيرًا إلى أن أزمة الإيجارات أصبحت كابوسًا يوميًا يرهق الأسر.
وأوضح أنه يعيش في شقة صغيرة لا تتجاوز مساحتها سبعة أمتار بثلاثة ونصف، بإيجار يبلغ 200 ألف ريال شهريًا، رغم بساطتها، مؤكدًا أنه يتعرض مع أسرته لتهديدات متكررة من المالك عند المطالبة بأبسط الإصلاحات مثل الكهرباء أو السترة.
وأضاف الصايدي أن هذا الوضع سبب له ضغطًا نفسيًا ومعيشيًا كبيرًا وأثر على استقرار أسرته، حتى أن أبناءه تراجعوا دراسيًا بسبب عدم قدرته على دفع الرسوم والنفقات، مشيرًا إلى أنهم يعيشون في قلق دائم خوفًا من فقدان المأوى، بينما يلتهم الإيجار معظم الدخل.
وختم بالقول إن المعاناة كبيرة، وأن بعض الملاك يهددون بالإخلاء لمجرد طلب إصلاحات بسيطة.
الطلاب والعمال
من جانبه، قال أحمد الصبري، وهو طالب جامعي، إن ارتفاع الإيجارات في مأرب أصبح أزمة حقيقية تؤثر على الطلاب والعمال وأصحاب الدخل المحدود، موضحًا أن هذا الارتفاع الكبير لا يتناسب مع مستوى الدخل، خصوصًا في ظل انخفاض سعر الصرف.
ودعا الصبري السلطات المحلية والقضائية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتنظيم سوق الإيجار ومنع الاستغلال، مشددًا على ضرورة إيجاد حلول جذرية لضمان سكن آمن ومستدام لجميع أفراد المجتمع.
أما محمد الخدري، وهو طالب جامعي آخر، فقال إن موجة ارتفاع الإيجارات في مأرب تتكرر مع بداية كل عام، حيث يرفع الملاك الأسعار بشكل كبير مستغلين حاجة المستأجرين، مشيرًا إلى أن إيجار الشقة ذات الغرفتين وصل إلى نحو 500 ريال سعودي، والثلاث غرف إلى 1000 ريال سعودي، إضافة إلى طلب ضمانات تجارية وإيجار عدة أشهر مقدمًا.
وأكد أن هذه الزيادات تزيد العبء المالي على الأسر، خصوصًا ذوي الدخل المحدود وأسر الشهداء والجرحى والنازحين، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة السكنية وصعوبة إيجاد مساكن بأسعار معقولة.
واقترح الخدري تشكيل لجنة رسمية برئاسة وكيل المحافظة للشؤون الإدارية لمعالجة المشكلة، والعمل على حلول عادلة ترضي المؤجر والمستأجر، مع تفعيل الرقابة على السوق العقاري لضبط الأسعار ومنع الاستغلال، إلى جانب توفير بدائل سكنية ميسرة عبر مشاريع الإسكان المدعومة.
وختم حديثه بتقديم الشكر لـ “يمن ديلي نيوز” على اهتمامه بقضايا المواطنين وتسليطها الضوء على معاناتهم اليومية.
أغلقت محلي
محمد عبدالله مالك كشك عطور يقول إن كان يمتلك كشكًا صغيرًا لبيع العطور ويستأجر غرفة للسكن، لكن مع انخفاض سعر الصرف تراجع العمل والدخل بشكل كبير، بينما بقيت الإيجارات مرتفعة كما هي، ما جعله يفكر في إيقاف عمله بالكامل لأنه لم يعد يغطي حتى احتياجاته الشخصية، ناهيك عن أسرته.
وأضاف أن “ارتفاع الإيجارات أصبح مرهقًا جدًا، وقد يؤدي إلى إغلاق العديد من المشاريع الصغيرة، خاصة مع ارتفاع تكاليف الكهرباء”.
وطالب السلطات المحلية بمعالجة مشكلة الإيجارات، وحماية المواطن من استغلال بعض المؤجرين.
مرتبط
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news