بقلم: أحمد سعيد الحربي
لطالما كان الجنوب العربي، بتاريخه العريق وموقعه الاستراتيجي، نقطة محورية في جغرافية المنطقة. لكن العقود الماضية ألقت عليه بظلالٍ كثيفةٍ من الأيديولوجيات والمشاريع السياسية التي أبعدته عن محيطه الطبيعي ونسيجه الاجتماعي والاقتصادي الأصيل. واليوم، مع تسارع التحولات الإقليمية والدولية، يبرز التساؤل: أما آن الأوان لهذا الجزء الهام من الجزيرة العربية أن ينفض غبار الماضي الثقيل ويعود إلى حضنه الخليجي الطبيعي؟
إرث الأيديولوجيات الثقيل: الشيوعية والاشتراكية
اقرأ المزيد...
اختتام انشطة الدفعة الثالثة لمشروع إعادة إدماج الأطفال المرتبطين سابقًا بالنزاع المسلح بسيئون
5 أكتوبر، 2025 ( 12:14 مساءً )
مليشيات الإصلاح تعلن الحرب على “طارق عفاش” بتعز وسقوط أول قادة كتائبه
5 أكتوبر، 2025 ( 11:25 صباحًا )
شهد الجنوب العربي، وخصوصًا بعد الاستقلال، تبنيًا قسريًا لتيارات فكرية مستوردة، أبرزها الشيوعية والاشتراكية. هذه المشاريع، التي ركزت على التأميم والحزب الواحد والإقصاء، لم تتوافق يومًا مع فطرة المجتمع الجنوبي القائمة على التعددية القبلية والتجارية والارتباط الوثيق بالبيئة الخليجية المحافظة. لقد أدت هذه الأيديولوجيات إلى تدمير البنية الاقتصادية الليبرالية للجنوب، وتضييق الحريات، وخلق حالة من العزلة السياسية عن المحيط العربي. كانت النتيجة عقودًا من التنمية المتوقفة، والصراعات الداخلية، وتشويه الهوية. إن التحرر الحقيقي للجنوب يبدأ بالاعتراف بأن هذه الأفكار قد تجاوزها الزمن وأثبتت فشلها الذريع في تحقيق الازدهار والوحدة الوطنية.
تحدي “اليمننة” ومشروع الوحدة الفاشل
أما التحدي الآخر الذي واجه الجنوب، فهو ما يمكن وصفه بـ “مشروع اليمننة”، الذي أتى تتويجًا لوحدة عام 1990 وما تلاها من أحداث. لم تكن هذه الوحدة، في جوهرها وتطبيقها، عملية اندماج نِدّية، بل كانت في كثير من مراحلها مشروعًا للهيمنة والإلحاق، بلغ ذروته في حرب 1994. لقد حاولت هذه المرحلة صهر الهوية الجنوبية المستقلة، ومحو تاريخها الجغرافي والسياسي المميز، ونهب مواردها.
إن استمرار الربط القسري بين الجنوب، الذي يمتلك مقومات دولة قابلة للحياة، وبين مناطق ذات مشاكل هيكلية عميقة ومختلفة في التكوين الاجتماعي والسياسي، هو أمر يعيق نهضته ويجعله عرضة للاضطرابات المستمرة. إن الاعتراف بحق الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته هو خطوة أساسية لإنهاء حالة عدم الاستقرار في المنطقة بأسرها.
العودة إلى الحضن الخليجي: المنطق والضرورة
في المقابل، يمثل الحضن الخليجي المسار الطبيعي والتاريخي للجنوب العربي. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وباقي دول الخليج العربي لا تشارك الجنوب تاريخًا وجغرافيا فحسب، بل هي أيضًا امتداد له في العمق القبلي والثقافي. والأهم من ذلك:
النموذج الاقتصادي: تتبنى دول الخليج نموذجًا اقتصاديًا قائمًا على اقتصاد السوق الحر والاستثمار في التنمية والبنية التحتية، وهو نموذج يتناقض جذريًا مع الاشتراكية الفاشلة ويتناسب مع الإمكانات الهائلة للجنوب.
الاستقرار السياسي: تمثل دول الخليج ركيزة للاستقرار والأمن الإقليمي. إن ارتباط الجنوب بهذا المحور سيعزز أمنه القومي ويحميه من التدخلات الخارجية والأجندات المتطرفة.
التكامل والتنمية: العودة إلى هذا الحضن تعني إتاحة الفرصة للتكامل الاقتصادي والاستفادة من الدعم الخليجي الهائل لإعادة بناء ما دمرته الحروب . لا ننسى موانئ الجنوب، وموقعها على خليج عدن وبحر العرب، يمكن أن تكون نقاط ارتكاز عالمية للتجارة ضمن منظومة خليجية متكاملة.
خلاصة القول
لقد دفع الجنوب العربي ثمنًا باهظًا لرهانات سياسية وأيديولوجية خاسرة. والآن، وقد اتضحت الرؤية وتجلت التجارب، فإن اللحظة التاريخية تدعو الجنوبيين إلى قرار شجاع وحاسم يتمثل في إنهاء الارتباطات الفكرية والسياسية التي قيدت تقدمهم، وإعادة توجيه البوصلة نحو عمقهم العربي والخليجي.
ومع اقتراب ذكرى ثورة 14 اكتوبر المجيدة ، نعود ونقول أما آن للجنوب العربي أن يتخذ قرارًا تاريخيًا يضمن لأجياله القادمة الاستقرار والازدهار والأمن ضمن إطار خليجي طبيعي ومتجانس؟ يبدو أن الإجابة لم تعد تحتمل التأجيل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news