تعز مابين امن ضعيف وقيادات متأمرة .
قبل 1 دقيقة
حين قُتلت امرأة لم يكن ذنبها سوى أنها خرجت لتجمع القمامة من شوارع تعز، انكشف من جديد أي درك سقطت فيه هذه المدينة. تلك المرأة التي أرادت أن تنظّف الأرض من الأوساخ، لم تدرك أن أوساخ الشوارع أرحم وأشرف من وجوه الذين يتسيّدون المشهد الأمني والعسكري والمدني.
تعز اليوم ليست بحاجة إلى مكانس تُزيل الغبار، بل إلى ثورة تجتثُّ كل هذا العفن المتراكم منذ سنوات. فما فائدة أن تُكنس الأرصفة إذا كانت الأرواح تُسفك، والدماء تُراق، والكرامة تُهان؟
منذ سنوات، تعز تُدار على يد تجار حرب يتخفون وراء لافتات الأحزاب والشعارات الزائفة. المخلافي والشرعبي وغيرهم، سواء اختبأوا تحت عباءة "الإخوان" أو راية "المؤتمر"، لم يكونوا سوى وجوه مختلفة لعصابة واحدة، عصابة حولت المدينة إلى سوق للفوضى ومرتع للجريمة.
لم يتركوا شيئًا إلا وانتهكوه: اغتيالات في وضح النهار، عمليات خطف، نهب ممتلكات، اقتحام منازل، ابتزاز للتجار، وتجارة بالسلاح والمخدرات.
أين العرف القبلي الذي يردع؟
وأين قيم الأخلاق التي تحمي؟
وأين الثقافة الدينية التي تذكّر بالحلال والحرام؟
لقد انكشفت الحقيقة: لا قبيلة صانت نساءها، ولا دين ردع ذئابها، ولا مجتمع هبّ لحماية طفل أو شيخ مسن.
بل إن ما يُسمّى رموزًا اجتماعية، أو "مشايخ" تعز، لم يعودوا سوى أدوات رخيصة في يد الممولين. باعوا تاريخهم بثمن بخس، وأصبحوا يُعرفون بـ"مشايخ الرز والفاصوليا"، يقتاتون على دماء الناس و يشرعنون الجريمة مقابل حفنة دراهم وولائم تافهة.
في أي مدينة أخرى يُمكن أن تُقتل امرأة في الشارع العام، وتتحول جثتها إلى مشهد عابر، بينما يمضي الناس في صمت وكأن شيئًا لم يكن؟ أي مدينة هذه التي اعتادت أن ترى الدماء ولا تنتفض، أن تسمع أنين الأطفال ولا تتحرك، أن ترى شيوخها يُهانون ولا تهتز؟
لقد قلتها وأكررها: لم يحسّن وجه تعز القبيح غير علي عبدالله صالح. كان، حريصًا على أن يُبقي لها شيئًا من صورة مقبولة، يخفي بعض عوراتها، ويمنع ظهور قبحها بهذا الشكل الفاضح. لكن برحيله سقط القناع، وبانت الحقيقة كاملة: مدينة يتنفس أبناؤها الجريمة، يتغذّون على الفوضى، ويعكسون قبحًا أعمق وأشد مما يتصوره حتى أكثر الناس قسوة.
تعز لم تعد عاصمة للثقافة كما ادّعوا، بل أصبحت مسرحًا للقتل، ساحة للنهب، مرتعًا للهمج. لم تُحفظ فيها امرأة، ولم يُصن فيها طفل، ولم يُحترم فيها شيخ. وحتى من يرفعون الشعارات الثورية والمدنية والحقوقية لم يكونوا إلا ستارًا يُغطي تجارة رخيصة بالدم والعرض والوطن.
إنها الحقيقة المُرّة: تعز اليوم تحتاج إلى تنظيف، ليس من القمامة التي في الشوارع، بل من القمامة البشرية التي استباحت كل شيء، وجعلت منها مدينة بلا مروءة ولا قيمة ولا حياة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news