إسقاط كشوفات الإعاشة بالدولار .. مطلب شعبي لا تراجع عنه
تُعد قضية "كشوفات الإعاشة" للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً واحدة من أكثر الملفات إيلاماً وإثارة للغضب الشعبي في اليمن خلال السنوات العشر الماضية. إنها ليست مجرد أرقام مالية تُصرف هنا وهناك، بل هي جرحٌ غائر في جسد الوطن النازف، وفضيحة أخلاقية واقتصادية لا يمكن السكوت عنها. كيف يُعقل أن تذهب 11 مليون دولار شهرياً إلى جيوب أفراد لا علاقة لهم بالعمل المؤسسي أو العسكري أو المدني، بينما يقف مئات الآلاف من المعلمين والجنود والموظفين بلا رواتب لشهور طويلة؟
إنها معركة وجود، معركة وعي ومصير، وليست مجرد قضية إدارية أو محاسبية. إنها معركة الشعب ضد "كائنات طفيلية" اعتاشت على دماء الفقراء ومعاناة الجنود والمعلمين وموظفي الدولة.
لجملة من الأسباب، يجب على الحكومة المسارعة في إسقاط كشوفات الإعاشة بالدولار، وأهم هذه الأسباب:
أولاً: عشر سنوات من الفوضى والنهب
منذ أكثر من عقد، غابت الدولة الحقيقية وحضر العبث. عشر سنوات كافية لأن تُنهك الشعوب وتستنزف مقدّراتها. لكن الأخطر أن تتحول موارد اليمن المحدودة إلى غنيمة توزّع على شبكة من "المتنفذين"، تحت مسميات "إعاشة"، "دعم"، و"مكافآت". هذه الأموال لم تصل إلى مستحقيها الحقيقيين، بل تحوّلت إلى ريع سياسي وإعلامي يمكّن بعض الأشخاص من حياة الترف في الخارج، بينما الغالبية في الداخل يرزحون تحت وطأة الجوع والفقر.
إن استمرار هذا النزيف المالي يعني بالضرورة إفقاراً ممنهجاً للشعب، وتجويعاً مقصوداً، وقطعاً لكل أمل في بناء مؤسسات قوية قادرة على حماية الوطن.
ثانياً: رواتب منقطعة ومعاناة متفاقمة
بينما تُصرف ملايين الدولارات شهرياً لمن لا يستحقون، نجد مشهداً صادماً في الداخل:
المعلمون يعودون إلى مدارسهم بلا رواتب، مجبرين على ممارسة رسالتهم في ظل ظروف معيشية لا تُطاق.
جنود الجيش، حماة الوطن وحدوده، بلا رواتب منذ أشهر، وكأن تضحياتهم مجرد أرقام منسية.
جنود الأمن، الذين يفترض أن يحفظوا النظام والاستقرار، يعيشون ذات المأساة.
الموظفون المدنيون في مختلف المرافق العامة، يُجبرون على مواصلة عملهم بلا مقابل عادل، لتظل المؤسسات قائمة شكلياً فقط.
هذه المفارقة بين الداخل والخارج، بين من يعمل ويضحي ومن يثرثر فقط على مواقع التواصل، تُجسد حجم الخلل الذي وصل إليه الوضع.
ثالثاً: كائنات بلا قيمة ورؤوس أموالها تغريدات
أي مشروعية تلك التي تمنح شخصاً لا يحمل أي خبرة أو مؤهل أو وظيفة راتباً يفوق ما يحصل عليه 250 جندياً؟! بل إن "رأس مالهم" لا يتجاوز تغريدة على "تويتر" أو مشاركة على صفحة متواضعة في "فيسبوك".
الكارثة أن هؤلاء الذين يعيشون في رفاهية مطلقة بالخارج، يُقدّم لهم المال العام بانتظام، بينما تُقطع أرزاق الداخل. إنهم "كائنات إعلامية" تعيش على حساب وجوع الشعب، في الوقت الذي يزعمون فيه الدفاع عن قضاياه.
رابعاً: معركة الكرامة والإصلاح
إسقاط كشوفات الإعاشة بالدولار ليس ترفاً سياسياً ولا مجرد مطلب إصلاحي. إنه مطلب شعبي ووطني يرتبط بكرامة المواطن وحقه في حياة كريمة.
لا يمكن أن تُبنى دولة، ولا يمكن أن يتحقق استقرار، إذا ظل الفساد يتغذى من أموال الشعب.
إن المعركة اليوم ليست معركة فرد أو حزب أو تيار بعينه، بل معركة كل:
إعلامي صادق يريد نقل الحقيقة.
سياسي مسؤول يريد استعادة الدولة.
ناشط حقوقي يرفض الظلم.
مواطن بسيط يطالب براتبه وحق أطفاله في الغذاء والدواء والتعليم.
خامساً: مفارقات الداخل والخارج
بينما يُعاني الداخل من الفقر والجوع والحرمان، يعيش المستفيدون من كشوفات الإعاشة حياة ترفية كاملة:
يقيمون في فلل وشقق فاخرة.
يتعلم أبناؤهم في أرقى الجامعات العالمية.
يتنقلون بين العواصم بسيارات فارهة.
يحضرون الولائم في المنتجعات السياحية والفنادق الكبرى.
أي عدالة هذه؟ وأي منطق يبرر أن يعيشوا على حساب دماء المقهورين في الداخل؟!
سادساً: لا خيار إلا الانتصار
إنها ليست قضية محاسبة مالية فحسب، بل قضية كرامة وطنية. فالتاريخ لم يسجّل أن أمةً سمحت لأغنيائها أن يثروا على حساب فقرائها بهذا الشكل الفج.
إن مطلب إسقاط كشوفات الإعاشة يجب أن يتحول إلى قضية رأي عام لا تراجع عنها. بل يجب أن يكون أساساً لأي تسوية أو إصلاح سياسي قادم.
سابعاً: دعوة إلى الفعل الجماعي
ما لم يتوحد الإعلاميون والحقوقيون والسياسيون والمواطنون خلف هذا المطلب، فإن النزيف سيستمر، والمعاناة ستتضاعف.
يجب أن يُرفع الصوت عالياً:
لا لنهب المال العام.
لا لشراء الذمم بأموال الشعب.
نعم للعدالة وتوزيع الموارد بما يخدم الداخل: الجيش، الأمن، التعليم، والصحة.
في الختام: 11 مليون دولار شهرياً تُهدر على غير المستحقين، في وقت لا يجد فيه المعلمون قوت يومهم، ولا يتسلم الجنود رواتبهم، ولا يستطيع الموظفون المدنيون إعالة أسرهم.
هذه ليست قضية فساد عابرة، بل قضية حياة أو موت لشعب كامل.
المعركة ضد كشوفات الإعاشة ليست خياراً، بل قدرٌ لا مفر منه.
إما أن تُسقط هذه الكشوفات، أو يظل الشعب يرزح تحت الظلم والجوع لعقد آخر.
وعليه، فإن التمسك بهذا المطلب واجب وطني وأخلاقي، ولا مجال للتراجع أو المساومة.
إسقاط كشوفات الإعاشة بالدولار… مطلب شعبي لا تراجع عنه أبداً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news