آ
بينما كانت قيادات المؤتمر الشعبي العام في صنعاء الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي، تستعد لإحياء الذكرى 43 لتأسيس الحزب على يد الزعيم الراحل على عبد الله صالح ، أقدمت سلطة الامر الواقع ميليشيا الحوثي الارهابية على حملة اعتقالات واسعة طالت الأمين العام للحزب غازي علي الأحول وأكثر من عشرة قياديين آخرين ولا تزال تحتجزهم منذ ظهر الامس، وفرضت حصارًا على منزل الشيخ صادق أمين أبو راس.آ
لم يكن الأمر مجرد صراع داخلي أو خلاف سياسي عابر، بل تعبيرًا فجًّا عن طبيعة مشروع الميليشيا القائم على القمع والإقصاء، وعن خوفهم المزمن من حزب وطني يشكّل ذاكرة الدولة والجمهورية في اليمن.
الحوثيون: مشروع دخيل برعاية إيرانية
يدرك الجميع ان ميليشيا الحوثي لم تُخفِ يومًا ارتباطها بإيران، سياسيًا وعسكريًا وفكريًا.آ
فخطابها العقائدي، وممارساتها القمعية، وتسليحها الصاروخي، كلها تحمل بصمات الحرس الثوري الإيراني، في نسخة يمنية مشوهة من مشروع "ولاية الفقيه".آ
هذه التبعية العمياء لم تترك لليمن سوى الدماء والدمار، ورسّخت صورة الحوثيين كأداة إقليمية لا كمكوّن وطني.
بعكس ذلك، جاء حزب المؤتمر الشعبي العام من صلب اليمن، فكراً وأرضاً، تشكل من رحم القبيلة والمدينة، ومن معارك بناء الدولة ومؤسساتها.
آ منذ تأسيسه عام 1982، قاد اليمن لعقود في مختلف مراحل الوحدة والجمهورية، حتى صار رمزًا للهوية الوطنية الجامعة.
آ وهذا الفارق الجوهري؛ بين حزب يمني الهوية وبين ميليشيا ذات ولاء خارجي؛ هو ما يثير فزع الميليشيا.
ذكرى تؤرق الميليشيا
لم يكن إلغاء احتفالية المؤتمر مجرد قرار تنظيمي فرضته الميليشيا. بل كان انعكاسًا لرهبة الحوثيين من أن تتحول مناسبة تأسيس الحزب إلى لحظة سياسية وشعبية تعيد التذكير بجذور المؤتمر الراسخة في المجتمع اليمني.آ
فمجرد ذكرى قادرة على استنهاض ذاكرة اليمنيين بتاريخ الحزب الوطني مقارنةً بمشروع الحوثيين الذي لا يعرف سوى السلاح والموت.
قمع متجذر وانغلاق قاتل
وبالعودة الى قبل عشر سنوات ومنذ استيلائهم على صنعاء عام 2014، أثبتت ميليشيا الحوثي أنهم لا يؤمنون بالرأي الآخر، ولا يعترفون بمبدأ التعددية أو الحوار.
فسجلاتهم حافلة بالاغتيالات، والملاحقات، ومصادرة الحريات من الصحفيين الذين زُج بهم في السجون، إلى المعارضين الذين واجهوا القتل أو النفي، وهدم المساكن وتفجير البيوت فوق الآمنين، وصولًا إلى تضييق العمل الحزبي . فالمؤتمر الشعبي العام ليس سوى أحدث ضحايا آلة القمع هذه، لكنه بلا شك الأكثر إزعاجًا للميليشيا لأنه يملك قاعدة اجتماعية يصعب محوها.
حنكة المؤتمر وصبر الاستراتيجية
ومع ذلك، فإن قيادة المؤتمر في صنعاء بقيادة الشيخ صادق أمين أبو راس تعاملت مع الضغوط الحوثية ببراغماتية لافتة، امتصت الصدمة، وتجنبت مواجهة مباشرة قد تجرّ البلاد إلى حمام دم جديد في العاصمة.آ
هذه السياسة لا تعكس ضعفًا، بل إدراكًا بأن معركة صنعاء ليست معركة اللحظة، وأن تأجيل المواجهة يمنح الحزب والقبائل وقتًا لإعادة ترتيب أوراقهم، كما يمنح الحكومة الشرعية مساحة لإعداد ما يصفه حلفاؤها بـ"المعركة الشاملة" ضد الحوثيين.
معركة الهوية والمستقبل
ما يجري اليوم في صنعاء ليس مجرد نزاع حزبي، بل مواجهة بين مشروعين: مشروع ميليشياتي دخيل قائم على العنف والتبعية لإيران، ومشروع وطني عابر للأجيال يمثله المؤتمر الشعبي العام، الحزب الذي ظل لعقود مظلة سياسية للدولة والجمهورية.
اعتقالات الحوثيين وفرضهم إلغاء احتفال المؤتمر لا تعكس قوتهم، بل ضعفهم وخوفهم من أن يستعيد اليمنيون ذاكرتهم السياسية. فالميليشيات، مهما امتلكت من ترسانة عسكرية، تبقى عاجزة أمام فكرة وطنية راسخة، وحزب متجذر في الأرض والناس.
ختاما؛ اليمن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة. الحوثيون يضيّقون الخناق خوفًا من أي حراك وطني قد يهدد سلطتهم الهشة، بينما المؤتمر الشعبي العام – رغم الجراح والانقسامات – يثبت أنه ما يزال حزب الدولة والناس، وحاضن الهوية الجمهورية.
آ وما اعتقال قياداته إلا شهادة جديدة على أن الميليشيا تخشى إرثًا لا تستطيع محوه، وأن المعركة المقبلة لن تكون مجرد صراع سياسي، بل مواجهة حاسمة بين وطنية راسخة ومشروع استبدادي دخيل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news