رضينا بالهمّ، والهمّ ما رضي!
قبل 5 دقيقة
كموظفٍ بسيط، خسرتُ كل مدخرات سنوات الشقاء والتعب في مهنة الصحافة، وانتهى بي الحال نازحًا في قريةٍ من قرى تعز. لا أهتمّ إن ارتفع الدولار أو الريال السعودي أو هبط، أكثر ما يقلقنا هو تدهور الأسعار وارتفاع إيجارات المنازل، بعد أن شُرّدنا من بيوتنا تحت وابل القصف في حربٍ وُصفت بالعبثية
.
كان أقلّ موظف جامعي يتقاضى راتبًا يعادل ألفين وخمسمائة ريال سعودي، ولأني كنتُ مديرًا في دولة "الأمن والأمان" قبل أن تُشرّدنا ساحات توكّل وصعتر والزنداني و"و و"، كانت هناك امتيازات مرتبطة بالدرجة الوظيفية التي نشغلها. كل شيء تبخّر وتبعثر، وأصبح المطلوب أن نعيش بمئة وخمسين سعوديًا! نأكل ونشرب، وندرس أولادنا، ونتعالج، ونستأجر.. ومع ذلك، رضينا بالهمّ، والشرعية ما رضيت!
العزف على وتر "هناك حرب" أصبح نشازًا، نيرانها أخمدتها اتفاقية ستوكهولم، والتموضع، و"قادمون يا صنعاء". وجّهوا معركتهم صوب البنك المركزي، أكلوا الأخضر واليابس، حتى الفتات الذي نتقاضاه هجموا عليه بضراوة، وكأنّ هناك من أشار إليهم أن "التحرير" يأتي بالتهام راتب موظفٍ غلبان، جدول بطنه على وجبتين، وآخرون اعتادوا النوم ببطونٍ خاوية. وما أكثرهم ممن فضّلوا ألّا يتّجهوا حاملين طبلةً ومزمارًا إلى صنعاء أو عدن... ولهذا استكثروا عليه فتات راتبٍ يصل بعد طلوع الروح، ويتبخّر أول ما يخرج من خزائن المركزي!
تحمّل الموظف، مواسيًا نفسه: "عسى أن تُفرج!"ويأتي للشرعية رجلٌ رشيد، يكنس الفساد..
مرّ علينا مسؤولون كُثر، وكل مسؤولٍ يأتي يترحّم على السلف، والواقع يخبرنا أن ما نتمناه بعيد المنال.
اليوم، الريال "يتعافى" بمقاييس الدولة المنهارة، بينما نحن - الموظفون - ما زلنا في العناية المركزة، نُصارع الموت البطيء في غرفة إنعاش. العملة ترتفع وتهبط، إلا الأسعار، تقفز عاليًا، والحكومة تفشل في استعادة السيطرة، وتكتفي بإطلاق التصريحات والاحتفاء بـ"الانتصار"!
والموظف المهزوم يبقى وحيدًا، دون غطاءٍ في كل معركة، أبطالها يخوضون حروبهم من خارج الحدود، ومن أسوار دولةٍ افتراضية، كيفوا العيش فيها لأنفسهم، ولأولادهم، ولأُسرهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news