يتعقد المشهد في اليمن بشكل متزايد، مع صراع يبدو أنه سيمتد لعقود، ما لم تتخذ خطوات جادة نحو السلام. هذا الصراع لا يشمل فقط الانقسامات السياسية بل يتعداها ليشمل تفتت النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية. المملكة العربية السعودية، التي تُعرف بدهائها السياسي، تدرك تماماً هذه التعقيدات، وتعلم أن الحل ليس قريباً. رغم ذلك، تحاول السعودية التوسط بين الأطراف المتنازعة، لكن الطريق لا يزال مليئاً بالعقبات.
الأطراف اليمنية المختلفة، بدءاً من المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح، وصولاً إلى الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي، كل منهم يحمل مطالب خاصة به ويرفض الشراكة مع الآخرين. هذه الأطراف ترى في السعودية مخلصاً يمكن أن يعيدها إلى السلطة، ويقضي على خصومها، لكن هذا ليس جزءاً من السياسة السعودية. المملكة تعمل على الحفاظ على توازنها مع جميع الأطراف، وترى أن الحل يجب أن يكون يمني-يمني، رغم معرفتها أن الأطراف اليمنية تفتقر إلى رؤية مشتركة.
المجلس الانتقالي الجنوبي يكاد يكون أكثر وضوحاً بخصوص مطالبه، والتي ربما تكون مفهومة من بعض الدول، ولكنه لا يزال يحتاج إلى الحوار اليمني-اليمني. على الجانب الآخر، القوى الشمالية لا تملك رؤية مطلقاً وكل مطالبها تتمحور حول السلطة والحكم. كل طرف يسعى لدعم السعودية للقضاء على خصومه والعودة إلى السلطة، سواء كان ذلك من خلال القضاء على الحوثيين وأقصاء المجلس الانتقالي الجنوبي أو استبعاد حزب الإصلاح. هذا التوجه يعكس انعدام الثقة بين الأطراف ورفضهم المطلق لفكرة الشراكة السياسية.
الإعلان الأخير عن خارطة الطريق التي حظيت بدعم دولي وإقليمي، بما في ذلك من السعودية، هو خطوة نحو محاولة جمع الفرقاء على طاولة الحوار. هذه المبادرة تأتي بوساطة سعودية عمانية، وتؤكد على دعم ما يتوصل إليه اليمنيون بأنفسهم. لكن المشكلة تكمن في أن الفرقاء السياسيين لا يعرفون بدقة ما يريدون، إذ يرفض كل طرف مبدأ الشراكة مع الآخرين والاعتراف بحقوقهم.
في الشمال، ترفض الأطراف الرئيسية مثل الإصلاح والمؤتمر والحوثيين الاعتراف بحقوق التهاميين، مما يزيد من تعقيد المشهد. الأقصاء المستمر للتهاميين يعزز من الانقسامات الداخلية ويعمق من شعور الظلم والإقصاء.
على الجانب الآخر، يعاني الجنوب من انقسامات داخلية بين الفصائل المختلفة، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى لتحقيق استقلال الجنوب ويجد صعوبة في احتواء الفصائل الأخرى، خاصة الحضارم. فالانتقالي غير قادر على احتواء الحضارم والانفتاح عليهم بشكل أكبر، مما يضعف من وحدة الصف الجنوبي ويعزز الانقسامات الداخلية.
إضافة إلى التعقيدات، يأتي حذف اسم أحمد علي عبدالله صالح من المشهد السياسي كعامل يزيد من الغموض. إذا قرر العودة إلى السياسة، فإن ذلك سيعيد الصراع إلى المربع الأول. دخول أحمد علي إلى الساحة السياسية يمكن أن يخلق ديناميكيات جديدة تزيد من تعقيد المشهد، خاصة إذا سعى لتحقيق طموحات والده السياسية. الحل يكمن في تخلّيه عن طموحات السلطة والعمل على إيجاد حل شامل.
ما يجري في اليمن يمكن وصفه بالـ"تفكك السياسي"، حيث تفشل الأطراف في الوصول إلى "توافق سياسي"، ويتفاقم الوضع بسبب "الاستقطاب السياسي الحاد". كل طرف يسعى لتحقيق "هيمنة سياسية" دون النظر إلى "التكامل الوطني". هذا التفكك والاستقطاب يعززان من "الفراغ السياسي" ويضعان اليمن على حافة "التجزئة الجغرافية والسياسية".
الصراع قد يمتد لعشرات السنوات، ومع انسحاب السعودية من المشهد، قد يتعقد الوضع أكثر. وقد نشهد تشكل دويلات جديدة، وتحالفات غير متوقعة، مما يزيد من الفوضى. الحرب الحقيقية بين اليمنيين قد تكون لم تبدأ بعد، وما شهدناه حتى الآن كان مجرد تحضير لصراع أكبر وأشد فتكا.
الحالة اليمنية معقدة للغاية، والصراع الحالي هو مجرد بداية لما قد يكون سلسلة من الحروب والنزاعات. فالمستقبل يحمل في طياته تحديات كبيرة، ومع ذلك، يبقى الأمل في أن يتمكن اليمنيون من الوصول إلى توافق يحقق السلام والاستقرار. السعودية ودورها الوسطي يمكن أن يكون مفتاح الحل، ولكن الطريق طويل وشاق. التحليل العميق والمستدام هو السبيل لفهم هذا الصراع والوصول إلى حلول دائمة.
السعودية، في دورها الوسطي، تمتلك فرصة فريدة للمساهمة في تحقيق حل سلمي، لكن هذا يتطلب توافقًا يمنيا حقيقيا وإرادة سياسية قوية من جميع الأطراف. والتحليل السياسي العميق والفهم الاستراتيجي للوضع يمكن أن يساعد في إيجاد مسارات جديدة نحو السلام في اليمن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news