يمن إيكو|تقرير:
دخل الصراع بين السعودية والإمارات في اليمن مرحلة حاسمة، اليوم الثلاثاء، مع قيام السعودية بشن غارات قالت إنها استهدفت آليات عسكرية إماراتية في ميناء المكلا بمحافظة حضرموت، وإعلان مهلة مدتها 24 ساعة للإمارات للانسحاب من اليمن، تبعها إعلان إماراتي عن سحب “ما تبقى من القوات”، فيما أعلن رئيس مجلس القيادة عن إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع أبو ظبي، وسط انقسام معلن داخل المجلس بشأن الأوضاع.
وشن الطيران السعودي صباح اليوم سلسلة غارات على ميناء المكلا ما تسبب بحرائق وتصاعد للدخان.
وأصدر المتحدث باسم قوات التحالف، تركي المالكي، بياناً رصده موقع “يمن إيكو”، جاء فيه أنه “في يومي السبت والأحد الموافق (27 – 28 ديسمبر 2025م) تم دخول سفينتين قادمتين من ميناء (الفجيرة) إلى ميناء (المكلا) بدون الحصول على التصاريح الرسمية من قيادة القوات المشتركة للتحالف، حيث قام طاقم السفينتين بتعطيل أنظمة التتبع الخاصة بالسفينتين وإنزال كمية كبيرة من الأسلحة والعربات القتالية لدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بالمحافظات الشرقية لليمن (حضرموت، المهرة) بهدف تأجيج الصراع؛ مما يعد مخالفة صريحة لفرض التهدئة والوصول لحلٍ سلمي، وكذلك انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) لعام (2015م)”.
وأضاف: “استناداً لطلب فخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني لقوات التحالف باتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين بمحافظتي (حضرموت والمهرة)، ولما تشكله هذه الأسلحة من خطورة وتصعيد يهدد الأمن والاستقرار، فقد قامت قوات التحالف الجوية، صباح اليوم، بتنفيذ عملية عسكرية (محدودة) استهدفت أسلحة وعربات قتالية أُفرغت من السفينتين بميناء (المكلا)، بعد توثيق ذلك ومن ثم تنفيذ العملية العسكرية بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية وبما يكفل عدم حدوث أضرار جانبية”.
وقال إن “قيادة التحالف مستمرة في خفض التصعيد وفرض التهدئة في محافظتي (حضرموت والمهرة) ومنع وصول أي دعم عسكري من أي دولة كانت لأي مكون يمني بدون التنسيق مع الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف بهدف إنجاح جهود المملكة والتحالف لتحقيق الأمن والاستقرار ومنع اتساع دائرة الصراع”.
ونشرت وسائل إعلام سعودية صوراً لآليات عسكرية ومركبات محترقة في ميناء المكلا، كما نشرت مقاطع تظهر تفريغ المركبات من على متن السفينة (غرينلاند) التي قدمت بالفعل من الإمارات، حسب البيانات الملاحية.
وجاءت هذه الغارات بعد تقارير تحدثت عن مهلة كانت السعودية قد منحتها للمجلس الانتقالي التابع للإمارات للانسحاب من حضرموت والمهرة، والتوصل إلى حل لخفض التصعيد الذي بدأ قبل أسابيع وتضمن طرد رئيس مجلس القيادة الرئاسي من قصر معاشيق بعدن، وقد أشارت التقارير إلى أن المهلة انتهت مساء أمس الإثنين.
وقبل الغارات كانت السعودية قد تجنبت مهاجمة الإمارات بشكل رسمي، لكن من الواضح أن التصعيد الأخير قد دفع بالصراع بين الطرفين إلى مرحلة “كسر العظم”، فبالإضافة إلى الغارات أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً، رصده موقع “يمن إيكو”، جاء فيه أن “المملكة تعرب عن أسفها لما قامت به دولة الإمارات الشقيقة من ضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي لدفع قواته للقيام بعمليات عسكرية على حدود المملكة الجنوبية في محافظتي حضرموت والمهرة، التي تعد تهديداً للأمن الوطني للمملكة، والأمن والاستقرار في الجمهورية اليمنية والمنطقة، وتشير إلى أن الخطوات التي قامت بها دولة الإمارات الشقيقة تعد بالغة الخطورة، ولا تنسجم مع الأسس التي قام عليها تحالف دعم الشرعية في اليمن، ولا تخدم جهوده في تحقيق أمن اليمن واستقراره”.
وأضاف البيان أن “أي مساس أو تهديد لأمنها الوطني هو خط أحمر لن تتردد المملكة حياله في اتخاذ كافة الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهته وتحييده”.
وطالب بيان الخارجية السعودية الإمارات بـ”إخراج قواتها العسكرية من الجمهورية اليمنية خلال أربع وعشرين ساعة، وإيقاف أي دعم عسكري أو مالي لأي طرف كان داخل اليمن”.
وشنت وسائل إعلام سعودية هجوماً مباشراً وغير مسبوق على الإمارات.
وأصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، قرارين يدعمان بوضوح الموقف السعودي، حيث قضى القرار الأول بـ “إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع دولة الإمارات العربية المتحدة”، ومطالبة “كافة القوات الإماراتية ومنسوبيها بالخروج من كافة الأراضي اليمنية خلال (24) ساعة”، وكذلك توجيه قوات درع الوطن (الموالية للسعودية) بـ”التحرك وتسلم كافة المعسكرات في محافظتي حضرموت والمهرة”.
وقضى القرار الثاني بإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد، وتوجيه “جميع القوات والتشكيلات العسكرية في محافظتي حضرموت والمهرة بالتنسيق التام مع قيادة تحالف دعم الشرعية ممثلة بالمملكة العربية السعودية والعودة فوراً لمواقعها ومعسكراتها الأساسية بدون أي اشتباك وتسليم كافة المواقع لقوات درع الوطن”.
وتضمن القرار أيضاً “منح محافظي حضرموت والمهرة كافة الصلاحيات لتسيير شؤون المحافظتين، والتعاون التام مع قوات درع الوطن حتى استلامها للمعسكرات”، بالإضافة إلى “فرض حظر جوي وبحري وبري على كافة الموانئ والمنافذ لمدة 72 ساعة من تاريخ الإعلان باستثناء ما يصدر بإذن وتصريح رسمي من قيادة تحالف دعم الشرعية”.
ولكن هذه القرارات لم تصدر بإجماع أعضاء مجلس القيادة، حيث أصدر الأعضاء الموالون للإمارات في المجلس: عيدروس الزُبيدي، وعبد الرحمن أبو زرعة المحرمي، وفرج البحسني، وطارق صالح، بيانا مشتركا وصفوا فيه قرارات العليمي بأنها “انفرادية” وأنها “غير قانونية” و”تخالف بصرحة إعلان نقل السلطة، الذي نص بوضوح على أن مجلس القيادة الرئاسي هيئة جماعية، تُتخذ قراراتها بالتوافق، أو بالأغلبية عند تعذر التوافق، ولا يجيز بأي حال التفرد باتخاذ قرارات سيادية أو عسكرية أو سياسية مصيرية”.
وأضاف البيان أنه: “ليس لأي فرد أو جهة داخل مجلس القيادة، أو خارجه، صلاحية إخراج أي دولة من دول التحالف العربي، أو الادعاء بإنهاء دورها أو وجودها، فذلك شأن تحكمه أطر وتحالفات إقليمية واتفاقات دولية لا تخضع للأهواء أو القرارات الفردية”.
وأضاف أن “استخدام مؤسسات الدولة، أو ما تبقى منها، لتصفية حسابات سياسية داخلية أو إقليمية، يمثل انحرافاً خطيراً عن الهدف الذي تشكل من أجله مجلس القيادة، ويقوض ما تبقى من الثقة الوطنية والإقليمية والدولية، ويفتح الباب أمام مزيد من الانقسام والفوضى”.
وأصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بياناً رصده موقع “يمن إيكو”، قالت فيه إن ما ورد في بيان وزارة الخارجية السعودية يمثل “مغالطات جوهرية، حول دور دولة الإمارات في الأحداث الجارية في الجمهورية اليمنية”.
ورفض البيان “الزج باسم الإمارات في التوتر الحاصل بين الأطراف اليمنية” مستهجناً “الادعاءات التي وردت بشأن القيام بالضغط أو توجيه أي طرف يمني للقيام بعمليات عسكرية تمس أمن المملكة العربية السعودية الشقيقة أو تستهدف حدودها”.
وقال إن بيان المتحدث باسم التحالف تركي المالكي “صدر بدون التشاور مع الدول الأعضاء في التحالف”، مشيراً إلى أن “الإمارات ترفض بشكل تام المزاعم المتعلقة بتأجيج الصراع اليمني”.
وبشأن السفينتين، قال بيان الخارجية الإماراتية: “إنّ الشحنة المُشار إليها لم تتضمن أي أسلحة، وأنّ العربات التي تم إنزالها لم تكن مُخصصة لأي طرف يمني، بل تم شحنها لاستخدامها من قبل القوات الإماراتية العاملة في اليمن”، معتبراً أن “الادعاءات المتداولة بهذا الشأن لا تعكس حقيقة طبيعة الشحنة أو الغرض منها”.
وأضاف أنه “كان هناك تنسيق عالي المستوى بشأن هذه العربات بين الإمارات والأشقاء في المملكة العربية السعودية، واتفاق على أن المركبات لن تخرج من الميناء، إلا أن دولة الإمارات فوجئت باستهدافها في ميناء المكلا”.
وجاء في البيان أن “الوجود الإماراتي في اليمن جاء بدعوة من الحكومة الشرعية اليمنية وضمن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة، بهدف دعم استعادة الشرعية ومكافحة الإرهاب، مع الالتزام الكامل باحترام سيادة الجمهورية اليمنية”، مشيراً إلى أن “دولة الإمارات قدّمت تضحيات جسام منذ انطلاق عمليات التحالف، وساندت الشعب اليمني الشقيق في مختلف المراحل”.
واعتبرت الخارجية الإماراتية أن التطورات الأخيرة “تثير تساؤلات مشروعة حول مسار التعامل معها وتداعياتها، في مرحلة تتطلب أعلى درجات التنسيق وضبط النفس والحكمة، مع مراعاة التحديات الأمنية القائمة والتهديدات المرتبطة بالجماعات الإرهابية بما فيها القاعدة والحوثيون والإخوان المسلمون”.
وقال أنور قرقاش، مستشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، إن بيان الإمارات “يضع الحكمة فوق الانفعال، ويقدّم الاستقرار على ضجيج التصعيد”.
ولاحقاً، أصدرت وزارة الدفاع الإماراتية بياناً رصده موقع “يمن إيكو”، جاء فيه: “إن القوات المسلحة الإماراتية أنهت وجودها العسكري في الجمهورية اليمنية عام 2019 بعد استكمال المهام المحددة ضمن الأطر الرسمية المتفق عليها، فيما اقتصر ما تبقى من تواجد على فرق مختصة ضمن جهود مكافحة الإرهاب وبالتنسيق مع الشركاء الدوليين المعنيين”.
وأضافت: “نظراً للتطورات الأخيرة وما قد يترتب عليها من تداعيات على سلامة وفاعلية مهام مكافحة الإرهاب، فإن وزارة الدفاع تعلن إنهاء ما تبقى من فرق مكافحة الإرهاب في اليمن بمحض إرادتها، وبما يضمن سلامة عناصرها، وبالتنسيق مع الشركاء المعنيين”.
وفيما بدا هذا الإعلان كاستجابة للضغط السعودي، فإنه ربما يكون تراجعاً تكتيكياً، فقد تكرر إعلان سحب القوات الإماراتية من اليمن عدة مرات خلال السنوات الماضية.
وشن مسؤولو المجلس الانتقالي هجوماً إعلامياً على رشاد العليمي، قائلين إن “الصلاحية السياسية والأخلاقية لرئيس مجلس القيادة اليمني انتهت، وفقد موقعه أيَّ مشروعية حقيقية على الأرض”، وإن العليمي “انقلب” على الشراكة، حسب تصريحات نقلتها قناة “سكاي نيوز” الإماراتية.
وليس من الواضح ما إذا كانت الإمارات ستوجه المجلس الانتقالي بالانسحاب من حضرموت والمهرة كما تريد السعودية، وهو ما سيشكل تراجعاً فعلياً للإمارات في الصراع المستمر منذ سنوات مع السعودية والذي لا يقتصر على الساحة اليمنية، كما أن ذلك سيضعف كثيراً موقف الانتقالي الذي قدم نفسه مؤخراً ليس فقط كمنافس قوي للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، بل وكقوة محلية مؤهلة لحكم جنوب وشرق اليمن بشكل مستقل.
ويرى محللون أن التطورات الأخيرة تشير إلى انهيار واضح لمنظومة التحالف السعودي الإماراتي، بفعل المصالح المتصادمة والخلافات المتراكمة، وهو ما يبقي احتمالات استمرار الصراع الداخلي داخل هذه المنظومة قائمة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news