تقرير : وسيم الراجحي
تصاعدت حدة غضب الشعب الجنوبي عقب تداول ناشطين معلومات وتوثيقات تظهر ما يبدو أنه عبث وتلاعب ممنهج بثروة نفط حضرموت، وتحديدًا من قبل جهات يُشار إليها بجماعة الإخوان المسلمين، وذلك عبر شبكات تكرير وتهريب سرية تهدف إلى تحقيق مكاسب مالية هائلة على حساب المصلحة العامة لأبناء المحافظة والجنوب ككل. إن فهم هذا الاستياء يتطلب تحليلًا دقيقًا لأبعاد القضية الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية لهذه الممارسات المزعومة.
إن محافظة حضرموت تمثل الشريان الاقتصادي الأهم، حيث تحتوي على احتياطيات نفطية ضخمة، وكانت دائمًا محط نزاع وتنافس بين القوى المختلفة. عندما تظهر تقارير تشير إلى قيام جهة معينة بإنشاء مصافٍ سرية لتكرير النفط الخام، ثم تهريبه وبيعه بأسعار السوق العالمية بعيدًا عن رقابة الدولة الشرعية أو المؤسسات المحلية، فإن ذلك لا يُعد جريمة اقتصادية فحسب، بل هو خيانة عظمى للمبادئ الوطنية الجامعة. هذه العمليات السرية تسمح بضخ أموال طائلة في جيوب محددة، بينما تبقى الخدمات الأساسية في المحافظة متدهورة، وتستمر المعاناة اليومية للمواطنين.
إن التغطية الإعلامية والتوثيق الذي نشره الناشطون، أثار موجة عارمة من السخط على منصات التواصل الاجتماعي حيث يرى أبناء الجنوب في هذه الممارسات دليلاً قاطعًا على استمرار سياسة الإقصاء والتهميش الممنهج. فبينما يُفترض أن عائدات النفط يجب أن تُستخدم لتمويل مشاريع التنمية وإعادة الإعمار وتحسين الظروف المعيشية، يتم تحويلها عبر شبكات التهريب إلى مصادر تمويل لأجندات تنظيمية وسياسية تخدم مصالح ضيقة. هذا التناقض الصارخ بين الثراء المزعوم للمتورطين وبين الفقر المدقع الذي يعاني منه السكان المحليون هو الوقود الأساسي لهذا الاستياء الشعبي.
من الناحية الهيكلية، تُظهر هذه التسريبات أن هناك ضعفًا مؤسسيًا كبيرًا أو تواطؤًا ضمن الأجهزة الرقابية والأمنية التي يُفترض أنها مسؤولة عن حماية الثروة الوطنية. إن وجود مصافٍ سرية لتكرير النفط، وهي عمليات تتطلب بنية تحتية معينة، وكميات كبيرة من الوقود، ونقاط تهريب منظمة، يعني أن هذه الأنشطة لا يمكن أن تتم بمعزل عن التسهيل أو التغاضي من قبل سلطات على الأرض. هذا الأمر يغذي السردية الجنوبية التي تؤكد أن هناك جهات تتقاسم الكعكة النفطية بعيدًا عن أي مساءلة.
علاوة على ذلك، فإن استخدام مصطلح "جماعة الإخوان" في سياق هذه الاتهامات يضيف بعدًا أيديولوجيًا وسياسيًا حادًا للنزاع. فجماعة الإصلاح، التي يُشار إليها غالبًا بهذا الاسم في السياق اليمني، لها نفوذ واسع في مناطق مختلفة، ويُنظر إليها من قبل قطاعات واسعة في الجنوب كقوة تسعى لمركزية السلطة وتهميش مكونات الجنوب. وبالتالي، فإن الاتهامات المتعلقة بالاستحواذ على النفط عبر آليات غير شرعية تُفهم على أنها استمرار لمحاولات السيطرة الاقتصادية والسياسية على مقدرات الجنوب، وهو ما يتناقض جذريًا مع تطلعات المجلس الانتقالي الجنوبي لتقرير المصير والحصول على حصة عادلة من الثروة.
إن ردود الفعل عبر الإنترنت تعكس حاجة ملحة للشفافية والمساءلة. يتجه الرأي العام الجنوبي، مدعومًا بالتوثيقات المتداولة، نحو المطالبة بتحقيق فوري وشامل في هذه الشبكات. يجب أن تتجاوز المطالبات مجرد إثارة الضجة على وسائل التواصل، لتصل إلى تشكيل لجان تحقيق محايدة تتمتع بسلطة الوصول إلى المعلومات والتحقيق مع المتورطين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو العسكرية. إن أي إغفال لهذه الدعوات سيؤدي حتمًا إلى تعميق الانقسام وتغذية مشاريع التمرد على السلطة القائمة. إن الحفاظ على ما تبقى من نسيج اجتماعي واقتصادي في الجنوب يقتضي وقف هذه الممارسات فورًا وإعادة توجيه عائدات النفط لخدمة أهالي حضرموت أولاً.
في الختام، يمثل الاستياء الواسع لأبناء الجنوب في مواقع التواصل الاجتماعي حول مزاعم عبث جماعة الإخوان بنفط حضرموت عبر المصافي السرية والتهريب، إنذارًا خطيرًا بشأن استمرار النزيف الاقتصادي والفساد المتغلغل. هذا الغضب هو تعبير عن إحساس عميق بالظلم الاقتصادي والسياسي. ولا يمكن تجاوز هذه الأزمة دون إجراءات حاسمة لضمان الشفافية الكاملة في إدارة الثروة النفطية، ومحاسبة المتورطين في شبكات التهريب، وتوجيه العائدات نحو التنمية الحقيقية لأبناء المحافظة. فشل السلطات في الاستجابة الفعالة لهذه المطالبات سيؤكد الاتهامات الموجهة إليها بالتواطؤ، وسيعمق الأزمة الوطنية اليمنية بشكل لا رجعة فيه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news