البحر الأحمر
السابق
التالى
"جسر المياه".. تقاطع المصالح المصرية–الأوروبية في استقرار البحر الأحمر
السياسية
-
منذ دقيقتان
مشاركة
عدن، نيوزيمن، خاص:
يبرز ملف الأمن البحري كأحد أكثر القضايا إلحاحًا على الأجندة الإقليمية والدولية، فالتوترات المتصاعدة في البحر الأحمر وبحر الصين الجنوبي لم تعد أحداثًا عابرة، بل مؤشرات على تحولات أعمق في بنية النظام الدولي، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية مع الحسابات العسكرية والتوازنات الجيوسياسية.
وفي هذا السياق، تتزايد أهمية الشراكات بين أوروبا والقوى المتوسطة الصاعدة، بوصفها مدخلًا واقعيًا لمواجهة التهديدات المتنامية وحماية شرايين التجارة العالمية، وهو ما تسعى أوراق مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية إلى تفكيكه وتحليله، من خلال قراءة معمّقة لدور الدول الساحلية، وعلى رأسها مصر في البحر الأحمر، في صياغة مستقبل الأمن البحري الإقليمي والدولي.
وتستند هذه السلسلة إلى إسهامات ستة باحثين من دول ساحلية محورية، ناقشوا من زوايا وطنية مختلفة كيف يمكن للتعاون الدولي، خصوصًا بين أوروبا والقوى المتوسطة الصاعدة، أن يشكّل مدخلًا واقعيًا لحماية الممرات البحرية الحيوية وضمان استقرار التجارة العالمية.
تؤكد الأوراق أن البحار الاستراتيجية لم تعد مجرد طرق للتجارة، بل تحولت إلى ساحات صراع تتقاطع فيها المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية. فالاضطرابات المتزايدة، سواء عبر الهجمات المسلحة على السفن، أو القرصنة، أو النزاعات الإقليمية المحيطة بالممرات البحرية، أدت إلى تقويض الثقة في أمن الملاحة الدولية. وتشير التحليلات إلى أن هذا الواقع يفرض على القوى الدولية إعادة النظر في أدواتها التقليدية، والانتقال من سياسات رد الفعل إلى استراتيجيات وقائية قائمة على الشراكات طويلة الأمد.
وتحتل منطقة البحر الأحمر موقعًا محوريًا في هذه السلسلة البحثية، بوصفها أحد أهم شرايين التجارة الدولية التي تربط بين آسيا وأوروبا. وتوضح الأوراق أن الهجمات التي شهدتها المنطقة، إلى جانب حالة السيولة الأمنية في عدد من الدول المطلة عليها، أدت إلى تعطيل حركة الشحن وارتفاع تكاليف النقل والتأمين، ما انعكس مباشرة على الأسواق العالمية. كما تحذر الدراسات من أن عسكرة نقاط الاختناق البحرية ترفع احتمالات الاحتكاك غير المحسوب بين الفاعلين الإقليميين والدوليين، بما قد يفتح الباب أمام أزمات أوسع نطاقًا.
وتمنح الأوراق البحثية اهتمامًا خاصًا لدور مصر، باعتبارها دولة محورية في أمن البحر الأحمر، بفضل إشرافها على قناة السويس. وتوضح التحليلات أن التوترات الأخيرة تسببت في تراجع ملحوظ في عائدات القناة، وهو ما انعكس سلبًا على الاقتصاد المصري، وفاقم التحديات القائمة أصلًا. كما تشير الأوراق إلى أن أي اضطراب طويل الأمد في هذا الممر المائي لا يهدد مصر وحدها، بل يمتد أثره إلى أوروبا والعالم، نظرًا لاعتماد جزء كبير من التجارة الدولية على هذا الطريق البحري الحيوي.
وترى إحدى الأوراق أن القاهرة وبروكسل تمتلكان مصالح متقاطعة في ضمان استقرار البحر الأحمر، ما يفتح المجال أمام تعاون عملي يتجاوز التنسيق الظرفي. وتشمل هذه الآفاق دعم قدرة قناة السويس على التكيف مع الأزمات، وتعزيز تبادل المعلومات البحرية، وتحسين التنسيق بين الجهود الأمنية، بما يسهم في رفع مستوى الجاهزية والاستجابة المبكرة للمخاطر. وتؤكد الدراسة أن هذا التعاون يجب أن يُبنى على شراكة متوازنة تحترم الخصوصية الوطنية وتراعي حساسيات السيادة.
وفي هذا السياق، تبرز ورقة بحثية أعدّتها يارا أحمد وساسكيا فان جينوختن، والصادرة عن مركز دراسات الأمن السيبراني التابع لـHCSS، لتؤكد أن القاهرة وبروكسل تتشاركان مصلحة استراتيجية عميقة في منع مزيد من التدهور الأمني في البحر الأحمر. وتحدد الورقة مجموعة من فرص التعاون العملي، من بينها تعزيز مرونة قناة السويس عبر تنويع أنشطتها الاقتصادية، وتحسين الوعي بالوضع البحري من خلال برنامج CRIMARIO الأوروبي، إضافة إلى تحسين التنسيق بين البعثات البحرية الأوروبية العاملة في المنطقة.
كما تسلّط الورقة الضوء على أهمية حماية الكابلات البحرية التي تنقل البيانات بين أوروبا وآسيا، باعتبارها بنية تحتية حيوية لا تقل أهمية عن الممرات الملاحية التقليدية. وتؤكد أن أي استهداف أو تعطيل لهذه الكابلات قد يحمل تداعيات اقتصادية وأمنية واسعة النطاق. وفي البعد السياسي، تشدد الدراسة على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية المشتركة للمساهمة في خفض حدة النزاعات في اليمن والسودان والقرن الأفريقي، باعتبارها جذورًا مباشرة لعدم الاستقرار البحري.
وتسلّط الورقة الضوء على أهمية حماية البنية التحتية البحرية غير المرئية، وعلى رأسها كابلات نقل البيانات التي تمر عبر قاع البحار. وتشير إلى أن هذه الكابلات تشكل العمود الفقري للاقتصاد الرقمي العالمي، وأن أي استهداف لها قد يؤدي إلى شلل واسع في الاتصالات والخدمات المالية والتجارية. وتؤكد الدراسات أن أمن هذه البنية لا يقل أهمية عن أمن السفن والموانئ، ويتطلب تعاونًا دوليًا عالي المستوى.
وتجمع الأوراق البحثية على أن الحلول العسكرية وحدها غير كافية لضمان استقرار دائم في البحر الأحمر. وتشدد على ضرورة تفعيل الأدوات الدبلوماسية لمعالجة النزاعات في اليمن والسودان والقرن الأفريقي، باعتبارها مصادر رئيسية لعدم الاستقرار البحري. وترى الدراسات أن أي مقاربة أمنية ناجحة يجب أن تتكامل مع جهود سياسية وتنموية تسهم في تقليل دوافع الصراع على المدى الطويل.
وتخلص السلسلة إلى أن مستقبل الأمن البحري يعتمد على قدرة الأطراف الدولية على بناء شراكات حقيقية مع الدول الساحلية، تقوم على الاحترام المتبادل وتقاسم المسؤوليات. فدعم دور الدول المحورية في حماية الممرات المائية، دون فرض نماذج خارجية، من شأنه أن يعزز الاستقرار الإقليمي ويحمي مصالح التجارة العالمية.
وبحسب مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية، فإن البحر الأحمر سيظل اختبارًا حاسمًا لقدرة المجتمع الدولي على الانتقال من إدارة الأزمات إلى بناء أمن بحري مستدام.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news