كان اليمن الجنوبي يوماً ما الرقم الأصعب في معادلة المنطقة عسكرياً، ودولة رائدة في التعليم والبنية التحتية، بفضل دعم سخي وغير محدود من الاتحاد السوفيتي؛ ذلك الحليف الذي لم يكتفِ بالتسليح والتأهيل، بل أسقط قروضاً تجاوزت قيمتها (بمعايير اليوم) 30 مليار دولار. لكن هذا البناء الشامخ بدأ يتصدع من الداخل بفعل صراعات الرفاق التي لم ترحم أحداً.
طعنات في جسد الدولة (1978 - 1986)
بدأت المأساة الحقيقية في عام 1978، حين قُتل الرئيس سالم ربيع علي (سالمين)، ذلك القائد الذي سكن قلوب البسطاء بنزاهته، فكان رحيله جرحاً غائراً لم يندمل. ثم جاءت الفاجعة الأكبر في يناير 1986، حيث تحول اجتماع "حل الخلافات" إلى واحدة من أبشع مجازر التاريخ الحديث.
انقسمت الدولة إلى جناحين دمر كلاهما الآخر:
جناح "الزمرة": (أبين وشبوة) بقيادة علي ناصر محمد.
جناح "الطغمة": (لحج، الضالع، وردفان) بقيادة علي عنتر ورفاقه.
لم تكن حرب أفكار، بل كانت "محرقة للهوية"؛ قُتل فيها الكادر الجنوبي بناءً على أساس مناطقي، ولم يسلم منها طفل أو امرأة، وخلفت عشرات الآلاف من القتلى و100 ألف نازح صوب الشمال، بينما وقفت حضرموت بحكمتها بعيدة عن هذا الجنون.
من الانكسار إلى الوحدة (1990)
عقب "مذبحة 86" وتفكك المظلة السوفيتية، وجدت القيادة الجنوبية نفسها في مأزق وجودي واقتصادي خانق. وتحت وطأة هذه الانكسارات، هرول علي سالم البيض (أحد أقطاب أحداث 86) نحو الوحدة، ليوقع مع الرئيس علي عبدالله صالح اتفاق عام 1990، بحثاً عن مخرج من أزمات الجنوب المتلاحقة.
اخبار التغيير برس
أزمة 1994 والحسم
في عام 1994، حاول البيض إعلان الانفصال فجأة، لكنه وجد نفسه وحيداً؛ فالشعب الذي سئم الصراعات الداخلية وتردي الأوضاع أراد الوحدة، وحتى القادة العسكريين لم يستجيبوا لأوامره بالانفصال. تحرك علي عبدالله صالح مسنوداً بإرادة شعبية ومكونات جنوبية ليحمي "اليمن الواحد" ويحسم المعركة عسكرياً.
عهد "صالح" وما بعده
يظل التاريخ شاهداً على أن علي عبدالله صالح كان الرجل الذي استطاع، بدهائه وصبره، إخماد الفتن وتوحيد اليمن المضطرب وتحقيق التنمية والاستقرار لعقود. وبعد رحيله، تحولت البلاد إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، وسالت الدماء في كل زاوية، وأصبحت وحدة البلاد واستقرارها في مهب الريح.
©️حسام الخرباش
إنشر على واتس أب
إنشر على الفيسبوك
إنشر على X
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news