في حادثة تعكس تدهوراً أمنياً وإنسانياً صارخاً، عثر مواطنون صباح اليوم على طفلة حديثة الولادة مُلقاة في إحدى العمارات بحي العريش في مديرية كريتر، وسط عاصمة الجنوب المؤقتة عدن.
الحادثة الأليمة تحدث في ظل سيادة حالة من الفوضى وانعدام الأمن وانتشار الممارسات الخارجة عن القانون، والتي يرى مراقبون أنها ازدادت وتيرتها بشكل ملحوظ في ظل سيطرة ما يُعرف بـ"المليشيات الانتقالية" على مقاليد الأمور في المدينة.
وفقاً لشهادات مواطنين نقلتها "المشهد اليمني"، تم العثور على الطفلة الرضيعة مرمية في عمارة سكنية بحي الهريش تحديداً في شارع الملك سليمان، وكانت ملفوفة بثياب عادية. وبسرعة تدخل الأهالي ونقلوا الطفلة إلى مستشفى الشعب العام لتلقي الرعاية الطبية اللازمة والفحص.
من جانبها، أعلنت شرطة مديرية كريتر فتح تحقيق عاجل في الواقعة للكشف عن ملابساتها ومعرفة هوية والدي الطفلة أو الأشخاص الذين تخلوا عنها.
سياق نقدي: الفوضى تحت سيطرة "الانتقالي"
تأتي هذه الحادثة الإنسانية المؤسفة لتضيف وجهًا جديداً من وجوه المعاناة اليومية التي يعيشها سكان عدن، وخاصة في كريتر، في ظل بيئة أمنية وسياسية مضطربة.
مراقبون وسكان محليون يشيرون بإصبع الاتهام إلى "المليشيات الانتقالية" التي تسيطر على المدينة وتقودها إلى مزيد من التدهور على جميع الأصعدة.
في الأشهر الأخيرة، كثرت بشكل ملحوظ الأمور الخارجة عن القانون والمنطق في عدن، من انتشار غير مسبوق للسلاح بين المليشيات المتحالفة مع "الانتقالي"، وانتشار حواجزها غير النظامية، إلى تصاعد جرائم السطو المسلح والاختطافات والاغتيالات التي غالباً ما تمر دون محاسبة.
هذا الفضاء الأمني المُنهار يخلق بيئة خصبة لتفشي الجرائم الأخلاقية والاجتماعية، مثل حالة التخلي عن الأطفال، والتي قد تكون نتيجة لوضع اقتصادي ومعيشي بائس تفاقم تحت إدارة "الانتقالي".
إخفاقات متعددة
النقاد يؤكدون أن هذه الحادثة ليست بمعزل عن سياق عام من الإهمال وغياب الدولة ومؤسساتها الحقيقية. فسلطات "الانتقالي"، رغم سيطرتها الميدانية، فشلت في:
1. إعادة بناء مؤسسات أمنية مهنية تحمي المواطن وتفرض القانون.
2. توفير أدنى درجات الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الذي يحفظ كرامة الأسر ويحد من الهروب من المسؤوليات.
3. إنشاء شبكة أمان اجتماعي أو دور رعاية تتكفل بحالات الضعف الإنساني الطارئة، مثل التخلي عن المواليد.
المواطنون في كريتر وعدن بشكل عام يعيشون تحت وطأة سلطة مليشياوية تفتقر إلى الشرعية الشعبية والكفاءة الإدارية، مما حوّل المدينة إلى ساحة للصراعات الداخلية والانتهاكات، بينما المواطن البسيط يدفع الثمن من أمنه وسلامته وإنسانيته.
ردود فعل متوقعة وتجاهل متكرر
من المتوقع أن يقتصر رد "السلطات" التابعة لـ"الانتقالي" على بيانات إدانة شكلية ودعوات للتحقيق، والتي غالباً ما تذهب أدراج الرياح كما هو الحال في مئات الجرائم السابقة التي لم يُعرف لها مُحِقّ.
التركيز ينصب على إدارة الأزمات إعلامياً بعيداً عن معالجة الجذور الهيكلية للأزمة، المتمثلة في طبيعة النظام المليشياوي نفسه الذي يعجز عن إدارة دولة أو حتى مدينة، ويستبدل القانون بقوة السلاح، والمؤسسة بالولاء الشخصي.
حادثة طفلة الهريش ليست مجرد جريمة أسرية فردية، بل هي صورة مصغرة عن انهيار شامل تعيشه عدن تحت سيطرة "المليشيا الانتقالية".
إنها صرخة مدوية تستدعي ليس فقط التحقيق في مصير الطفلة، بل والوقفة الجادة لإعادة النظر في مصير مدينة كاملة تُدفع ثمن وجود سلطة غير شرعية، غير كفؤة، وغير قادرة على توفير الحد الأدنى من الأمن والاستقرار والكرامة الإنسانية لسكانها.
الوقت يحترم لإنقاذ ما تبقى من إنسان في عدن، وذلك يبدأ بالخلاص من منطق المليشيات وإعادة بناء دولة القانون والمؤسسات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news