في تسجيل صوتي جرى تداوله على مجموعات واتس آب تابعة لقوات "درع الوطن"، قال قائد هذه القوات العميد بشير المضربي إن عملية انتقال وحداته من محافظات عدن ولحج وأبين والضالع إلى مواقعها الجديدة في محافظة حضرموت "كللت بالنجاح"، مؤكداً وصول آخر دفعة من القوات إلى مقر الفرقة الثانية في منطقة الوديعة الحدودية مع السعودية "دون تسجيل أي أحداث".
وأضاف المضربي أن عملية الانتقال عكست – بحسب تعبيره – مستوى "الانضباط والجاهزية" التي تتمتع بها قواته، واصفاً ما جرى بأنه "نجاح عظيم حتى آخر لحظة"، ناقلاً لهم تحيات وشكر قائد القوات المشتركة للتحالف، الفريق الركن فهد بن حمد السلمان، والذي قال إنه أجرى اتصالاً شخصياً لتهنئته، وحمّله السلام والتقدير لجميع منتسبي القوات.
وكانت "درع الوطن" قد غادرت مواقع تمركزها السابقة في جنوب غربي اليمن، واتجهت شرقاً نحو محافظة حضرموت، في إطار ترتيبات لإعادة نشرها في مناطق وادي وصحراء حضرموت القريبة من الحدود السعودية، إضافة إلى محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عُمان.
وتأتي هذه التحركات في سياق الجهود السعودية لطرح "درع الوطن" كبديل للقوات الحكومية التي خرجت من سيئون ومناطق الوادي والصحراء، عقب سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات على مدينة سيئون ومناطق واسعة من وادي وصحراء حضرموت، وإخراج القوات التابعة للمنطقة العسكرية الأولى من مواقعها، وهو ما فتح نقاشاً حول مستقبل الترتيبات الأمنية في حضرموت والمهرة، والقوة التي ستتولى إدارة هذا الملف في المرحلة المقبلة.
وتأسست قوات "درع الوطن" بقرار رئاسي صدر في يناير 2023 عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، باعتبارها قوة احتياط تتبع القائد الأعلى للقوات المسلحة، على أن تُحدَّد مهامها ومسرح عملياتها عبر أوامر عملياتية تصدر عنه، غير أن عملية التأسيس جرت عملياً خارج الحكومة اليمنية، وظل الإشراف الفعلي على هذه القوات بيد "هيئة إدارة القوات اليمنية" المرتبطة بالقوات المشتركة للتحالف، بحسب مصادر عسكرية.
وتشير المصادر إلى أن مجلس القيادة الرئاسي لم يكن مطلعاً على تفاصيل دقيقة تتعلق بعدد الألوية التي جرى تشكيلها، أو مستوى جاهزيتها، أو طبيعة عقيدتها القتالية، في مقابل ارتباط واضح بآليات التمويل والإدارة والتدريب التي تتولاها السعودية.
وعلى غرار التشكيلات المدعومة من دولة الإمارات، تتلقى هذه القوات تمويلاً مباشراً من السعودية يشمل مرتبات منتظمة تُصرف بالريال السعودي وتسليحاً متنوعاً، في وقت تعاني فيه وحدات الجيش الحكومي من انقطاع الرواتب أو صرفها بشكل متقطع.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، توسعت قوات "درع الوطن" من حيث العدد والانتشار الجغرافي، وتمركزت وحدات منها في عدن ولحج وأبين والضالع، ووصل انتشار بعضها إلى جزيرة ميون في باب المندب، وكانت قيادتها تتخذ من قاعدة العند الجوية في محافظة لحج مقراً لها، قبل أن تنتقل مؤخراً وتستقر في منطقة الوديعة.
وقال شهود عيان لـ"المصدر أونلاين" إن معدات ثقيلة تابعة لهذه القوات تحركت باتجاه منفذ الوديعة البري، وصولاً إلى مناطق على الحدود السعودية، في طريقها إلى داخل المملكة.
ويقود القوات المغادرة العميد بشير سيف قائد غبير الصبيحي، وهو أحد شيوخ التيار السلفي من أبناء منطقة رأس العارة بمحافظة لحج، تلقى تعليمه الديني في مراكز سلفية بمحافظة صعدة.
وتنتمي غالبية قيادات قوات "درع الوطن" للتيار السلفي من المحافظات الجنوبية، وهو الحال ذاته بالنسبة للأفراد الذين جرى تأطيرهم في هذه القوات حيث مر معظمهم بمراكز التعليم الديني التي يديرها السلفيون. ولا ترتبط هذه القوات تنظيمياً بوزارة الدفاع اليمنية ولا برئاسة هيئة الأركان، كما لا ترفع علم الجمهورية اليمنية في مواقع انتشارها، ويمتنع معظم قادتها عن ارتداء الزي العسكري، حيث أظهرت مقاطع مصورة بشكل متكرر ظهورهم أمام الأفراد يلقون المحاضرات والتوجيهات بالزي المدني، وسط نقاشات حول طبيعة مرجعيتها العسكرية والرمزية.
وتثير الخلفية السلفية لقيادات بارزة في "درع الوطن" تساؤلات جدية حول طبيعة المرجعية الفكرية والعقائدية لها، خاصة أن عدداً من قادتها ينتمون إلى مدارس دينية لا تقوم عقيدتها على مفهوم الدولة الجمهورية بقدر ما تؤكد على طاعة "ولي الأمر"، وهو مفهوم لا تتضح حدوده أو مرجعيته داخل السياق اليمني، ما يضيف طبقة جديدة من الغموض إلى مسألة الولاء ومصدر القرار العسكري.
كما يلاحظ أن بنية "درع الوطن" وعقيدتها القتالية تقترب، من حيث الفكرة العامة، من نماذج لقوات أُنشئت في سياقات مشابهة، تقوم على الولاء الديني والوظيفة الأمنية المحددة أكثر من قيامها على مفهوم الجيش الوطني، ويقارن بعض المراقبين هذه التجربة بتجارب أخرى في اليمن، باعتبار "درع الوطن" تمثل نسخة جنوبية لقوى لم تُبنَ أساساً لخوض حروب واسعة، بل لإدارة التوازن ومنع الصدام المباشر.
وبعد انسحابها من عدد من المواقع التي كانت قد تسلمتها في الداخل، تتمركز غالبية وحدات "درع الوطن" حالياً في المناطق القريبة من الحدود السعودية، بين العبر ومنفذ الوديعة (شرق اليمن)، ويرى مراقبون أنه ونتيجة لرفض الانتقالي سحب قواته فإن هذا التموضع يعكس تحولاً في وظيفة القوة، من أداة لإدارة الأمن الداخلي في المحافظات الشرقية، إلى قوة تتركز مهامها حول تأمين الحدود والمنافذ، بما يتماشى مع أولويات أمنية سعودية أكثر من ارتباطها بمهام سيادية يمنية داخلية.
ولا يمكن فصل نشأة "درع الوطن" عن السياق الأوسع الذي شهدته اليمن خلال سنوات الحرب، والمتمثل في تفكك الجيش النظامي وظهور تشكيلات عسكرية موازية خارج سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً. وفي هذا الإطار، تُعد "درع الوطن" تشكيلاً شبيهاً من حيث الفكرة والبنية العامة بتشكيلات سلفية أخرى نشأت خلال الحرب، وعلى رأسها "ألوية العمالقة الجنوبية"، مع فارق جوهري يتمثل في الجهة الراعية والولاء السياسي.
وجرى تأسيس "درع الوطن" كمقابل موضوعي لتلك التشكيلات، في محاولة سعودية لإحداث توازن داخل المعسكر المناهض للحوثيين، واحتواء النفوذ العسكري المتنامي لقوى مدعومة إماراتياً في الجنوب والشرق، عبر بناء قوة سلفية موالية للرياض، تتبع مباشرة قيادة القوات المشتركة، وتتحرك وفق أولويات أمنية مرتبطة بالمنافذ والحدود والمناطق الحساسة.
ومنذ بدء تشكيلها قبل نحو ثلاث سنوات، لم تخض "درع الوطن" أي معركة، ولم تُختبر جاهزيتها القتالية في مواجهة مباشرة، ويقول عسكريون إن توسع هذه القوات جرى من حيث العدد والانتشار والتسليح، دون أن يقابله اختبار ميداني فعلي، وهو ما ظهر بوضوح مع أول أزمة كبيرة واجهتها في حضرموت.
وجاء أول اختبار عملي لدور "درع الوطن" مع التطورات الأخيرة في حضرموت، فقبل سيطرة قوات المجلس الانتقالي على سيئون بأسبوع واحد، تسربت معلومات عن خطة لدمج قوات "درع الوطن" بالمنطقة العسكرية الأولى، ضمن ترتيبات لإعادة تنظيم الانتشار في وادي وصحراء المحافظة، وبحسب مصادر عسكرية، كانت الخطة تقوم على ثلاث مراحل: الأولى نشر قوات من العبر إلى الوديعة على الخط الدولي مع السعودية، وهي خطوة نُفذت في سبتمبر الماضي، والثانية التمدد من العبر إلى منطقة الخشعة، والثالثة الوصول إلى مدينة سيئون.
وأضافت المصادر أن قيادة هيئة الأركان تلقت توجيهات بتسهيل عملية الانتشار وتسليم المواقع التي تقرر إحلال "درع الوطن" فيها، غير أن تنفيذ الخطة تعثر بسبب عدم جاهزية القوات لتسلّم المواقع، ما أدى إلى تأخير المرحلتين الثانية والثالثة.
ولفتت إلى أن قيادة التحالف، ممثلة بالمشرف على قوات "درع الوطن" فلاح الشهراني، طلبت بدء الانتشار وفق الخطة الموضوعة، لكنها اكتشفت في مرحلة متأخرة أن القوات غير جاهزة عملياً.
وخلال تحركات قوات المجلس الانتقالي في المحافظات الشرقية، التزمت قوات "درع الوطن" موقفاً أقرب إلى الحياد، ولم تتدخل لمنع فرض أمر واقع جديد. فقد استلمت وحدات منها بعض المرافق في محافظة المهرة في اليوم التالي للأحداث، قبل أن تعيد تسليمها لاحقاً لقوات الانتقالي، في خطوة فُسّرت على أنها تجنب للاحتكاك المباشر وعدم رغبة في الدخول في مواجهة.
ووفق مصادر مطلعة، فإن رفض بعض قيادات "درع الوطن" الانخراط في أي مواجهة محتملة لم يكن عسكرياً فقط، بل جرى تبريره بخطاب ديني، إذ اعتبر قادة ميدانيون أن المواجهة تمثل "قتالاً محرماً بين مسلمين"، وأن رفع السلاح في وجه قوات من المعسكر نفسه "لا يجوز شرعاً"، وظهرت هذه المواقف في تصريحات غير رسمية وخطابات داخلية ألقاها قادة بلباس مدني، بعيداً عن الصورة النمطية للقيادة العسكرية النظامية.
وتسلّمت قوات "درع الوطن" أول موقع لها ضمن خطة الانتشار مع بدء تحركات قوات المجلس الانتقالي وسيطرتها على سيئون، حيث تسلمت معسكر اللواء 37 ومواقعه في منطقة الخشعة، لكنها انسحبت من المعسكر دون قتال مع اقتراب قوات الانتقالي، تاركة خلفها مخازن أسلحة وذخائر داخل الموقع. ولاحقاً نشر المجلس الانتقالي صوراً ومقاطع فيديو قال إنها توثق سيطرته على تلك المخازن.
وبعد توقف تقدم قوات الانتقالي بين منطقتي الخشعة والعبر، طُلب من قيادة اللواء 23 ميكا المتمركز في العبر تسليم مواقعه لقوات "درع الوطن"، وهو ما تم، مع انسحاب اللواء وسحب جزء كبير من أسلحته وذخائره، وفي المقابل، أعادت قوات المنطقة العسكرية الأولى انتشارها في مناطق صحراوية بين محافظات مأرب وحضرموت وشبوة.
في ضوء ما سبق، تبدو تجربة قوات "درع الوطن" أقرب إلى نموذج قوة أُنشئت لإدارة الفراغ والتوازن أكثر من كونها تشكيلاً عسكرياً بُني لخوض مواجهات حاسمة أو فرض معادلة أمنية مستقرة، فالانتقال الآمن والمنضبط، الذي جرى تقديمه بوصفه "نجاحاً عظيماً"، يكشف في جوهره عن تركيز لوجستي وتنظيمي لا يوازيه وضوح في الوظيفة القتالية أو في المرجعية السيادية، وهو ما برز بوضوح عند أول اختبار ميداني جدي في المهرة، حيث اختارت القوات الانكفاء وتجنب الاشتباك، وترك المجال لفرض أمر واقع جديد.
ومع تموضعها الحالي قرب الحدود والمنافذ، وتداخل أدوارها مع أولويات إقليمية تتقدم على الاعتبارات الوطنية، يظل السؤال مفتوحاً حول مستقبل "درع الوطن": هل ستتحول إلى جزء من بنية أمنية يمنية موحدة تخضع لمرجعية الدولة، أم ستبقى قوة موازية تؤدي وظيفة مؤقتة، تُدار من خارج السياق السيادي، وتُستخدم لضبط التوازن لا لاستعادة الدولة؟
ويذهب مراقبون إلى طرح سؤال آخر، جوهري في هذا السياق: إذا كانت قوات "العمالقة"، التي تنتمي إلى الخلفية الفكرية نفسها، ويتحدر أفرادها وقادتها من المناطق ذاتها، قد تحولت في لحظة سياسية واحدة إلى "قوات العمالقة الجنوبية" وانخرطت في دعم المشروع الانفصالي، فما الذي يجعل قوات “درع الوطن” استثناءً عن هذا المسار؟ وأي ضمانات حقيقية تحول دون أن تتخذ، في ظرف مماثل، الموقف نفسه وتعيد التموضع وفق حسابات سياسية طارئة لا وفق مرجعية وطنية ثابتة؟
ورغم تطابق البنية العقائدية للقوتين فإن الفارق الوحيد أن قوات "درع الوطن" مدعومة مباشرة من السعودية، سواء من حيث التمويل أو التدريب أو الإشراف، وهو ما يُفترض – بحسب هذا الرأي – أن يحدّ من إمكانية انزلاقها نحو مشاريع سياسية محلية أو تحولات مفاجئة في الولاء، على غرار ما حدث مع التشكيلات المدعومة من الإمارات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news