مع أن الأوضاع في جنوب اليمن تبدو مستتبة للمجلس الانتقالي الجنوبي، بعد سيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة شرقي البلاد أوائل الشهر الحالي، بعدما كان قد عمل لسنوات على السيطرة على محافظات الجنوب بشكل كامل في سياق مشروعه للانفصال وتأسيس دولة جنوبية، ومع أنه بات يدير الأوضاع العسكرية والأمنية وحتى الاقتصادية والاجتماعية في تلك المحافظات، يفرض هذا الوضع في المقابل تحديات أكبر على "الانتقالي" بعد رفضه الوساطة التي قادتها السعودية لعودة الأوضاع إلى طبيعتها شرقي اليمن، إضافة إلى المخاوف العمانية المتصاعدة من وصوله إلى حدودها بعد سيطرته على المهرة. بالتوازي مع الخصومة التي أوجدها مع السلطة اليمنية الشرعية المعترف بها دولياً بقيادة رشاد العليمي، لتبدو كل المكاسب التي يقول إنه حققها لصالح القضية الجنوبية مهددة، خصوصاً إذا ما اتجه، كما تُسرّب أوساطه، إلى إعلان حكومة موازية لإدارة الشأن العام في مناطق سيطرته. وبالتوازي يبرز ما نشرته وكالة "أسوشييتد برس" عن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" من أن المجلس الانتقالي يسعى إلى الحصول على دعم إسرائيلي، تحت مبرر وجود "أعداء مشتركين" للطرفين.
تداعيات تمدد "المجلس الانتقالي"
وبدأ بعض الساسة والنخب الجنوبية، سواء داخل "الانتقالي" أو من المعارضين له أو حتى المحايدين، يتحدثون عن مخاوف من تداعيات التوتر القائم بعد سيطرة المجلس على محافظتي حضرموت والمهرة، مع وجود نيّة لـ"الانتقالي" للمضي قدماً نحو تشكيل حكومة موازية وبناء دولة جنوبية مستقلة. ويتحدث هؤلاء عن مخاوف من استغلال أطراف محلية وخارجية هذا الوضع لخلق صراعات ومشكلات لإغراق الجنوب في مستنقع خطير من الأزمات الداخلية، لضرب "الانتقالي"، من خلال فتح جبهات استنزاف، بعدما عمد الأخير لنشر قواته في كل المناطق التي سيطر عليها، ومن ثم بات مضطراً إلى تأمين محافظات جنوب اليمن الثماني، فيما ما زال "الانتقالي" يسعى لتوسيع وزيادة عدد قواته وقدراته العسكرية، تمكنه من مواجهة كل التحديات وتأمين مساحة جغرافية، تصل إلى 333 ألف كيلومتر مربع، وساحل يصل إلى 2000 كيلومتر، وحدود 12 ميناء، وعشرات الشركات وحقول النفط، إلى جانب أكثر من ستة مطارات، وعدد من المنافذ البرية مع السعودية وسلطنة عمان، ومع شمال اليمن، والأهم من ذلك أن في الجنوب جبهات مفتوحة تخاض فيها مواجهات مع جماعة الحوثيين، في حدود أربع محافظات جنوبية، هي شبوة وأبين ولحج والضالع.
وبحسب المعطيات التي تنقلها مصادر مواكبة لهذه النقاشات لـ"العربي الجديد"، فالمخاوف تنطلق من أن "الانتقالي" فتح جبهات عديدة، وأصبح لديه الكثير من الأعداء، سواء الأعداء الواضحون مثل الحوثيين و"الإخوان المسلمين" وتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، أو قوى جنوبية معارضة له بعضها يمتلك قوة عسكرية مدعومة محلياً وخارجياً، كالقوى في حضرموت والمهرة. وتلفت المصادر إلى أن "الانتقالي" وحتى لو أصبح يدير الأوضاع، تبقى المخاوف لدى الجنوبيين قائمة من توجّهه إلى إعلان حكومة موازية ثم دولة الجنوب المستقلة، من دون أن يحسب حساباً لهذه الخطوات وتداعياتها، بما قد يجعله في مواجهة مع المجتمع الإقليمي والدولي. وتضيف المصادر أن من أكبر المخاوف التي تتشاركه جميع المكونات الجنوبية المؤمنة بالقضية الجنوبية، أن المكاسب التي تحققت للجنوب وللجنوبيين خلال السنوات الماضية، على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، سواء بجهود المجلس الانتقالي أو جهود القوى والأطراف والمكونات الجنوبية الأخرى، قد تتعرض لانتكاسة وتراجع، بما فيها تراجع صوت الجنوبيين القوي حالياً في محاولة فرض الحل الذي يرونه لقضيتهم، وحتى قد يتراجع نفوذ "الانتقالي" الذي أصبح القوة العسكرية الأكبر في مناطق سيطرة الشرعية.
وفي السياق، قال عضو المكتب السياسي لحزب العدالة والبناء، السياسي الجنوبي صفوان سلطان، لـ"العربي الجديد"، إن "المخاوف الجنوبية من أي تصعيد جديد مفهومة ومشروعة، لأن أي انزلاق نحو مواجهات عسكرية أو فرض وقائع بالقوة قد ينعكس سلباً على المكاسب التي حققها الجنوبيون خلال السنوات الماضية، سواء على مستوى الحضور السياسي أو الاعتراف الإقليمي والدولي بالقضية الجنوبية"، مضيفاً أن "التجربة أثبتت أن التصعيد غالباً ما يربك القضايا العادلة بدل أن يخدمها، ويمنح أطرافاً أخرى فرصة توظيف الفوضى لإضعاف الموقف الجنوبي نفسه". ورأى أن على المجلس الانتقالي الجنوبي "عدم المغامرة بالقضية الجنوبية أو الزج بها في مسارات تصعيدية قد تحوّلها من قضية عادلة تحظى بتعاطف واسع، إلى أداة تُستغل لخدمة مصالح منطقة أو جماعة أو حتى دولة إقليمية"، مضيفاً أن "خطورة هذا المسار لا تكمن فقط في نتائجه الآنية، بل في ما يخلّفه من تشويه لطبيعة القضية الجنوبية وإفراغها من بعدها الوطني والحقوقي". وشدد سلطان على أن "ما تحقق للقضية الجنوبية حتى اليوم ليس ملكاً لأي طرف أو كيان بعينه، ولا يملك أحد تفويضاً حصرياً لاحتكار تمثيل هذه القضية أو التصرف بها، إلا عبر الإرادة الشعبية الحرة وصندوق الاقتراع". واعتبر أن "الحفاظ على الحقوق الجنوبية يمر عبر التهدئة، وتغليب المسار السياسي، وإدارة الخلافات بعقلانية، بما يعزز الموقع التفاوضي للجنوبيين ويحفظ مكاسبهم بدل تعريضها للمخاطر".
في موازاة ذلك، برز ما نقلته وكالة "أسوشييتد برس" عن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" من أن المجلس الانتقالي يسعى إلى الحصول على دعم إسرائيلي. وقالت "كان" في تقرير لها أمس الأول الأربعاء إن ذلك يخدم مصالح مشتركة تشمل حماية طرق الملاحة الدولية في خليج عدن ومضيق باب المندب، والتصدي لتهريب السلاح الإيراني إلى جماعة الحوثي، إضافة إلى مواجهة التنظيمات المرتبطة بالإخوان المسلمين. ونقلت "كان" عن مصدر دبلوماسي في الإدارة الجنوبية قوله إن دعم إسرائيل لإقامة دولة جنوب اليمن وعاصمتها عدن من شأنه تعزيز القدرات العسكرية والأمنية والاقتصادية للكيان المنشود، مؤكداً وجود "أعداء مشتركين" للطرفين. وفي السياق ذاته، أفادت تقارير بأن ممثلين عن المجلس الانتقالي أجروا اتصالات مع مسؤولين إسرائيليين، في إطار مساعٍ لكسب دعم إقليمي ودولي، بما في ذلك دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع تعهد بالاعتراف بإسرائيل في حال تحقيق الاستقلال.
التصعيد متواصل
على جبهة السلطات اليمنية المعترف بها دولياً، أكد رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، في اتصال هاتفي بمحافظ حضرموت سالم الخنبشي، "دعم الدولة الكامل لقيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، وتمكينها من أداء مهامها في رعاية المصالح العامة، وتعزيز حضور مؤسسات الدولة، بما يضمن ترسيخ الأمن والاستقرار، وحماية السكينة العامة في المحافظة". ووفق وكالة "سبأ"، استمع العليمي من الخنبشي، إلى تقرير حول مستجدات الأوضاع في محافظة حضرموت، ومستوى التقدم في الجهود المبذولة لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظة بدعم من السعودية. وشدد العليمي على "التزام الدولة بحماية أمن حضرموت واستقرارها، وصون مصالح أبنائها، والحفاظ على خصوصيتها، ووحدة نسيجها الاجتماعي"، مجدداً "موقف الدولة الرافض لأي إجراءات خارج صلاحياتها الحصرية المنصوص عليها بموجب الدستور والقانون، ومرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض". وأشاد العليمي "بالجهود الأخوية الجارية التي يبذلها الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، والإمارات، لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية إلى سابق عهدها، وحرصهم الدائم على حماية التوافق القائم، وتجنب أي تداعيات من شأنها الإضرار بمصالح الشعب اليمني، ومفاقمة معاناته الإنسانية". كما أعاد التشديد على "توجيهاته السابقة بضرورة توثيق جميع انتهاكات حقوق الإنسان التي رافقت الإجراءات الأحادية في محافظة حضرموت، وفتح تحقيق شامل بشأنها".
في المقابل، جدّد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي، التأكيد أن "الهدف المشترك للقوى الوطنية المناهضة لمليشيات الحوثي يتمثل في تحرير مناطق الشمال الخاضعة لسيطرة تلك المليشيات، وصولا إلى صنعاء".
جاء ذلك خلال لقائه، أمس الخميس، في القصر الرئاسي في عدن، بقيادات جبهة مُريس وحجر شمال محافظ الضالع، حيث استعرض مستجدات الأوضاع العسكرية، وسبل تنسيق الجهود لمواجهة التصعيد الحوثي. وأوضح الزبيدي، في حديثه لقادة جبهة مريس وحجر، أن "الإجراءات التي نفذتها القوات المسلحة الجنوبية أخيراً في محافظتي حضرموت والمهرة جاءت في سياق تأمين الجنوب المحرر، ليكون منطلقا لتحرير مناطق الشمال"، مشيرا إلى أن "الوجهة هي صنعاء، مهما حاولت بعض القوى حرف مسار المعركة عبر افتعال صراعات جانبية". وأكد أن "المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المسلحة الجنوبية، ماضون على عهدهم منذ انطلاق المواجهة مع المليشيات الحوثية"، داعيا إلى "عدم الالتفات لحملات التشويش والضجيج الصادرة عن قوى فقدت تأثيرها وحضورها السياسي"، ومؤكدا أن الالتزام بالمسؤولية الوطنية والشراكة الصادقة هو الطريق الوحيد لتحقيق النصر. وأضاف: "نتألم ونشعر بالغبن ونحن نشاهد إخوتنا في المناطق الوسطى والشمالية يتعرضون للقتل والظلم والاضطهاد على أيدي المليشيات، بعد أن خذلتهم قيادة كانوا يعوّلون عليها لتحرير مناطقهم، وانحرفت عن مسار التحرير نحو مصالحها الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العليا"، مؤكدا أن "الشمال اليوم بحاجة إلى قيادة شجاعة قادرة على اتخاذ القرارات المصيرية وتحمل المسؤولية، فالأيادي المرتعشة والمواقف المهزوزة لن تصنع نصراً ولن تبني وطناً".
وحضر الملف اليمني أيضاً في اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، اللذين أكدا "أهمية استقرار اليمن في إطار جهود مكافحة إرهابيي الحوثيين المدعومين من إيران"، وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية. من جهته، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في حديث للصحافيين مساء الأربعاء عقب إحاطة قدمها لمجلس الأمن، من تداعيات تطورات الوضع في محافظتي حضرموت والمهرة، قائلاً إنها تعمق الانقسامات في البلاد. وتابع: "أوضحتُ لمجلس الأمن، أن الإجراءات أحادية الجانب لن تُمهّد الطريق للسلام، بل إنها تعمّق الانقسامات وتصلّب المواقف، وتزيد من خطر التصعيد الأوسع والتشرذم". ونبه إلى أن استئناف الأعمال "العدائية" قد تترتب عليه تداعيات خطيرة على السلم والأمن الإقليميين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news