في مرحلة يمنية شديدة الهشاشة، تتعمق فيها الانقسامات السياسية وتتفاقم الأزمات الاقتصادية والخدمية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، عادت المحافظات الشرقية إلى صدارة المشهد، مع تجدد الحضور السعودي والإماراتي تحت لافتة احتواء التوترات العسكرية والسياسية في مناطق ظلت، لسنوات، بمنأى نسبي عن الصراع المباشر.
وفي هذا السياق، وصل مساء الجمعة/ 12 ديسمبر الجاري وفد سعودي–إماراتي إلى القصر الرئاسي في العاصمة المؤقتة عدن، لبحث تطورات الأوضاع في حضرموت والمهرة، عقب تجاهل المجلس الانتقالي الجنوبي مطالب سعودية سابقة بالانسحاب من المحافظتين، بعد تحركات عسكرية وُصفت بالأحادية.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" عن مصدر في مكتب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، أن الزيارة تأتي في إطار مساعٍ "سعودية–إماراتية" لتعزيز تماسك مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، والعمل على إعادة الأوضاع في المحافظات الشرقية إلى ما كانت عليه قبل التصعيد الأخير.
وبحسب المصدر، تتركز الجهود على معالجة الإجراءات الأحادية التي شهدتها تلك المحافظات، بما في ذلك إخراج أي قوات مستقدمة من خارجها، وتمكين الحكومة والسلطات المحلية من ممارسة مهامها وفقًا للدستور والقانون، وعدم منازعتها صلاحياتها، مع التأكيد على الالتزام بالمرجعيات السياسية للمرحلة الانتقالية.
غير أن هذه التحركات قوبلت بمواقف مغايرة من قبل قيادة المجلس الانتقالي" الذي يسعى للانفصال"، ففي أول تصريح له عقب لقائه الوفد، قال عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، السبت/ 13 ديسمبر، إن المجلس "ماضٍ بثبات في مشروعه السياسي"، في إشارة واضحة إلى تمسكه بمساره، رغم الضغوط،مؤكدًا أن المرحلة الحالية " تمثل محطة مفصلية في تاريخ الجنوب".
وفي المقابل، لم تصدر حتى الآن أي بيانات رسمية من السعودية أو الإمارات تشير إلى التوصل لتفاهمات واضحة بشأن الانسحاب، فيما تؤكد مصادر محلية استمرار وجود قوات المجلس الانتقالي في حضرموت والمهرة، الأمر الذي يعكس تعقيد المشهد وحدود قدرة الوساطات على فرض مسارات مستقرة.
وتثير هذه التطورات مخاوف متزايدة في الأوساط المحلية من أن يؤدي استمرار التدخلات الخارجية وتوسيع نفوذ قوى الأمر الواقع إلى تقويض خصوصية المحافظات الشرقية واستقرارها الاجتماعي والسياسي، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى اصطفاف وطني حقيقي لمواجهة الانهيار الاقتصادي وتدهور الخدمات، بدلًا من فتح جبهات صراع جديدة بعيدًا عن معركة استعادة الدولة.
*مواقف مزدوجة*
بهذا الشأن قال المحلل العسكري الدكتور علي الذهب، إن: " دور الوفد السعودي–الإماراتي لا يخرج عن كونه منح المجلس الانتقالي الجنوبي واجهة إعلامية توحي بأنه الطرف الأقوى على الأرض وصاحب القرار، في حين أن الواقع مختلف تمامًا؛ فالوسيط الإماراتي يلعب دورًا مزدوجًا؛ أحدهما إعلامي يكرّس حضور الانتقالي، والآخر تفاوضي، لكنه لا يُمارَس في موقع الزيارة نفسها، إذ يقتصر دور الوفد حاليًا على المراقبة لا الوساطة.
وأوضح الذهب أن التفاوض الحقيقي يجري بين السعودية والإمارات بنسبة تقارب 90%، مقابل 10% فقط للانتقالي، الذي يُنظر إليه كعامل عرقلة محتمل أكثر من كونه التحدي الرئيسي، رغم امتلاكه نفوذًا ميدانيًا.
ويشير الذهب إلى أن جوهر الخلاف يتمحور حول التنافس وتقاسم المكاسب في حضرموت، لافتًا إلى أنه لا يتوقع أن تحصد الإمارات مكاسب كبيرة في وادي وصحراء حضرموت، وهي مناطق تُصنّف ضمن المجال الحيوي للأمن القومي السعودي، حتى وإن اضطرت الرياض إلى استخدام أدوات ضغط، بما فيها القوة.
وأضاف لـ" المهرية نت" أن" الإمارات توافق تكتيكيًا على هذا الواقع، وتناور عبر المجلس الانتقالي بهدف كبح أي تمدد سعودي نحو ساحل حضرموت والهضبة، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في أن تحقّق السعودية مكاسب واسعة هناك، حتى وإن اقتضى الأمر تقاسم النفوذ".
وأردف" البعد الجيوسياسي للصراع يتوزع بين مناطق بحرية ونفطية تشمل الساحل والهضبة، وأخرى أمنية استراتيجية تشمل الوادي والصحراء، المرتبطة مباشرة بالأمن القومي السعودي، كما تسعى الرياض للحفاظ على فرص استراتيجية، أبرزها مشاريع إمداد الأنابيب النفطية عبر البحر العربي، سواء عبر حضرموت أو المهرة، مع الإشارة إلى أن الحدود بين السعودية والمهرة ضيقة جدًا ولا تظهر بوضوح على الخرائط".
وتابع الذهب حديثه لـ" المهرية نت" بأن" السعودية تخشى أن يشكّل المجلس الانتقالي تحديًا مستقبليًا فيما يخص اتفاقيات الحدود، خصوصًا في حال توليه السلطة أو سعيه لاستقلال الجنوب، ما قد يدفعه لإعادة النظر أو حتى إبطال الاتفاقيات الموقعة خلال مرحلة الوحدة اليمنية، وهو ما تسعى الرياض إلى تفاديه بعدم منحه مساحة نفوذ إضافية".
*غياب تمام للحكومة*
ويخلص الذهب إلى أن الزيارة تعكس حالة عدم توافق بين الأطراف، ومحاولة لتقديم غطاء سياسي وإعلامي لتحركات عسكرية سابقة تحولت إلى ورقة ضغط لفرض إرادات متباينة، سواء على مستوى السعودية أو الإمارات أو المجلس الانتقالي، وذلك في ظل الغياب شبه الكامل للحكومة اليمنية عن المشهد.
في السياق ذاته قال الناشط الإعلامي، أبو فاهم فؤاد العسكري، إن" ما يُروَّج له في الآونة الأخيرة من خطاب سياسي وإعلامي يوحي بوجود صراع سعودي–إماراتي في اليمن، وبأن الإمارات تحاصر النفوذ السعودي عبر المجلس الانتقالي الجنوبي، وأن الرياض تتكبد خسائر متراكمة لا يستند إلى وقائع حقيقية، بل يتجاهل جوهر ما يجري على الأرض".
وأضاف العسكري لـ "المهرية نت" كل ما يحصل اليوم هو عبارة عن تنسيق وتفاهم، تدار من خلاله عملية تمكين المجلس الانتقالي من بسط سيطرته، مقابل خطاب إعلامي مُضلّل يُستخدم لامتصاص غضب الشارع وإيهام الرأي العام بوجود خلافات داخل التحالف".
*صراع مصالح ونفوذ*
وأشار إلى أن ما يجري اليوم هو مصالح ونفوذ وسيطرة، فرضته الأهمية الاستراتيجية لليمن، بموقعه الجغرافي الفريد في قلب شبه الجزيرة العربية، وإشرافه على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، إضافة إلى ثرواته الطبيعية الكبيرة من نفط وغاز ومعادن وأسماك، وعمقه الحضاري والتاريخي، ودوره المحوري في الأمن الإقليمي والدولي.
ولفت إلى أن هذه العوامل جعلت اليمن محط اهتمام إقليمي ودولي بالغ، وحين أدركت القوى الغربية أن الاحتلال المباشر بات مرفوضًا وغير مقبول، جرى الانتقال إلى نموذج أكثر تعقيدًا، يقوم على صناعة وكلاء محليين، وإيصالهم إلى مراكز القرار، مع الاعتماد على الحلفاء الإقليميين – وعلى رأسهم دول في الخليج لتنفيذ هذا الدور.
وأردف" السيطرة التي فرضها المجلس الانتقالي على عدن ثم شبوة لم تُقابل بأي غضب سعودي يُذكر، ولم تصدر حينها بيانات رفض من مجلس النواب أو الأحزاب السياسية، ما يؤكد أن تلك التحركات كانت تتم برضى التحالف؛ بل إن المجلس الانتقالي جرى لاحقًا إدماجه في صناعة القرار بدلاً من ردعه".
وتابع" عندما اتجه الانتقالي إلى حضرموت، ظهرت مواقف سعودية رافضة، وتبعها تصعيد سياسي وإعلامي، وبيانات من رئاسة المجلس الرئاسي، وأحزاب، وأعضاء في البرلمان ما يؤكد أن ما يحدث هو إعادة ضبط لتقاسم النفوذ، وليس خلافًا؛ فالتجارب السابقة، من سقطرى إلى شبوة، تُظهر نمطاً متكررًا وساطة سعودية، طلب مهلة، ثم إقالة المسؤول المحلي الذي حاول كسر المعادلة، كما حدث مع أحمد عبيد بن دغر، ثم محمد صالح بن عديو".
*انقلاب متكامل الأركان*
وأكد أن ما يجري لا يمكن توصيفه كإجراءات إدارية أحادية، بل هو انقلاب متكامل الأركان، وغزو مناطقي، وانتهاك صريح للثوابت الوطنية وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
ووضح أن" التلويح والتهديد عبر البيانات، أو الاكتفاء بالتصعيد الإعلامي، فلن يجبر الانتقالي على الانسحاب من المناطق التي فرض سيطرته عليها بالقوة؛ فهذه الأدوات ليست سوى وسائل لتخدير الرأي العام وامتصاص الغضب الشعبي، فيما يُمنح الضوء الأخضر على الأرض لاستكمال المشروع".
واختتم العسكري تصريح بالقول" مشكلة اليمن الحقيقية اليوم لا تكمن فقط في التدخلات الخارجية، بل في ممثلي اليمن أنفسهم داخل منظومة الشرعية، ممن ارتهنوا للأهواء والمصالح الشخصية، وتحولوا إلى أدوات بيد الخارج، بين من يدور في الفلك السعودي، ومن يعمل ضمن الأجندة الإماراتية، في ظل تغييب كامل للقوى الوطنية المستقلة.
بدوره يرى الصحفي حسين الفضلي أن" الوفد السعودي الإماراتي قادر على إحداث تغيير إيجابي في الساحة اليمنية خاصة في شرق اليمن، ولكن ذلك يحتاج إلى نية حقيقة وعمل جاد يعزز حضور هذا الوفد ويجعل عمله ناجا وزيارته مجدية".
وأضاف الفضلي لـ" المهرية نت" الزيارة وحدها لا يمكن أن ننظر لها بأنها مؤشر إيجابي ولا يمكن أن نتحدث عن نجاحها أو فشلها الا بعد رؤية نتائج حقيقة على ظهر الواقع، ".
وتابع" الذي أراه هو أن الوفد سيقتصر على مهمة تهدئة الأوضاع والتنسيق بين المكونات السياسية بالمنطقة وبالتالي يبنى عليه القرار الأخير، والقرار لا يزال رهن المجهول".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news