منظمة حقوقية: إعدام باحاج جريمة تكشف انهيار الدولة وتطبيع العنف في اليمن

مشاهدات

قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن واقعة إعدام الشاب أمين ناصر باحاج في مديرية حَبّان بمحافظة شبوة، بعد تسليمه من قبل أسرته إلى أسرة المجني عليه باسل المرواح البابكري، الذي قُتل قبل أيام بحسب إفادات محلية، تمثل إعدامًا تعسفيًا خارج نطاق القضاء وانتهاكًا جسيمًا للحق في الحياة.

وأوضحت المنظمة في بيان أن الجريمة "تعكس مستوى خطيرًا من انهيار منظومة العدالة وتآكل سيادة القانون في اليمن، في سياق يتسم بتصاعد العنف المجتمعي وغياب الدولة بوصفها المرجعية الحصرية لحماية الحقوق وإنفاذ القانون".

وأوضحت المنظمة أنها اطّلعت على فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي يوثّق عملية الإعدام بصورة جماعية ووحشية، حيث تم الإعدام دون فتح أي تحقيق جنائي، ودون مباشرة إجراءات قانونية، ودون عرض المتهم على النيابة العامة أو تمكينه من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، وبغياب كامل لدور أجهزة إنفاذ القانون المختصة.

وتؤكد سام أن هذا الغياب التام للإجراءات القضائية يحوّل الواقعة من جريمة قتل فردية إلى مؤشر بنيوي على تعطّل مؤسسات العدالة، وإخفاق الدولة في الوفاء بواجبها الأساسي في حماية الحق في الحياة ومنع العقوبات الخاصة خارج إطار القانون.

وقالت سام إن الحق في الحياة حقٌ أصيلٌ ومقدّس، وقد أحاطه القانون اليمني بسياج متين من الضمانات القانونية والإجرائية التي تحظر المساس به إلا وفق إجراءات قضائية صارمة تكفل العدالة وحقوق الدفاع وتؤكد أن إنزال العقوبات، ولا سيما العقوبات السالبة للحياة، يظل حكرًا حصريًا على القضاء المختص بعد محاكمة عادلة تستوفي جميع درجات التقاضي.

وأضافت: "كما كرّست القوانين والمواثيق الدولية هذا الحق بوصفه حجر الزاوية في منظومة حقوق الإنسان، وحظرت الحرمان التعسفي من الحياة، وألزمت الدول بمنع أي شكل من أشكال الإعدام خارج إطار القضاء، والتحقيق فيه ومساءلة مرتكبيه".

وأكدت المنظمة أن هذه الحادثة ليست معزولة، بل تأتي ضمن نمط متكرر من الإعدامات خارج القضاء وأخذ الثأر وتنفيذ العقوبات بوسائل قبلية في عدد من المحافظات، في ظل ضعف مؤسسات الدولة وتعطّل القضاء وغياب الشرطة القضائية وتنامي الإفلات من العقاب، وهو ما أسهم في تقويض الثقة المجتمعية بالعدالة وفتح المجال أمام ممارسات عنيفة تُقدَّم بوصفها بدائل للإنصاف القانوني، بينما هي في حقيقتها تغذية مباشرة لدوامة العنف والانقسام الاجتماعي.

وفي هذا السياق، تذكّر منظمة سام بأنها وثّقت في فبراير واقعة إعدام خارج إطار القضاء في محافظة أبين، راح ضحيتها المواطن نايف حسين الهندي، حيث جرى قتله رميًا بالرصاص بشكل علني بعد احتجازه لعدة أيام، دون عرضه على أي جهة قضائية مختصة أو إخضاعه لإجراءات قانونية، وذلك على خلفية مقتل المواطن جلود الجوفي قبل أيام من الحادثة. ووفقًا للمعلومات والشهادات التي اطّلعت عليها المنظمة آنذاك، وقعت عملية الإعدام في ظل غياب دور فعّال لأجهزة إنفاذ القانون، ما أثار مخاوف جدية من تكرار هذه الجرائم في بيئة تتسم بضعف المساءلة وتعطّل آليات الحماية القانونية للمدنيين.

وترى منظمة سام أن واقعة شبوة، كما سابقة أبين، لا يمكن فهمها بمعزل عن فوضى المليشيات المسلحة وتعدّد مراكز القوة خارج سلطة الدولة، حيث أفضى هذا الواقع إلى تقويض احتكار الدولة المشروع لاستخدام القوة، وخلق بيئة تتنافس فيها سلطات الأمر الواقع على حساب القانون.

وتابعت: "وفي ظل هذا التفكك، تحولت كيانات مسلحة إلى فاعلين يمارسون وظائف الدولة دون سند قانوني، بما في ذلك الاحتجاز والعقاب، الأمر الذي مهّد لانتشار أنماط من العنف المجتمعي تُمارس بوصفها بدائل زائفة للعدالة".

وأكدت المنظمة أن الأخطر من تعطّل مؤسسات الدولة هو انهيار الدولة كقيمة معنوية في الوعي الجمعي، حيث لم تعد تمثل مرجعية أخلاقية أو قانونية يُحتكم إليها عند وقوع النزاعات، نتيجة التنازع السياسي والعسكري على مركز الدولة وتسييس مؤسساتها وازدواجية السلطة. وفي هذا الفراغ، يُعاد إنتاج منطق الثأر والقصاص خارج القضاء باعتباره حلًا مشروعًا، بينما هو في حقيقته تعبير عن غياب الدولة لا عن حضور العدالة، ويشكّل تهديدًا مباشرًا للسلم الأهلي ووحدة المجتمع.

وحذّرت منظمة سام، من أن تكرار الإعدامات خارج القضاء وتحويلها إلى سلوك اعتيادي في إدارة النزاعات الجنائية يهدد البنية الأخلاقية والقانونية للمجتمع، ويؤدي إلى تآكل مبدأ حرمة الحياة الإنسانية، ويحوّل المجتمع إلى فضاء مفتوح لتصفية الحسابات بالقوة، بما يضاعف احتمالات اندلاع نزاعات ثأرية متسلسلة يصعب احتواؤها.

كما أكدت المنظمة أن الخراب الممتد الذي خلّفته سنوات الحرب والنزاع المسلح أسهم بشكل مباشر في إنتاج هذه السلوكيات، عبر تدمير مؤسسات العدالة، وتفكيك منظومة القيم القانونية، وتراكم صدمات نفسية جماعية، جعلت العنف يبدو خيارًا "مفهومًا" في ظل غياب الدولة، بينما هو في الواقع أحد أخطر مخرجات الانهيار الشامل الذي يهدد النسيج الاجتماعي ومستقبل السلم الأهلي.

وشددت منظمة سام على أن واقعة الإعدام في شبوة تشكّل حرمانًا تعسفيًا من الحق في الحياة بموجب الدستور اليمني وقانون الجرائم والعقوبات اليمني، كما تمثل انتهاكًا لالتزامات اليمن بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا سيما أحكام حماية الحق في الحياة وضمان المحاكمة العادلة، إضافة إلى مخالفتها لمبادئ الأمم المتحدة بشأن المنع الفعّال لعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء.

وطالبت المنظمة السلطات اليمنية والسلطات المحلية في محافظة شبوة بفتح تحقيق جنائي مستقل وشفاف في واقعة الإعدام خارج القضاء، ومحاسبة جميع المتورطين فيها وفقًا للقانون، وإعادة تفعيل دور النيابة العامة والقضاء وأجهزة الضبط القضائي، ومنع تسليم أي مشتبه به إلى جهات غير رسمية، واتخاذ خطوات جادة لإنهاء فوضى السلاح والمليشيات واستعادة احتكار الدولة المشروع لاستخدام القوة.

وختمت منظمة سام للحقوق والحريات، بيانها، بالتأكيد على أن استمرار الإعدامات خارج القضاء في ظل فوضى المليشيات والتنازع على مركز الدولة يشكّل تهديدًا مباشرًا لوحدة المجتمع وأمنه، ويقوّض أسس الدولة بوصفها مرجعية قانونية ومعنوية، ويغذّي دوامة عنف لا تنتهي، ما يستدعي تحرّكًا عاجلًا وجادًا لاستعادة سيادة القانون وحماية كرامة الإنسان في اليمن.