في تصعيد يُعتبر انتهاكاً صارخاً للتراث الثقافي والتاريخي، أقدمت مليشيا الحوثي، التي تسيطر على محافظة إب، على خطوة مثيرة للجدل، تمثلت في تأجير مبنى متحف المحافظة التاريخي لأحد رجال الأعمال، بالإضافة إلى تحويل جزء كبير منه إلى مقر لقسم الشرطة.
وهذا الإجراء أثار موجة من الغضب والانتقادات الواسعة بين أبناء المحافظة والناشطين الثقافيين، الذين وصفوه بـ "الجريمة بحق الذاكرة الجماعية".
وبحسب مصادر محلية موثوقة، فقد شهد المبنى، الذي كان يزخر بالآثار والمقتنيات التاريخية التي تعكس تاريخ إب العريق، تغييرات جذرية خلال الأسابيع القليلة الماضية.
فقد تم استخدام الطوابق العلوية والأقسام الإدارية كأماكن للاعتقال والتحقيق التابعين للأمن التابع للمليشيا، فيما تم تخصيص صالات العرض الرئيسية للمقاول الذي استأجرها لأغراض تجارية لم يكشف عنها.
يُعد متحف إب أحد أهم الصروح الثقافية في اليمن، وكان يحوي مقتنيات نادرة تعود إلى حقب تاريخية مختلفة، بدءاً من العصور القديمة ومروراً بالدول الإسلامية المتعاقبة.
ويُخشى على مصير آلاف القطع الأثرية التي كانت معروضة فيه، وسط مخاوف من بيعها أو تهريبها أو تدميرها بسبب هذا الإهمال المتعمد والتغيير في وظيفة المبنى.
أثارت الخطوة حفيظة سكان المحافظة، الذين اعتبروا المتحف جزءاً من هويتهم وتاريخهم الذي لا يمكن المساس به. وقال ناشط ثقافي من إب، فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية: "إن تحويل المتحف إلى ثكنة عسكرية ومحل تجاري هو جريمة بحق التاريخ والذاكرة الجماعية لأبناء إب واليمن. نحن نشهد طمساً متعمداً لهويتنا الثقافية من قبل جماعة لا تقدّر قيمة التاريخ".
وأضاف الناشط في تصريح لوسائل إعلام محلية: "هذه الآثار ليست ملكاً للحوثي أو لأي سلطة أمر واقع، بل هي ملك لأجيال اليمن الحالية والقادمة.
يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الثقافية تحمل مسؤولياتها والضغط لوقف هذا التدمير الممنهج لتراثنا".
تأتي هذه الخطوة دون أي مرجعية قانونية أو قرار رسمي من الجهات المختصة بصون التراث. فالمتاحف والمواقع الأثرية محمية بموجب قوانين وطنية ودولية، ولا يجوز التصرف فيها أو تغيير وظيفتها إلا بقرار من الهيئة العامة للآثار والمتاحف وموافقات رسمية.
وحتى الآن، لم تصدر أي جهة رسمية تابعة للمليشيا أي بيان يوضح مبررات هذا الإجراء أو الإجراءات القانونية التي تم اتخاذها، مما يؤكد طبيعة التصرف الفوقي وغير القانوني، ويعكس استمرار النهج الذي يتبعه الحوثيون في السيطرة على مقدرات الدولة والممتلكات العامة واستخدامها لتحقيق أهدافهم الأمنية والمالية.
يُعتبر هذا التطور مؤشراً خطيراً على تدهور الوضع الثقافي في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، حيث يتم التضحية بالتراث لصالح أهداف أمنية وعسكرية ضيقة.
ويستمر أبناء المحافظة والناشطون في إدانة هذا التصرف، مطالبين المؤسسات الدولية المعنية بالتراث والثقافة، مثل اليونسكو، بالتدخل الفوري لإنقاذ ما تبقى من هذا الصرح التاريخي الهام.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news