عادت محافظة البيضاء وسط اليمن، إلى الواجهة بعد تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي، عقب لقاء جمعه بمحافظ محافظة البيضاء الخضر السوادي في قصر المعاشيق في العاصمة المؤقتة عدن، وتحدث فيها عن أهمية البيضاء في طريق مشروع "تحرير" مناطق شمال اليمن، بما فيها صنعاء من جماعة الحوثيين، وتأمين العديد من المناطق في محافظات الجنوب، نظراً لما يمثله موقع البيضاء الاستراتيجي من أهمية. وبينما قدّم الزبيدي "تحرير" البيضاء ضرورةً لحماية الجنوب، وشرطاً لأي تحرك نحو صنعاء، لا يمكن فصل هذا الموقف، بغض النظر عمّا إذا كان سيُنفَّذ على الأرض من عدمه، عن محاولة واضحة لنقل الضغط من مسار الشرق الذي أشعله "الانتقالي" بعد سيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة وأغضب السعودية من جراء تعنته مع مبادرتها للتهدئة وسحب قواته إلى جبهة الشمال مع الحوثيين. كما أن إشعال معركة البيضاء على أهميتها وتحقيق تقدم فيها لن يكونا ممكنين من دون التنسيق مع التحالف، لا سيما في ظل الحاجة إلى دعم جوي مباشر. مع العلم أن معارك حضرموت أظهرت أن "المجلس الانتقالي الجنوبي" يمتلك أسلحة جديدة متطورة تتوافق مع تلك التي تمتلكها مليشيات "الدعم السريع" في السودان واستخدمتها لتحقيق تحول في معركتها مع الجيش.
الزبيدي، الذي ناقش مع السوادي الأوضاع الإنسانية في البيضاء وما تعانيه من أوضاع صعبة بسبب سيطرة الحوثيين عليها، أكد أهمية البيضاء بكونها تمثل عمقاً استراتيجياً للجنوب، معتبراً أن "تحريرها من مليشيا الحوثيين يمثل أولوية لضمان استقرار المنطقة وتمكين أبنائها من إدارة شؤونهم بأنفسهم". واعتبر أن "ما تحقق في الجنوب من استقرار أمني وعسكري وحماية المكتسبات السياسية والسيادية لشعب الجنوب، ليس هدفاً بذاته، بل هو حجر الزاوية والمنطلق الحقيقي لأي معركة جدية لتحرير الشمال من بطش الحوثيين"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن تحرير صنعاء بظهر مكشوف، ولا يمكن كسر الحوثي وشرايين التهريب تضخ في عروقه عبر الجنوب". كما دعا القوى السياسية والعسكرية المناهضة للحوثيين في الشمال إلى تعزيز التنسيق المشترك، مؤكداً استعداد قواته لتقديم "الدعم والإسناد" في أي عمليات مستقبلية. وأشار إلى أن الشراكة مع القوى الشمالية تنطلق من قاعدة واضحة تقوم على حماية "مكتسبات الجنوب واعتبار أمنه وسيادته خطاً أحمر غير قابل للمساومة، وعلى هذا الأساس المتين نمضي معاً كتفاً بكتف، لنوجّه فوهات بنادقنا جميعاً نحو العدو الأوحد الذي يهدد ديننا وعروبتنا وأمننا القومي"، مضيفاً أن "زمن المعارك الجانبية انتهى".
من جانبه، شكر السوادي الزبيدي على "مواقفه الثابتة والداعمة لمحافظة البيضاء ومقاومتها الشعبية"، مثمناً "اهتمامه الكبير بملف المحافظة وما يبذله من جهود لدعم تطلعات أبنائها في الحرية والخلاص"، ومؤكداً أن "أبناء محافظة البيضاء، ومثلهم الملايين من أبناء الشمال، على أهبة الاستعداد لخوض معركة الحرية والكرامة، وسيكونون رهن إشارة الرئيس الزبيدي".
كما ترافق ذلك مع حديث رئيس وحدة شؤون المفاوضات في الانتقالي ناصر الخبجي أول من أمس عن أنه "الأهم اليوم أن ندرك جميعاً أن العدو الحقيقي هو الحوثي؛ وأن ما يجري من تحركات جنوبية هو توحيدٌ للجهود وترتيبٌ للصفوف من أجل حماية الجغرافيا الجنوبية، وتعزيز الموقف المشترك في مواجهة مشروع الحوثي الذي يهدد الجميع بلا استثناء".
اختيار الزبيدي محافظة البيضاء هدفاً مقبلاً، والحديث من خلالها عن معركة الخلاص لم يكن اعتباطياً. فبقدر ما أراد نقل المعركة إلى الشمال وتخفيف الضغط، سواء المحلي أو الإقليمي أو الدولي، الذي يتعرض له المجلس الانتقالي الجنوبي على خلفية التطورات الأخيرة في محافظات الشرق (سيطرة "الانتقالي" على حضرموت) إلا أنه أراد من خلال الحديث عن البيضاء بعث العديد من الرسائل، لجميع الأطراف، من خلال إعادة التركيز على المحافظة بوصفها مفتاح التحولات، كونها مفتاحاً استراتيجياً لتحرير محافظات الشمال، بما فيها صنعاء، وتأمين مناطق جنوب اليمن، التي يملك المجلس الانتقالي الجنوبي نفوذاً كبيراً فيها.
وتكمن أهمية محافظة البيضاء في موقعها الجغرافي والبيئة والظروف المحيطة بها، وعلاقتها بتحديد مسار الحرب، وإنهاء الانقلاب في المحافظة مترامية الأطراف، التي تضم 20 مديرية موزعة على أكثر من 11 ألف كيلومتر مربع، وتحيط بها ثماني محافظات من أصل 23 محافظة يمنية. وتحدد هذه المحافظات مصير نفوذ كل الأطراف ومستقبل مشاريعها. وتحد البيضاء أربع محافظات جنوبية، هي شبوة وأبين ولحج والضالع، وأربع من الشمال هي مأرب شرقاً، وصنعاء شمالاً وذمار في الشمال الغربي، وإب من الغرب.
وتقع المحافظات الجنوبية، وهي شبوة وأبين ولحج والضالع، تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، ولها حدود وعلاقات قبلية مع البيضاء، فيما تقع محافظات الشمال، وهي صنعاء وذمار وإب، تحت سيطرة جماعة الحوثيين، فيما تتقاسم الشرعية والحوثيون محافظة مأرب. أما محافظة البيضاء نفسها فإن غالبيتها تحت سيطرة الحوثيين، وفي بعض أطرافها على حدود مأرب وشبوة ولحج، هناك نفوذ لقبائل وقوات موالية لأطراف محلية في الشرعية. وتعد البيضاء من المحافظات القبلية في اليمن، وقد شهد بعض مناطقها مواجهات بين الحوثيين والقبائل، التي ترفض غالبيتها المعتقدات الدينية الجديدة للحوثيين. ومن بين الأخطاء التي ارتكبت في نظر مراقبين خلال السنوات الماضية، أن التراجع من مناطق الشمال، بما فيها تلك التي توصف بـ"حزام الجنوب"، ترافق مع عدم دعم قبائل البيضاء بوجه الحوثيين، فسقطت بعض المناطق في البيضاء كانت محاذية لمناطق الجنوب.
وبسبب أن أربع محافظات جنوبية تقع تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي تحد البيضاء، فإنها تمثل عمقاً استراتيجياً للجنوب، وهو ما ظهر في تصريح الزبيدي عن الأهمية البالغة للمحافظة من الناحيتين العسكرية والاجتماعية، ووقوعها تحت سيطرة أطراف معادية للمجلس الانتقالي الجنوبي يهدد أربع محافظات جنوبية، هي الضالع ولحج وأبين وشبوة، ومناطق الثروة في شبوة. كما أنه وفقاً للخريطة العسكرية، فإن حدود البيضاء الجبلية المرتفعة مع محافظة أبين تعد النقطة الأقرب للوصول إلى بحر العرب، الذي شهد خلال الفترة الماضية إغلاق منافذ التهريب التي كان يستخدمها الحوثيون عبر زيادة انتشار القوات على الخط الساحلي الطويل، الممتد من غرب عدن حتى أقصى الشرق على حدود سلطنة عمان. وكان الحوثيون استهدفوا من البيضاء السفن في بحر العرب، فضلاً عن استهداف عدن، إلى جانب محاولتهم جعلها نقطة انطلاق للسيطرة على محافظات الثروة الثلاث، من خلال الوصول إلى شبوة والسيطرة على حقول النفط فيها، ومحاولة حصار مأرب بفصلها عن شبوة، وفتح الطريق للوصول إلى حضرموت. كما أن البيضاء تمثل تهديداً مباشراً لما تبقى من مناطق سيطرة الشرعية في محافظة مأرب، وتحديداً مناطق حقول النفط في منطقة صافر.
لذلك يرى "الانتقالي" وأغلب الأطراف في الشرعية، وحتى التحالف ودول الرباعية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات)، أن تأمين تحرير البيضاء يمثل أولوية استراتيجية لتأمين الجنوب ومناطق الثروة في محافظات حضرموت وشبوة ومأرب، فضلاً عن إبعاد الحوثيين عن أقرب نقطة لهم يستخدمونها لاستهداف السفن في بحر العرب، إلى جانب منعهم من استهداف أو تهديد منافذ تصدير النفط والغاز في شبوة وحضرموت.
لذلك فإن إنهاء سيطرة الحوثيين على البيضاء من قبل أطراف الشرعية والتحالف يعد مفتاحاًَ رئيسياً للوصول إلى الشمال وصنعاء وإسقاط الانقلاب الحوثي، لأن خروج البيضاء عن سيطرة الحوثيين يهدد وجودهم في صنعاء، كون المحافظة ترتبط معها حدودياً. كما أنه يهدد معقل الحوثيين ومخزونهم البشري، ومركز عملياتهم وتدريبهم، المتمثل في محافظة ذمار التي ظلت خلال سنوات الحرب خارج أهداف التحالف. كما أن السيطرة على البيضاء تفتح منفذاً آخر للشرعية والتحالف إلى محافظة إب، إلى جانب منفذ الضالع، لا سيما أن إب تعد إحدى محافظات الوسط، وذات كثافة سكانية، وتتشابه مع البيضاء في توترها المستمر مع الحوثيين.
وقال جبران القيفي، الموظف في السلطة المحلية في البيضاء، لـ"العربي الجديد"، إن "البيضاء مهمة لكل الأطراف، ومستقبل اليمن يتحدد من محافظتنا، فهي قبلياً واجتماعياً تتلاقى مع محافظات أبين وشبوة ومأرب والجوف، وكذلك يافع الممتدة بين محافظات أبين ولحج، وقبائلها تعد من الأقوى في اليمن، وهي تشهد مواجهات مستمرة بين القبائل والحوثيين. فالمحافظة غير حاضنة للحوثيين بسبب المشروع الحوثي الديني، المتعارض مع معتقدات القبائل، التي تعتبره دخيلاً".
وأضاف القيفي: "حاول الحوثيون كثيراً إحداث خلافات داخل القبيلة الواحدة، وبين القبيلة والأخرى، لقطع الطريق أمام الحكومة الشرعية في استخدام القبائل لبدء معركة تحرير المحافظة"، موضحاً أنهم "استخدموا الأسلحة الثقيلة في مواجهة القبائل لكسر شوكتها"، مشيراً إلى أن "الحوثيين حاولوا خلال الفترة الماضية استغلال الخلافات داخل أطراف الشرعية، لا سيما بعد تخلي وتراجع الشرعية والتحالف عن دعم القبائل وأبناء البيضاء في تحرير محافظتهم، عبر شن هجمات على العديد من القبائل لإضعافها، فيما فُرض حصار على بعض المناطق". وأكد "أن الحوثيين استخدموا البيضاء لتهديد جميع مناطق الشرعية في جنوب اليمن وشرقه، ونشروا منصات إطلاق صواريخ على بعض المرتفعات الجبلية والمناطق الاستراتيجية لاستهداف مناطق تسيطر الشرعية عليها، أو حتى مهاجمة السفن في ممرات الملاحة الدولية".
يدرك الحوثيون أهمية البيضاء في المواجهة العسكرية المحتملة في صراعهم القائم مع الحكومة التي تحدث الكثير من مسؤوليها، خلال السنوات الماضية، عن أهمية تحرير المحافظة، وتداعيات ذلك على مصير النفوذ العسكري لجماعة "أنصار الله"، وهو ما يجعل الحوثيين يعطونها أهمية لا تقل عن محافظة الحديدة على الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر، كونها منفذاً بحرياً مع العالم ومصدر إيراد بالغ الأهمية لتعزيز قدراتهم العسكرية والاقتصادية. وترتبط أهمية البيضاء، وفق خبراء، بوجود الحوثيين في مأرب، لأن خروجهم من البيضاء يسهل طردهم من مأرب، كما أنه يهدد وجودهم في ذمار وصنعاء وإب وصولاً إلى تعز وحتى الجوف. ويعني استمرار سيطرتهم على البيضاء البقاء على مقربة من الممرات الملاحية والمنافذ البحرية وإمكانية تسهيل عملية التهريب عبر ساحل بحر العرب البالغ طوله 1903 كيلومترات، فضلاً عن أنهم يريدون البقاء في البيضاء للحفاظ على قربهم من محافظات الثروة وبقاء المعركة في الجنوب والمناطق والمحررة، لأن بسط الشرعية السيطرة على محافظة البيضاء، يعني فعلياً نقل المعركة إلى عمق الشمال، مركز الحاضنة الشعبية للحوثيين.
وأكد الشيخ القبلي محمد السرجي، لـ"العربي الجديد"، أن "موقع البيضاء يجعلها تدفع ثمناً كبيراً، حتى إن تصريحات المسؤولين في الشرعية في ما يخص انطلاق عملية تحرير المحافظة يزيد من سطوة الحوثيين عبر رفع منسوب انتهاكاتهم سواء ضد الأفراد أو القبائل، وصولاً إلى هدم البيوت فوق ساكنيها". واعتبر أن "الشرعية خذلت البيضاء طوال السنوات العشر الماضية، رغم أن البيضاء مهمة، وكانت القبائل مستعدة للمشاركة في المعركة، لكن خذلان الشرعية والتحالف هذه القبائل جعل بعضها يلتزم الحياد".
وأوضح وكيل أول وزارة الصناعة والتجارة الشيخ علي صالح عاطف الشرفي، لـ"العربي الجديد"، أن "محافظة البيضاء تكتسب أهمية استراتيجية بالغة في مسار إنهاء الانقلاب الحوثي، لعدة أسباب جغرافية وعسكرية وسياسية. فالبيضاء تعد أكثر المحافظات اليمنية تشابكاً في حدودها مع بقية المحافظات، إذ تتوسط ثماني محافظات هي: مأرب وشبوة من الجهة الشمالية والشرقية، وأبين ولحج والضالع من الجنوب، فضلاً عن محافظات إب وذمار وأجزاء من صنعاء من الجهة الغربية والشمالية الغربية. هذا التداخل الجغرافي يجعلها عقدة وصل محورية في قلب اليمن، ومنطقة تأثير مباشر على خطوط الإمداد الحوثية القادمة من عدة اتجاهات".
وأضاف: "كما أن السيطرة على البيضاء تعني عملياً قطع شريان حيوي يعتمد عليه الحوثيون في تعزيز جبهاتهم في مأرب والضالع وشبوة، لأنها تشكل نقطة عبور رئيسية للإمدادات العسكرية والبشرية القادمة من المحافظات الخاضعة لسيطرتهم. ولذلك فإن فتح جبهة أو جبهتين لا يكفي لإحداث تحول حاسم، ما لم تُحيَّد خطوط الإمداد المتعددة التي يستفيد منها الحوثيين من عمق عدة محافظات أخرى".
ومن جانب آخر، فإن أي تحرك عسكري في البيضاء يحتاج إلى دعم جوي مباشر وإسناد من التحالف، وهو أمر يمكن أن تقوم به القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، التي تعد حالياً القوة الحقيقية الفاعلة على الأرض، وذلك بدعم من أبناء البيضاء، أو أن المواجهة ستكون صعبة جداً نظراً لطبيعة المنطقة الجغرافية وتشابك مناطق النفوذ فيها. لهذا كله، يمكن القول إن البيضاء تمثل حجر الزاوية في المعركة ضد الحوثيين، فالسيطرة عليها تعني تضييق الخناق على الجماعة من الوسط، وتحرير مساحات استراتيجية تفتح الطريق نحو استعادة المبادرة العسكرية في عدة جبهات، بما يقرّب اليمن خطوة أكبر نحو الخلاص من الانقلاب.
وأوضح المدرس علي مجلي المرزوقي، لـ"العربي الجديد"، أن الحرب تسببت في انخفاض فرص العمل في محافظة البيضاء، ما دفعه إلى العمل في أعمال أخرى، مثل النجارة والبناء". وقال: "تزايد الوضع سوءاً من جراء تشديدات الحوثيين وزيادة المشاكل مع القبائل وقطع الطريق الرابط بين الجنوب والبيضاء"، مشيراً إلى أن "الناس، وحتى القبائل، يريدون انتهاء هذا الوضع، سواء بحرب أو بسلم، لأن أهالي البيضاء، طول السنوات العشر الماضية، يسمعون عن قرب تحرير البيضاء، ما جعل الكل يعيش أجواء الحرب وهم ينتظرونها ولم تحدث".
المصدر : العربي الجديد
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news