شهدت جمهورية سوريا منذ فجر اليوم الاثنين 8 ديسمبر/ كانون الأول 2025م، احتفالات شعبية ورسمية واسعة في مختلف المدن السورية بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام "بشار الأسد"، حيث خرج مئات الآلاف من المواطنين للمشاركة في هذه المناسبة للتعبير عن فرحتهم وأملهم بمستقبل مشرق ومليء بالسلام والحرية والازدهار لبلادهم.
بدأت الفعاليات بتوافد السوريين منذ ساعات الفجر، حيث شارك الرئيس أحمد الشرع في صلاة الفجر بالجامع الأموي، في مشهد رمزي يجسد توحد الدولة والمجتمع بعد عام من الإطاحة بالنظام السابق. وعقب الصلاة، ألقى الشرع كلمة أكد فيها التزامه ببناء "سوريا قوية وعادلة" تشمل جميع مناطق البلاد.
وشدد الرئيس الشرع في كلمته على وحدة السوريين وقدرتهم على مواجهة التحديات، قائلاً: "أيها السوريون، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فوالله لن يقف في وجهنا أي أحد مهما كبُر أو عظم، ولن تقف في وجهنا العقبات. سنواجه جميعاً كل التحديات بإذن الله".
وأشار الرئيس الشرع إلى أولى زياراته الخارجية بعد النصر، حيث زار المملكة العربية السعودية وأدى العمرة في مكة المكرمة، وتلقى هدية من الأمير محمد بن سلمان، وهي قطعة من ستار الكعبة المشرفة مكتوب عليها: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى).
وأكد الشرع أن هذه القطعة وُضعت في مسجد بني أمية، لتكون رمزاً لوحدة الدول وأواصر المحبة والأخوة من مكة المكرمة إلى بلاد الشام، مشيراً إلى أنه تم تدشينها في اللحظات الأولى لذكرى النصر.
كما أشاد الرئيس الشرع بالتضحيات والبطولات التي قدمها المقاتلون عند دخولهم دمشق منتصرين، مؤكداً أن صون النصر والبناء عليه يشكّل اليوم الواجب الأكبر على عاتق السوريين جميعاً.
وأضاف: "من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، سنعيد سوريا قوية، ببناء يليق بحاضرها وماضيها، وبحضارتها العريقة، بطاعة الله ونصرة المستضعفين وتحقيق العدالة بين الناس"، وختم كلمته بالدعاء لحماية سوريا ومساعدة الحكومة على خدمة الشعب وبناء الوطن، مؤكداً التزام قيادته بمستقبل مشرق يسوده السلام والازدهار.
من الجامع إلى ساحة الأمويين
إلى ذلك، شارك الرئيس أحمد الشرع — الذي تصدّر المشهد السياسي بعد الحملة العسكرية التي أنهت حكم الأسد في ديسمبر 2024 — في عرض عسكري كبير على طريق مزّة في ساحة الأمويين بالعاصمة دمشق بحضور قادة أمنيين وعسكريين، ووصف بأنه "انطلاقة لبناء دولة قوية تحترم مواطنيها وتعيد لسوريا مكانتها".
وتخلل العرض تحليق مروحيات الجيش فوق سماء دمشق، وإلقاء الورود وقصاصات ورقية تتضمن عبارات وطنية، إضافة إلى تحليق 14 طياراً شراعياً فوق ساحة الأمويين بالتزامن مع العرض العسكري، وذلك بمشاركة آلاف المواطنين رافعين العلم السوري وسط هتافات تعبر عن فرحتهم بالتحرير وانتصار الثورة السورية.
وفي أجواء احتفالية، شهدت العاصمة السورية احتفالات جماهيرية واسعة في ساحة الأمويين بمناسبة الذكرى الأولى لإسقاط نظام بشار الأسد، حيث امتلأت الساحة بعشرات الآلاف من المواطنين، حاملين الأعلام السورية، مرددين شعارات النصر والتحرير.
الألعاب النارية أضاءت سماء دمشق، فيما تداول المواطنون صورًا ومقاطع فيديو للاحتفالات على وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكّدين أن الحدث يمثل بداية فصل جديد في تاريخ سوريا، في مشهد يعكس إرادة الشعب في الانطلاق نحو مستقبل أفضل.
كما انطلقت في مدينة حلب شمالي سوريا احتفالات جماهيرية واسعة لآلاف المواطنين الذين جابوا شوارع المدينة بمركباتهم، رافقتها مظاهر فرح بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإسقاط نظام بشار الأسد، والتي يُطلق عليها السوريون اسم "النصر والتحرير".
سوريا الجديدة
وفي كلمته بالمناسبة، أكد الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم خلال الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة السورية، أن حكومته وضعت "رؤية واضحة لسوريا دولة قوية تنتمي لماضيها التليد ومستقبلها الواعد"، مشدداً على التزامه بتحقيق العدالة الانتقالية.
وأشار الشرع في خطابه إلى أن "حقبة النظام البائد كانت صفحة سوداء في تاريخنا"، لافتاً إلى أن السوريين فقدوا الشام – دُرة الشرق – لأكثر من خمسة عقود نتيجة سياسات النظام السابق التي حاولت سلخها عن عمقها التاريخي.
وهنأ الرئيس السوري السوريين جميعاً "بذكرى التحرير من الطغيان والاستبداد وعودة الوطن إلى أهله شامخاً حراً عزيزاً"، مؤكداً "القطيعة التاريخية مع موروث النظام البائد ومفارقة دائمة لحقبة الاستبداد إلى فجر جديد يقوم على العدل والمواطنة والعيش المشترك".
واتهم الشرع النظام السابق بإثارة الفتن والتفرقة بين أبناء الشعب، وإقامة حاجز بين السلطة والمواطنين، مؤكداً أن سياساته أدت إلى إفقار الشعب وتجهيله وحرمانه من حقوقه، حتى "أصبحت الكلمة جريمة والإبداع وصمة عار وحب الوطن تهمة وخيانة". وأضاف أن "عقد المواطنة تحول إلى صك عبودية" في ظل هذا النظام.
وشدد الرئيس على أن حكومته تخطو خطوات عملية لبناء سوريا الجديدة، قائلاً: "نهاية معركتنا مع النظام البائد هي بداية لمعركة الجد والاجتهاد"، وجدد التزامه بالعدالة الانتقالية لضمان محاسبة من انتهك القانون وارتكب جرائم بحق الشعب السوري، مع الحفاظ على حقوق الضحايا وإحقاق العدالة.
كما أشار إلى دمج القوى العسكرية المختلفة في جيش موحد ساهم في تحقيق الأمن والاستقرار، مؤكداً نجاح الدبلوماسية السورية في تحسين صورة البلاد دولياً من خلال استقبال الوفود وزيارات خارجية أثمرت شراكات استراتيجية في مجالات عدة، أبرزها الطاقة لتعزيز التعافي الاقتصادي.
إنجازات وتحديات ماذا حققت سوريا؟
لم يكن فجر 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 حدثاً مفاجئاً، بل تتويجاً لعملية عسكرية واسعة أطلقتها فصائل سورية تحت اسم "ردع العدوان" في شمال غربي البلاد بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بقيادة أحمد الشرع عبر "إدارة العمليات المشتركة"، التي ضمت "هيئة تحرير الشام" و"حركة أحرار الشام" و"الجبهة الوطنية للتحرير".
خلال أيام قليلة، تمكنت هذه القوى من إحكام السيطرة على حلب وريف إدلب، ثم مناطق حماة وحمص، وصولاً إلى دمشق، التي دخلتها الفصائل في 8 ديسمبر، معلنة نهاية حكم حزب البعث الذي استمر 61 عاماً، منها 53 عاماً تحت سيطرة أسرة الأسد.
مرّت سوريا خلال العام الماضي بسلسلة من التحولات الكبرى بعد سقوط نظام بشار الأسد، شملت تشكيل أول حكومة انتقالية، وإجراء أول انتخابات لمجلس الشعب، وإصدار إعلان دستوري جديد، إلى جانب رفع العقوبات الأممية والأمريكية عن البلاد.
بعد فرار الأسد وعائلته إلى موسكو التي منحتهم "حق اللجوء الإنساني"، ظهر أحمد الشرع في دمشق بالزي العسكري، إماماً للمصلين في المسجد الأموي. وفي الوقت نفسه، كشفت عمليات تحرير السجناء عن الانتهاكات الوحشية داخل السجون، لا سيما سجن صيدنايا، فيما بلغ عدد المفقودين أكثر من 112 ألف شخص وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
في اليوم التالي لسقوط النظام، كُلّف محمد البشير بتشكيل حكومة انتقالية، بينما تولى أسعد الشيباني وزارة الخارجية وأجرى زيارات عربية وإقليمية لتعزيز الشرعية الدولية للحكومة الجديدة.
على الصعيد الأمني، ألغت إسرائيل فوراً اتفاقية فصل القوات لعام 1974، ودمرت مواقع للنظام السابق، ونفذت عمليات اقتحام في ريفي القنيطرة ودرعا، وأقامت نقاط تمركز في جبل الشيخ ومنطقة "الجزيرة"، ووفق الحكومة السورية الجديدة، نفذ الجيش الإسرائيلي أكثر من ألف غارة خلال عام واحد، موسعاً سيطرته على نحو 800 كلم² إضافية.
مع بداية العام، أعلنت إدارة العمليات تعيين أحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية، وألغت دستور 2012، وحلت البرلمان والجيش والأجهزة الأمنية، مع دمج الفصائل والهياكل المدنية ضمن مؤسسات الدولة.
في فبراير/شباط، زار الشرع السعودية وتركيا، ثم الأردن ومصر، للمشاركة في القمة العربية الطارئة حول غزة، وأطلقت السلطات مبادرة لتسوية أوضاع عناصر النظام السابق بشرط عدم تورطهم في جرائم، مستجيبةً آلاف الحالات، فيما تحصنت مجموعات أخرى في الساحل السوري.
دمشق استضافت مؤتمراً يومي 24–25 فبراير لصياغة دستور مؤقت يحدد معالم النظام السياسي الجديد، فيما تم في مارس/آذار دمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي البلاد، رغم خرق "قسد/PKK" للاتفاق أكثر من مرة.
في 13 مارس، أصدر الشرع إعلاناً دستورياً يحدد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات تمهيداً لإعداد دستور دائم، وشُكّلت حكومة أولى بعد الإعلان الدستوري في 29 مارس، ضمت 23 وزيراً بينهم خمسة من الحكومة الانتقالية السابقة.
على المستوى الدولي، التقى الشرع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مايو/أيار بالرياض، حيث أعلن الأخير رفع العقوبات عن سوريا، واعتبر القرار "تاريخياً وشجاعاً"، فيما أعلن الاتحاد الأوروبي رفع عقوباته الاقتصادية في نفس الشهر.
أُجريت أول انتخابات لمجلس الشعب في 5 أكتوبر/تشرين الأول، في ظل غياب سجلات سكانية ونزوح ملايين السوريين، وجاءت زيارات الشرع لروسيا في 15 أكتوبر ولواشنطن في 9 نوفمبر كأول رئيس سوري يزور الولايات المتحدة منذ استقلال البلاد عام 1946. وفي الوقت نفسه، رفعت الخزانة الأمريكية اسمه من قوائم العقوبات، وعلّقت تنفيذ "قانون قيصر" لمدة 180 يوماً.
وخلال مشاركته في منتدى الدوحة في 6 ديسمبر/كانون الأول، اتهم الشرع إسرائيل بمحاولة التهرب من مسؤوليتها عن "مجازر غزة"، وكشف عن مفاوضات بوساطة أمريكية، مؤكداً تمسك دمشق باتفاق 1974، في مؤشر على تحديات المرحلة المقبلة في أمن واستقرار سوريا.
المصدر | بران برس + وكالات
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news