تتكشف في كواليس ميليشيا الحوثي ملامح صراع جديد، لا يدور هذه المرة حول جبهات القتال أو الموارد المالية، بل داخل الأجهزة الأمنية نفسها، بين مركزين متوازيين للقوة؛ الأول "الأمن الوقائي" المرتبط مباشرة بقيادات صعدة التاريخية، والثاني الجهاز الأمني في صنعاء الذي يقوده عبد الحكيم الخيواني، الملقب بـ"الكرار"، والذي يُحسب على الجناح المدني الأمني الذي تعاظم نفوذه داخل العاصمة بعد 2017.
وبحسب مصادر يمنية خاصة تحدثت لـ"إرم نيوز"، فإن الصراع الذي كان يدار منذ أشهر داخل الغرف المغلقة بدأ يظهر إلى السطح على شكل تضارب صلاحيات، وعمليات اعتقال متبادلة، وملفات يتم سحبها من جهاز إلى آخر، ما يعكس هشاشة المنظومة الأمنية التي تعتمد عليها الميليشيا الحوثية لتثبيت قبضتها على المناطق الخاضعة لسيطرتها.
جهازان وقانونان مختلفان داخل العاصمة
تؤكد المصادر أن "الأمن الوقائي"، الذي يُعد النسخة الحوثية من أجهزة "الأمن الخاص" التابعة للحرس الثوري الإيراني، يعمل كدولة داخل الدولة، وله شبكات من المشرفين تمتد من صعدة حتى صنعاء.
يملك الجهاز، وفق المصادر ذاتها، صلاحيات تتجاوز الأمن القومي والجهاز المركزي في العاصمة، بما في ذلك مراقبة القيادات، والتنصت، وتنفيذ اعتقالات دون إبلاغ النيابة.
في المقابل، يحاول عبد الحكيم الخيواني (الكرار) تكريس جهاز صنعاء كمرجعية مركزية لكل الملفات الأمنية، مستندًا إلى دعم قيادات نافذة داخل العاصمة وشبكة علاقات واسعة مع الأجهزة الإيرانية التي ترى فيه واجهة أكثر انضباطًا وإمكانية للتحكم.
وتوضح المصادر أن الحالات التي شهدت تضاربًا مباشرًا بين الطرفين شملت تنفيذ "الأمن الوقائي" مداهمات داخل صنعاء دون العودة إلى جهاز الخيواني، وسحب ملفات تحقيق من جهاز صنعاء بحجة "عدم الثقة"، وأيضًا اعتراض الضباط المحققين التابعين للكرار على تدخل مشرفين من صعدة في قضايا حساسة، أبرزها قضايا "الفساد"، و"الولاءات"، و"نشاط الخلايا السرية".
نفوذ صعدة يضيّق على دائرة الخيواني
وفقًا للمصادر، فإن قيادات صعدة تعتبر نفسها المرجعية الأصلية للحركة، وتتعامل مع صنعاء باعتبارها "مركزًا خاضعًا" وليست صاحبة قرار مستقل. وفي هذا الإطار، تحرص تلك القيادات على منع تمدد أي جهاز أمني لا يخضع لها بشكل مباشر، وهو ما جعل الخيواني هدفًا لمراقبة مشددة من قبل "الأمن الوقائي".
وتفيد مصادر إعلامية يمنية ل"إرم نيوز"، بأن الخيواني حاول خلال الأشهر الماضية إدخال إصلاحات تنظيمية تمنح جهاز صنعاء قدرة أكبر على التخطيط الأمني بعيدًا عن هيمنة المشرفين القادمين من صعدة، لكن تلك المحاولات واجهت اعتراضًا واسعًا من الجهاز الموازي الذي يعتقد أن تراكم نفوذ الخيواني يهدد مركز القوة التاريخي للجماعة.
وتنقل عن مصدر أمني سابق في صنعاء، أن "الكرار يدير جهازًا محترفًا نسبيًا يعتمد على ضباط مدرّبين وعلى منظومة تحقيق كاملة، بينما يعمل الأمن الوقائي بعقلية المشرفين، وهو ما جعل الصراع بين الطرفين صراع منهج وأساليب، وليس فقط صراع نفوذ".
بيروقراطية وتداخل في الصلاحيات
وتصف التقارير هذا التعدد بأنه أداة تستخدمها قيادة صنعاء – صعدة لضمان عدم تركيز القوة بيد جناح واحد، لكنه في الوقت ذاته يخلق حالة من التنافس الحاد، ويزيد من مستوى القمع والاعتقالات العشوائية، لأن كل جهاز يسعى لإثبات قدرته على "كشف الأعداء".
وتشير مصادر "إرم نيوز" إلى أن التنصّت المتبادل بين الجهازين بلغ مستويات "غير مسبوقة"، وأن بعض الملفات أصبحت تُرفع مباشرة إلى دائرة عبد الملك الحوثي دون المرور بأي جهاز وسيط.
تداعيات الصراع
يرى باحثون يمنيون أن استمرار تضارب الصلاحيات بين جناحي صعدة وصنعاء قد يؤثر على تماسك القبضة الأمنية للحوثيين، خاصة في ظل تصاعد التململ الشعبي في صنعاء وإب وذمار، وتراجع قدرة الجماعة على دفع الرواتب أو ضبط السوق السوداء.
ويحذّر الباحث سالم الحيمي المتخصص في الشأن اليمني، من أن "تفكك الجهاز الأمني الحوثي من الداخل قد يمهّد لظهور مراكز قوة خارج السيطرة، وربما لصدامات داخلية على مستوى القيادات، خاصة إذا شعر جناح صعدة بأن نفوذ الخيواني يتمدد أكثر مما ينبغي".
كما يذكّر خبراء غربيون – بينهم باحثون في مركز أبحاث الدفاع النرويجي – بأن الجماعة تاريخيًا مبنية على توازن هش بين المراكز الجغرافية، وأن أي اضطراب داخل المنظومة الأمنية قد يعيد إحياء الانقسامات القديمة بين صعدة وصنعاء، والتي ظهرت قبل الحرب وبعدها.
صراع مرشح للتصعيد
يؤكد الحيمي لـ"إرم نيوز"، أن الخلاف بين الجناحين "ليس خلافًا عابرًا"، بل صراع يتصل بهوية من يدير "المنظومة الحوثية" فعليًا، ومن يحق له تحديد مستوى القمع، ومَن تُرفع إليه تقارير الولاء، وكيف يُعاد تشكيل الأمن الداخلي.
وبينما يحرص الطرفان على إبقاء الخلاف بعيدًا عن الإعلام، إلا أن تسريبات الداخل تشير إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد تغييرات حادة في بنية الأجهزة الأمنية، وربما إعادة تموضع لصلاحيات كل جهاز، في محاولة لإعادة ضبط السيطرة داخل العاصمة، وفقًا للمصادر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news