يحلّ علينا هذا العام 2025م عيدُ الاستقلال الجنوبي 30 نوفمبر في ذكراه الثامنة والخمسين، بحضورٍ مختلف ومهيب، يميّزه الكثير مما لم نعهده في السنوات الماضية. لقد مرّت على الجنوب سنواتٌ عجاف لم نكن خلالها قادرين حتى على إقامة فعالية صغيرة، فاضطر أبناء الجنوب إلى تنظيم مهرجانات بسيطة في القرى والأرياف، ثم اعتصامات ومسيرات في الساحات والميادين، حتى وصلت الأمور إلى مليونيات شعبية جسّدت إرادة الجنوب الحرة.
ورغم ما يعيشه الوطن اليوم من حربٍ ومحاولات إشعال الفتن بين أبناء الجنوب، ورغم المؤامرات التي تُحاك من قِبل قوى الاحتلال ، إلا أنّ هذا العام حمل لنا واحداً من أفضل الأعياد وأكثرها حضوراً ووهجاً.
شهدت العاصمة الجنوبية الأبدية عدن عرضاً عسكرياً جنوبياً مهيباً وقوياً، بجزءاً يسيراً فقط من قدرات الجيش الجنوبي الذي بناه المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم من الأشقاء في الإمارات العربية المتحدة، وبقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي. فعلى الرغم من أنّ جزءاً كبيراً من القوات الجنوبية يرابط في الجبهات ويؤمّن المدن، فقد جاء هذا العرض في وقت ما تزال فيه المعركة مفتوحة،
وحين نتأمل هذه اللحظة، يقشعرّ الجسد، أين نحن اليوم واين ما كنا عليه قبل؛ فهذا أول عرض جنوبي بهذا الحجم منذ عام 1989. أمّا ما تلا ذلك من سنوات فقد كانت مرحلة قاسية حورب فيها الجنوب، واستُهدف قادته، وتعرّضت مؤسساته للتدمير خلال حرب 1994.
فعند مشاهدة العرض العسكري، لا يملك الجنوبي إلا أن يترحّم على القيادات العسكرية الجنوبية التي اغتيلت وقُتلت في ضل الوحلة أو غُيّبت، وأن يستذكر أولئك الذين قضوا سنواتهم الأخيرة دون حقوق ولا تقدير. ياليتهم يراؤن هذا العرض الجنوبي. وفي الوقت ذاته، نتذكر القادة الجنوبيين الذين ما يزالون بيننا، ومنهم الرئيس علي سالم البيض والمناضل حسن باعوم وغيرهم… فماذا عساهُم يشعرون وهم يرون ما تحقق اليوم؟ إن كنا نحن قد ذرفنا الدموع فرحاً، فكيف بهم وهم يرون الحلم يعود نبضاً وواقعاً؟
إنّ ما جرى ويجري رسالة واضحة لكل من حاول إطفاء شعلة الجنوب. فقد بدأ أبناء الجنوب ثورتهم بمسيرات سلمية واعتصامات وعصيان مدني، ثم فُرضت عليهم الحرب، فدخلوها بإيمان وعقيدة وهم قلةٌ في العدد والعدة. ومع ذلك، انتصروا وحرّروا أرضهم، وما يزالون يتجهزون لحماية مستقبلهم. وفي المقابل، نرى قوى أخرى تخلّت عن أرضها وتراجعت رغم امتلاكها جيشاً كبيراً وعتاداً ضخماً ورضيت للفرس بأن يحكمهم.
واليوم، في ساحة العروض التي كان أبناء الجنوب بالأمس يُقمعون داخلها، يقف داخلها جيشٌ جنوبيٌّ منظمٌ وقوي يعلن أنّ مرحلة جديدة قد بدأت. خلف الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي الذي كان مطارداً في جبال الضالع، والمحكوم عليه بالإعدام، أصبح اليوم رئيسا لدولة الجنوب العربي ، محلّ ثقة شعبه، ومتمسّكاً بهم، متمسّكين به. واللافت أنّ أولئك الذين تآمروا عليه بالأمس أصبحوا اليوم لاجئين عنده، وهو يقود مشروع التحريروالاستقلال الجنوبي.
أما قوات الاحتلال المتواجدة في حضرموت، فهي تدرك تماماً أن إرادة حضرموت والجنوب حاسمة، وأنّ بقاؤها مؤقت، وأنّ خروجها مسألة وقت لا أكثر. فالجنوب ماضٍ في تحرير كل شبر من أرضه. وبعد حضرموت، سيأتي دور المهرة التي تعرف قوى الاحتلال جيداً أن أبناء الجنوب لن يتراجعوا عن مشروعهم الجنوبي التحرري.
ان المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم ينتفض بهيبته ويشهر سيفه ويصنع التاريخ ويرفع راية الحرب والصمود فهو الممثل الشرعي لإرادة شعب الجنوب في مسار التحرير والاستقلال، ويواصل قادته العمل بعزيمة الرجال وصدق العهد، من أجل بناء الدولة الجنوبية الحرة.
في الاخير نرفع أيدينا بالدعاء للمرابطين في الجبهات، أن يحفظهم الله، ويثبت قلوبهم، واقدامهم ويشفي الجرحى ويرحم شهدائنا الأبرار. وان على دربهم سائرون حتى يتحقق الاستقلال الكامل، وتعود دولة الجنوب العربي قوية راسخة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news