في مشهد يتكرر بكآبة، تدخل محافظتا أبين ولحج الجنوبيتين شهرهما الثاني على التوالي دون كهرباء، في واحدة من أطول فترات الانقطاع الشامل التي تشهدها المنطقة خلال العقد الماضي.
هذا الظلام المطبق حول حياة مئات الآلاف من المواطنين إلى جحيم لا يطاق، وشلّ كافة القطاعات الحيوية، وسط استياء شعبي متصاعد وغضب عارم من الصمت الحكومي المطبق وغياب أي تحركات جدية لإنهاء هذه الكارثة المعيشية.
معاناة إنسانية متفاقمة
على أرض الواقع، تعيش مدينتا زنجبار في أبين، وتريم في لحج، بالإضافة إلى المناطق التابعة لهما، حالة من الشلل شبه الكامل. يقول السكان المحليون إن المحافظتين غرقتا في ظلام دامس لأكثر من 30 يوماً دون أي "غمزة ضوء"، في تعبير دال على حجم الكارثة. ومع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تضاعفت معاناة الأسر التي تجد نفسها عاجزة عن توفير أبسط وسائل التبريد لأطفالها وكبار السن.
ويصف المواطن أحمد علي، وهو صاحب محل تجاري في مدينة زنجبار، الواقع بقوله: "حياتنا توقفت. المحلات أغلقت أبوابها، والعمالة فقدت مصدر رزقها. كل ليلة ننام على أمل أن نستيقظ على كهرباء، ولكن كل يوم يأتي بخيبة أمل جديدة. تكلفة تشغيل المولدات الخاصة باهظة جداً مما يعني أننا نخسر كل يوم".
تداعيات كارثية على القطاعات الحيوية
لم تقتصر الأزمة على الجانب المعيشي فقط، بل امتدت لتلقي بظلالها السلبية على القطاعات الحيوية الأخرى. ففي القطاع الصحي، تعاني المستشفيات والمراكز الصحية من نقص حاد في إمدادات الوقود اللازم لتشغيل مولدات الطوارئ، مما يهدد حياة المرضى، خاصة الخدج والمرضى الذين يعتمدون على أجهزة الإنعاش.
أما في الجانب التعليمي، فقد تأثرت العملية الدراسية بشكل مباشر، حيث يعجز الطلاب عن المذاكرة في المساء، كما أن المؤسسات التعليمية تعجز عن توفير بيئة مناسبة. ويؤكد الخبراء أن استمرار هذا الواقع قد يؤدي إلى تراجع خطير في المستويات التعليمية للطلاب في المحافظتين.
فراغ حكومي وغياب للمسؤولية
على الرغم من خطورة الأزمة وتصاعد الغضب الشعبي، إلا أن التحركات الرسمية كانت شبه معدومة. لم تصدر أي تصريحات واضحة من وزارة الكهرباء أو السلطات المحلية تشرح أسباب هذا الانقطاع الطويل، أو تقدم جدولاً زمنياً لعودة التيار الكهربائي
. هذا الصمت المطبق فسره المواطنون على أنه تجاهل متعمد لمعاناتهم، وغياب للشعور بالمسؤولية.
ويقول الناشط الحقوقي، سالم حميد، "إن ما يحدث هو تجسيد حقيقي لفشل الدولة في توفير أبسط الخدمات للمواطنين. استمرار انقطاع الكهرباء لهذه المدة الطويلة ليس مجرد تقصير، بل هو جريمة في حق مئات الآلاف من البشر الذين يشعرون بأنهم مهملون ومنسيون".
في ظل هذا الواقع المأساوي، تصاعدت الدعوات من قبل النشطاء والمواطنين على منصات التواصل الاجتماعي والمجتمعات المحلية، مطالبة بضرورة تحرك عاجل من قبل الحكومة المركزية والسلطات المحلية.
تطالب هذه الأصوات بإعلان حالة الطوارئ في قطاع الكهرباء، وتشكيل لجنة تحقيق فورية للكشف عن أسباب العطل، وتوفير حلول عاجلة ولو بشكل مؤقت، مثل تزويد المناطق المتضررة بمولدات كبيرة أو إيجاد بدائل سريعة لإنهاء معاناة الناس.
ويبقى السؤال الأبرز الذي يراود عقول سكان أبين ولحج: متى سيعود الضوء إلى حياتهم؟ وفي ظل غياب الرؤية الواضحة والوعود الحكومية، يبدو أن الإجابة لا تزال حبيسة الظلام الدامس الذي يخيم على المحافظتين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news