جيل الأبناء الآباء

     
التغيير برس             عدد المشاهدات : 36 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
جيل الأبناء الآباء

دائمًا ما كانت تشدّنى عبارة يقولها الآباء لنا نحن الشباب آنذاك، عن معاناتهم، مجملها: «أنتم لم تروا ما رأيناه من معاناة». وتلك جملة كافية لأن تفرض على الجلسة قواعد الاحترام الصارمة من كل الشباب الحاضرين للرجل الأكبر، الذى يتقمّص صورة والدٍ لكلٍّ منا. وكبرنا، أو كما يُقال عبر شاشات التليفزيون: «هرمنا»، لنجد أنفسنا فى صفِّ مقاعد الآباء وذوى الشعر الأبيض. ولكن لا شباب مندهشا فى الجانب الآخر يسمع منا تلك التنهيدة العميقة لنقول له:

«آه... لم تروا معاناتنا زمان».

فنحن أمام جيلٍ شاب يحرق المراحل، وتحرقه معاناة الانتقال المعرفى المتسارع، والصدام الذى لا يتوقف.

جيلٌ شابٌ اختصر وضعه قولُ أحدهم فى ندوة على فضاء افتراضى أنه رأى فى عقد من الزمان ما لم يره الآباء فى ستين عاما، من تقلبات وضياع وصراع. كل شيء تبدّل؛ من وسائل الاتصال إلى وسائل السيطرة. كانت الجيوش تحيط بالإذاعة الوطنية لتعلن أحداث الساعة، وتزف للشعب كل التغيّرات الصاخبة ببيان واحد وعشر أغانٍ، فيدرك الشعب أنه دخل نفقا جديدا أو مرحلة جديدة.

الآن لا يستمع إلى الراديو إلا كلُّ محاصَرٍ فى سيارة عالقة بزحمة السير، يبحث عن نشرة المرور وأحوال الطقس. او أغنية تذكره بالزمن الجميل!.

أما تقلبات السياسة فيكفى لها منشورٌ وفيديو على تطبيق إلكترونى يصنعه شباب، فيسمعه العالم.

وكان عقد اجتماع سياسى قصة درامية تُكتب فى ثلاث عشرة حلقة تليفزيونية. أمّا الآن، فيلتقى آلاف الشباب فى غرف الدردشة الإلكترونية ليكسروا كل القواعد الصلبة.

كان المُخبر يقرأ جريدة قديمة ويلبس بالطو فى الصيف يراقب حوارًا فى مقهى. ويخرج الشباب من المقهى اكثر تعاطفا معه!. أما اليوم فالحرب السيبرانية تقتحم الملفات، بل وخبايا التفكير التى لم يبح بها صاحبها بعد.

هذا تبدّلٌ عجيب من الصعب الإحاطة بكل تفاصيله.

ونحن فى منطقة ملتهبة، جزءٌ من هذا التحول، بل وربما أبرز ضحاياه. وخلال عشر سنوات شهد العالم العربى موجة غير مسبوقة من الاضطرابات التى أطاحت بأنظمة فى دول، ودَفعت دولًا أخرى إلى حافة الانهيار.

اخبار التغيير برس

تحوّلت الاحتجاجات إلى حروب أهلية مدمّرة، وتعمّقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية فى المنطقة كلها.

وأسوأ ما أفرزته هذه الاضطرابات هو صعود الميليشيات والتنظيمات المتطرفة، واتّساع موجات النزوح، وانكشاف هشاشة الدولة العربية أمام التدخلات الإقليمية والدولية. ولهذا نحن أمام معاناة لا توصف لجيلٍ، رغم نعمة المعرفة والتكنولوجيا عليه، فإنه يعانى، ونحن معه، نقمة التحولات الكبرى المتسارعة. وتلك التحولات المضطربة هى سمة هذا الوطن العربى الممتد من الماء إلى الماء. وعلى مدى سبعة عقود ونيف، تحوّل الوطن العربى إلى أحد أكثر مناطق العالم اضطرابا من حيث كثافة الحروب والنزاعات المسلحة، إذ شهد عشرات الصراعات والنزاعات.

تنوعت بين حروب دولية كالحروب العربية–الإسرائيلية، والحروب الأهلية الممتدة، إضافة إلى النزاعات الحدودية والتمردات الداخلية. وجلّ هذه النزاعات لم تكن أحداثا منفصلة، بل حلقات متشابكة غذّتها عوامل بنيوية عميقة، أبرزها هشاشة الدولة الوطنية، وتداخل المشاريع الإقليمية والدولية، وغياب مؤسسات الحكم الرشيد، فضلا عن تحوّل بعض البلدان إلى ساحات صراع بالوكالة. ونتيجة لذلك، استحوذت المنطقة العربية على نسبة معتبرة من النزاعات العالمية خلال النصف الثانى من القرن العشرين وبداية القرن الحادى والعشرين، ما انعكس فى موجات تهجير واسعة، وتدمير للبنى الاقتصادية والاجتماعية، وتعطيل لمسارات التنمية.

ويكشف هذا الإرث الثقيل أن الاستقرار فى العالم العربى ليس مجرّد ضرورة سياسية، بل شرط وجودى لاستعادة قدرة الدولة على الإنتاج، وبناء عقد اجتماعى جديد يضع حدا لدورات العنف المتكررة.

يكشف هذا الوضع المضطرب عن أن جذور الأزمة أعمق من إسقاط أنظمة، وأن الاستقرار الحقيقى لن يتحقق إلا بإعادة بناء الدولة على أسس المشاركة والعدالة والحوكمة الرشيدة.

وستبقى نافذة الأمل مشرعة فى جدار العتمة هذا.

أقول هذا وبيت شعرٍ للشاعر ناظم حكمت فى ذهني:

«أجمل الأيام هى تلك التى لم نعشها بعد». فهل نعيشها؟! لا أجرؤ أن أكمل البيت المتفائل أمام ندوة شباب غاضب!

إنشر على واتس أب

إنشر على الفيسبوك

إنشر على X

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

مصادر: محافظ حضرموت الجديد يوجه بإخراج القوات القادمة من خارج المحافظة واستعادة المواقع النفطية من قوات حلف القبائل

بران برس | 1238 قراءة 

طارق صالح يحدد موقفه من قوات عمرو بن حبريش

المشهد الدولي | 844 قراءة 

تقرير | مخاوف من تكرار سيناريوهات صنعاء وعدن.. ما تداعيات صمت الرئاسة اليمنية تجاه ما يجري في حضرموت؟

بران برس | 808 قراءة 

“العسكرية الثانية” تعلن حشد عدد من الألوية لاستعادة المواقع النفطية من قوات حلف قبائل حضرموت

بران برس | 768 قراءة 

رئيس مجلس النواب وعدد من القيادات السياسية يصلون المخا لإحياء ذكرى ثورة 2 ديسمبر

حشد نت | 754 قراءة 

عاجل:اشتباكات عنيفة الآن وسماع دوي انفجارات

كريتر سكاي | 754 قراءة 

بن سلمان يعلق على أحداث حضرموت

كريتر سكاي | 535 قراءة 

كشف اخر تطورات الأوضاع والاشتباكات بحضرموت

كريتر سكاي | 467 قراءة 

الخنبشي يخاطب الزبيدي والعليمي:

موقع الجنوب اليمني | 438 قراءة 

محافظ حضرموت يوجه بالهجوم على مواقع حماية الشركات النفطية وطرد قوات بن حبريش

بوابتي | 383 قراءة