يمن ديلي نيوز_ تقرير خاص : في قلب مدينة تعز التي أنهكتها الحرب وظروفها القاسية، يبرز مركز القلب والأوعية الدموية كأحد أهم المشاريع الطبية التي انطلقت من رحم المعاناة، ليصبح خلال سنوات قليلة مركزاً متخصصاً يجري عمليات معقدة، بينها أول عملية مركبة في اليمن والعالم العربي تجمع بين جراحة القلب المفتوح وزراعة الكلي.
الدكتور أبو ذر الجندي، مدير المركز ومؤسسه، يكشف في حديث خاص لـ “يمن ديلي نيوز” تفاصيل رحلة العودة من السعودية إلى تعز، وبداية تأسيس المركز، والرؤية المستقبلية التي يعمل عليها، إضافة إلى حجم الإنجازات الطبية التي حققها فريقه رغم الإمكانات المحدودة.
البداية: التغيير يبدأ من الداخلي
وضح الدكتور الجندي أن الدافع الأول لعودته من السعودية إلى تعز كان إيمانه بأن التغيير يبدأ من الداخل.
فقد لمس عن قرب معاناة المرضى، وانعدام الخدمات المتخصصة، وصعوبة سفر الحالات الحرجة خارج البلاد، إلى جانب الظروف الاقتصادية التي جعلت العلاج الخارجي شبه مستحيل. هذه العوامل مجتمعة شكّلت الشرارة الأولى لإطلاق مشروعه الطبي.
رسالة المركز ورؤيته
يتحدث الجندي بأن فكرة المركز انطلقت من رسالة إنسانية خالصة تتمثل في الآية الكريمة “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”، إيماناً بأن إنقاذ حياة إنسان هو أعظم ما يمكن تقديمه، أما الرؤية فكانت واضحة منذ اللحظة الأولى: التحول إلى مركز مرجعي حديث في اليمن، وصولاً إلى مستشفى متخصص في جراحة القلب وزراعة الأعضاء.
إنجازات غير مسبوقة بالأرقام
يقول الجندي إنه منذ افتتاحه، تمكّن المركز من إجراء: 1200 عملية قلب مفتوح بالإضافة إلى 140 عملية زراعة كلى وكذلك أكثر من 2000 عملية أوعية دموية.
وهذه الأرقام، بحسب الجندي، جاءت نتيجة التزام فريق طبي متخصص تم تدريبه في مراكز عربية رائدة، أبرزها الأردن، أول من بدأ جراحات القلب وزراعة الكلى في الشرق الأوسط.
ومن أبرز الإنجازات الطبية التي يفخر بها المركز تنفيذ أول عملية مركبة في اليمن والعالم العربي جمعت بين جراحة القلب المفتوح وزراعة كلى، والتي سهّلها تكوين فريق جراحي متكامل بين جراحة القلب والأوعية والمسالك البولية.
حالات إنسانية وعمليات نادرة
يؤكد الجندي أن المركز شهد العديد من العمليات النوعية، منها إصلاح صمام قلبي بالإضافة إلى زراعة شرايين تاجية وكذلك إزالة ورم نادر من القلب وايضا زراعة كلى لطفل من محافظة حجة.ويقول إن هذه الحالات ليست سوى نماذج من سجل طويل من العمليات المعقدة والمنقذة للحياة.
فريق طبي بخبرات عالية
يكشف الجندي أن سر نجاح المركز يكمن في منح كل عضو بالفريق صلاحياته وثقته الكاملة، ليظهر أفضل ما لديه. ويضيف أن الخير موجود لدى الجميع، وما يحتاجه الطبيب فقط هو بيئة عمل عادلة وداعمة.
برامج تدريبية متقدمة
أطلق المركز برامج تدريبية متخصصة ساهمت في بناء كادر يمني مؤهل بمهارات عالية ويقدم المركز اليوم، برنامج الدكتوراه في جراحة القلب بالإضافة إلى الماجستير في جراحة وباطنة القلب والأوعية الدموية وكذلك برنامج البورد في جراحة المسالك البولية وايضا برنامج التورية القلبية، وهي برامج نادرة على مستوى اليمن، وتُعد ركيزة لتأهيل جراحين متخصصين محلياً.
تعاون خارجي واسع
يتحدث الجندي لـ”يمن ديلي نيوز” بأن المركز يمتلك شراكات مع خبرات من السعودية ومصر والأردن وقطر، ومن دول مثل ألمانيا وتركيا وبريطانيا وأمريكا، عبر برنامج “الطبيب الزائر” الذي يتيح نقل الخبرة بشكل مباشر إلى الكادر المحلي.
غياب الدعم المالي الحكومي
يقول الجندي إن المركز لم يتلقَّ أي دعم مالي حكومي بسبب توقف الميزانيات خلال الحرب، بينما اقتصر الدعم الرسمي على توفير المبنى والتجهيزات الأساسية والتسهيلات.
ورغم ذلك، يواصل المركز استقبال ما يزيد عن 2500 مريض شهرياً، ما يضعه تحت ضغط كبير على مستوى القدرة الاستيعابية.
ويرى الجندي أن من المهم مضاعفة الأجهزة الحالية لتغطية الطلب المتزايد، إضافة إلى تجهيزات خاصة ببرنامج زراعة الكبد الذي يستعد المركز لإطلاقه.
تأثير الوضع الأمني والاقتصادي
أشار الجندي إلى أن الظروف الاقتصادية تجعل المرضى غير قادرين على تحمل كلفة العلاج، رغم حرص المركز على تقديم خدمات بأقل الأسعار.
كما يؤثر الوضع الأمني على حركة المرضى من خارج المدينة، ما يزيد من صعوبة الوصول إلى العلاج.
فلسفة العمل: الرعاية حق للجميع
يعتمد المركز رسوم منخفضة جداً للعمليات، انطلاقاً من قناعة أن الرعاية الصحية حق للجميع وليست حكراً على القادرين.
وتُخفَّض الكلفة بتطبيق مبدأ “قياس الحجم”، ومضاعفة الحالات، إضافة إلى دعم القطاع الخاص والمانحين.
الدور الإنساني والاجتماعي
قال الجندي بأن المركز يقدّم القسطرة العلاجية الإسعافية مجاناً، بينما تُجرى عمليات القلب المفتوح وزراعة الأعضاء بمساهمات رمزية، تأكيداً لدوره الإنساني وخدمته للمجتمع دون تمييز.
زراعة الكبد
على بُعد أشهر من التنفيذيعمل المركز بوتيرة عالية لإجراء أول عملية زراعة كبد مع بداية عام 2026، وهو إنجاز سيضع تعز واليمن في مسار جديد على مستوى الجراحة المتقدمة.
تقنيات جديدة في جراحة القلب
يرى الجندي أن المركز سيكون خلال خمس سنوات مستشفى القلب وزراعة الأعضاء المرجعي لليمن، وبمستوى متميز إقليمياً.
تعاون أكاديمي متزايد
بدأ المركز بالفعل التعاون مع الجامعات والمستشفيات لأغراض تدريبية وبحثية، ويخطط للتوسع بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.
رحلة مهنية محفوفة بالتحديات
يصف الجندي مسيرته من السعودية إلى قيادة مركز متخصص بأنها تجربة إنسانية ومهنية عميقة، موضحاً أنه طبيب يمني ومدرّس في كلية الطب، وقدّم أفضل ما لديه لمرضاه وطلابه، ليردّوا له أضعاف ذلك من الوفاء والدعم. ما يمنحه القوة – كما يقول – هو يقينه بأن الله كريم ولا يضيع أجر المحسنين.
رسالة أخيرة
يدعو الجندي الكوادر الشابة إلى وضع هدف واضح، والبدء بثقة كاملة بعدالة الله، مؤكداً “الحل دائماً موجود… ربي ما يغلقيش”.
ويختتم حديثه برسالة للمجتمع والمانحين: أن توقد شمعة خير، خير من لعن الظلام… الإيجابية والمساهمة بما تستطيع.
مرتبط
الوسوم
محافظة تعز
مركز القلب والأوعية الدموية
الدكتور أبو ذر الجندي
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news