شهدت اليمن خلال العقد الأخير انهياراً متسارعاً لمؤسسات الدولة، كان أبرزها المؤسسة العسكرية التي يفترض بها أن تكون صمام الأمان للجمهورية.
يركز هذا التقرير على دور اثنين من أبرز وزراء الدفاع في مرحلتين مفصليتين، وهما اللواء الركن محمد ناصر أحمد (وزير الدفاع الأسبق) والفريق الركن محسن الداعري (وزير الدفاع الحالي)، في سياق الاتهامات الموجهة إليهما بتسهيل دخول الميليشيات المسلحة، الأولى إلى العاصمة صنعاء والثانية إلى محافظتي حضرموت والمهرة، عبر أوامر "حياد" أو "عدم مقاومة" أدت إلى انهيار عسكري مريب.
محمد ناصر أحمد.. صناعة سقوط العاصمة
تلاحق وزير الدفاع الأسبق، اللواء محمد ناصر أحمد، اتهامات واسعة وموثقة بالتواطؤ والخيانة العظمى، والتي يرى فيها محللون القائد والحامل لوزر سقوط العاصمة صنعاء بيد ميليشيا الحوثي في سبتمبر 2014.
أوامر الحياد وتفكيك المقاومة
تشير مصادر عسكرية وسياسية إلى أن سقوط صنعاء لم يكن نتيجة قوة عسكرية حوثية ساحقة بقدر ما كان نتيجة لتواطؤ قيادات عليا في الجيش وإصدارها أوامر مباشرة بالانسحاب وعدم المقاومة وتسليم المعسكرات .
•تسهيل التقدم: كشف ضباط أن وزير الدفاع زار مواقع عسكرية، مثل مبنى التلفزيون، وأمر الكتائب المكلفة بحمايته بعدم مهاجمة مواقع الحوثيين ووقف إطلاق النار، بحجة وجود لجنة وساطة، وهو ما اعتبر غطاءً لمنح الحوثيين فرصة للتقدم واحتلال المبنى.
•الخيانة العسكرية: رغم صمود بعض الوحدات العسكرية، فإن عدم إسناد وزارة الدفاع للمواقع التي تعرضت للهجوم أجبر تلك الوحدات على الانسحاب، وهو ما وصفه ضباط كثر بأنه "خيانة" قام بها وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان حينها.
•التنسيق المسبق: أكد المتحدث باسم الحوثيين نفسه، في تصريحات لاحقة، أن جماعته نسقت مع بعض القيادات الرسمية، بما في ذلك الرئاسة ووزارة الدفاع، قبل مهاجمة صنعاء.
كانت النتيجة المباشرة لهذه الأوامر هي انهيار سريع وغير مبرر للجيش في مواجهة الميليشيا، مما مهد الطريق لسيطرة الحوثيين على العاصمة، وتغيير مسار الصراع في اليمن بشكل جذري.
محسن الداعري.. غياب مريب وتسهيل التمدد
في سياق مختلف، يواجه وزير الدفاع الحالي، الفريق محسن الداعري، اتهامات مماثلة تتعلق بتسهيل تمدد ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي (المدعومة إماراتياً) في محافظتي حضرموت والمهرة الاستراتيجيتين.
تزامن الغياب مع السيطرة السريعة
تزامنت التحركات العسكرية السريعة للمجلس الانتقالي للسيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة مع غياب مريب لوزير الدفاع الداعري، الذي غادر العاصمة المؤقتة عدن متجهاً إلى القاهرة للمشاركة في معرض دفاعي، في وقت كانت فيه قوات الانتقالي تحشد وتتقدم.
•أوامر عدم المقاومة في حضرموت: تشير تقارير إلى أن قائد المنطقة العسكرية الأولى (في وادي حضرموت)، اللواء الركن صالح الجعيملاني، أصدر توجيهات لجميع الضباط بعدم المقاومة والتسليم، مع تهديدات لمن لا يستجيب، مما أدى إلى تسليم وادي حضرموت بسلاسة، على الرغم من أن المنطقة العسكرية الأولى تضم ستة ألوية عسكرية كاملة التسليح.
•التقارب مع الانتقالي: ظهر الداعري في اجتماعات للقيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي، مما عزز الشكوك حول ولائه، خاصة في ظل صمته وغيابه عن أحداث حضرموت.
•نتائج الإهمال: أدت هذه التطورات إلى سيطرة الانتقالي على المحافظتين اللتين تمثلان نصف مساحة اليمن في أقل من أسبوع، في ظل صمت من مجلس القيادة الرئاسي، مما أثار مطالبات بإقالة الداعري وإحالته للتحقيق بتهمة الخيانة العظمى.
دلالات وأبعاد التآمر: نمط الخيانة المتكرر
إن المقارنة بين حالتي وزيري الدفاع تكشف عن نمط متكرر ومقلق في إدارة المؤسسة العسكرية اليمنية، حيث يتم استخدامها كأداة لتمرير أجندات سياسية على حساب الأمن القومي.
الوزير
المرحلة الزمنية
الميليشيا المستفيدة
منطقة السقوط/التمدد
الآلية المزعومة
النتيجة الاستراتيجية
محمد ناصر أحمد
2011 - 2015
ميليشيا الحوثي
العاصمة صنعاء
أوامر الحياد ووقف المقاومة
سقوط العاصمة بيد جماعة مسلحة وتغيير نظام الحكم.
محسن الداعري
2022 - حتى الآن
المجلس الانتقالي الجنوبي
حضرموت والمهرة
الغياب المريب وأوامر عدم المقاومة
سيطرة ميليشيا انفصالية على محافظات استراتيجية وثروات نفطية.
أبعاد التآمر:
1.تفكيك الجيش الوطني: يظهر النمط أن الهدف لم يكن مجرد هزيمة عسكرية، بل تفكيك ممنهج للجيش الوطني عبر قياداته العليا، وتحويل وحداته من قوة دفاع إلى كيانات محايدة أو مسهلة لتقدم الميليشيات.
2.الولاءات المزدوجة: تكشف الحالتان عن وجود ولاءات غير وطنية لوزراء الدفاع، سواء كانت ولائات لجماعات سياسية داخلية (كما في حالة الداعري والانتقالي) أو لقوى إقليمية ودولية (كما في حالة ناصر أحمد والتنسيق المزعوم مع جهات إقليمية).
3.خدمة الأجندات الإقليمية: يشير التسهيل الممنهج إلى أن هذه القرارات لم تكن فردية، بل كانت جزءاً من صفقات سياسية إقليمية تهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة اليمنية وتقسيم مناطق النفوذ، حيث يتم التضحية بالسيادة الوطنية مقابل تحقيق مكاسب فئوية أو إقليمية.
تكرار سيناريو "الخيانة"
إن تكرار سيناريو "الخيانة" من أعلى هرم المؤسسة العسكرية، بدءاً من محمد ناصر أحمد الذي مهد لدخول الحوثيين، وصولاً إلى محسن الداعري الذي يتهم بتسهيل تمدد الانتقالي، يرسخ قناعة بأن الجيش اليمني قد تحول إلى أداة طيعة في يد مراكز قوى متصارعة، مما يضع علامات استفهام كبرى حول مستقبل الدولة اليمنية ووحدتها في ظل استمرار هذا النمط من التآمر المزعوم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news