فيما تبدو محافظة حضرموت، الجوهرة الشرقية لليمن، على حافة اشتباك مفتوح، جاء القرار الرئاسي بتعيين سالم الخنبشي محافظاً خلفاً لمبخوت بن ماضي ليزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري.
قرار يأتي في توقيت حساس، حيث يعود الخنبشي إلى منصب غادره قبل خمسة عشر عاماً، ليجد نفسه في قلب سباق محموم للنفوذ بين القوى الإقليمية والمحلية.
الرجل، الذي شغل لاحقاً منصب نائب رئيس الوزراء، يعرف بقربه الوثيق من المملكة العربية السعودية، وهو ما يفسره مراقبون على أنه رسالة سعودية واضحة لاستعادة زمام المبادرة في محافظة تعتبر عقدة استراتيجية حساسة. لكن ذاكرة الحضارم لا تزال تحتفظ بتجربته السابقة معه، والتي امتدت لثلاث سنوات، مما ولد انقساماً واضحاً في الشارع بين تفاؤل حذر وسخط كبير، فيما يطغى القلق على المشهد العام.
لقاءات في الشارع الحضرمي: بين الأمل واليأس
للتعرف على نبض الشارع، تجولنا في أحياء المكلا والتقينا بعدد من المواطنين الذين عبروا عن آراء متباينة.
أبو عبدالله، تاجر في السبعين،
يرى في التعيين بارقة أمل. يقول بابتسامة مترددة: "الخنبشي رجل دولة، لديه خبرة في إدارة المحافظة ويعرف تفاصيلها. في ظل هذا التمادي العسكري من قبل الانتقالي المدعوم إماراتياً، نحتاج لشخصية قوية لديها علاقات خارجية قادرة على تهدئة الأمور. نأمل أن يكون هذا التعيين بداية لاستعادة الأمن والاستقرار الذي فقدناه".
على النقيض تماماً، كان موقف
عيظه سعيد، شاب من قبائل الهضبة المعتصمة في العليب
.
يقول بحسرة وغضب: "ماذا تغير؟ هم يبدلون الواجهات والمشهد واحد. مبخوت ذهب وجاء الخنبشي، لكن القوات المدعومة اماراتيا ما زالت تتوغل في أرضنا، ومعسكراتها تمتد من الغرب إلى الشرق. هذا التعيين مجرد دمية في لعبة أكبر، ونحن أبناء حضرموت من يدفع الثمن. لن نقبل بأي محافظ يأتي ليكون غطاءً لاحتلال أراضينا وسرقة ثرواتنا"-بحسب وصفه-.
أما
د. سالم صالح، أكاديمي ،
فيرى أن التعيين له دلالات جيوسياسية عميقة. وشرح قائلا: "تعيين الخنبشي ليس قراراً يمنياً بحتاً، بل هو جزء من المواجهة غير المعلنة على النفوذ في شرق اليمن حضرموت اليوم هي ساحة لصراع النفوذ، والمحافظ الجديد هو أداة في هذا الصراع، ونجاحه أو فشله سيعتمد على قدرته على الموازنة بين هذه القوى المتصارعة".
تصعيد عسكري متسارع ومواجهة قبلية
على الأرض، يشهد الوضع تصاعداً خطيراً. خلال اليومين الماضيين فقط، استقدم المجلس الانتقالي الجنوبي ثلاثة إلى أربعة ألوية من محافظات لحج والضالع وشبوة، وتمركز بها في نقاط استراتيجية: غرباً في معسكرات الغبراء بلواء بارشيد، وفي عاصمة المحافظة المكلا بموقع الربوة بخلف، وشرقاً في معسكرات لواء الأحقاف بالشحر.
وفي مواجهة هذا التمدد، دعا حلف قبائل حضرموم وجهاء الهضبة إلى استنفار عام، وأصدر اللقاء القبلي في العليب "تفويضاً مطلقاً للمواجهة"، معتبراً أن توغل القوات الإنتقالية يشكل "تهديداً مباشراً للسلم والأمن، واستهدافاً لثروة حضرموت، وإقحاماً للنخبة الحضرمية في صراعات بينية لا ناقة لها فيها ولا جمل".
في ذروة سباق النفوذ والاصطفافات المتوترة، تدخل حضرموت اليوم مرحلة جديدة وحاسمة.
وعلى عاتق المحافظ الجديد، سالم الخنبشي، يقع اختبار قدرته على إخماد الاحتقان المتصاعد وتجنب انزلاق المحافظة إلى حرب مفتوحة. وبينما تنظر الرياض وأبوظبي إلى حضرموت بوصفها عقدة النفوذ الأكثر حساسية شرق اليمن، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً في أروقة السياسة وأزقة حضرموت: هل يمتلك الخنبشي، أو أي طرف آخر، القدرة على إخماد شهية الطامحين للنفوذ والثروة في هذه الأرض الاستراتيجية؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news