سجّلت موانئ الحديدة، والصليف، ورأس عيسى — الثلاثة الواقعة على سواحل البحر الأحمر والخاضعة لسيطرة للحوثيين — تراجعاً حادّاً ومستمراً في واردات الوقود والمواد الغذائية للشهر الخامس على التوالي، وفق تقريرٍ جديد صادر عن برنامج الأغذية العالمي (WFP)، ما يهدّد ملايين السكان في تلك المناطق بخطرٍ إنساني داهم ويزيد من تآكل الأمن الغذائي بشكل غير مسبوق.
أرقامٌ لا تُخطئ: انخفاضٌ بنسبة تصل إلى 27% في الوقود
كشف التقرير أن إجمالي واردات الوقود والمواد الغذائية عبر هذه الموانئ الثلاثة خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2025 بلغت 5.06 مليون طن متري فقط، وهو أدنى رقم يُسجّل خلال الثلاث سنوات الماضية. ويشكّل هذا الرقم انخفاضاً بنسبة 24% مقارنة بعام 2024 (الذي بلغت وارداته 6.64 مليون طن)، وبنسبة 16% عن عام 2023 (6.03 مليون طن).
أما واردات الوقود وحدها، فقد تراجعت إلى 1.78 مليون طن متري خلال الفترة نفسها، وهو ما يمثّل هبوطاً حادّاً بنسبة 27% مقارنة بعام 2024، و26% مقارنة بعام 2023. وفي المقابل، بلغت واردات المواد الغذائية خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025 نحو 3.3 مليون طن متري، أي أقل بنسبة 22% من نفس الفترة في 2024، و9% عن 2023.
من يدفع الثمن؟ النساء، الأطفال، والنازحون
هذا التراجع المتواصل في الإمدادات لا يُهدّد فقط استقرار الأسواق، بل يُفاقم معاناة الفئات الأكثر هشاشة: النساء، الأطفال، كبار السن، والنازحون داخلياً، الذين يعتمدون اعتماداً شبه كلي على الواردات لتغطية احتياجاتهم اليومية من الخبز، الدواء، الوقود، وحتى المياه النقية.
ويشير التقرير إلى أن انعدام الأمن الغذائي بدأ يتحول من حالة طارئة إلى واقع مزمن، مع ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية، وتكرار انقطاع التيار الكهربائي، وتفاقم أزمة التنقّل بسبب نقص البنزين والديزل.
أسباب الأزمة: غارات جوية + قيود ملاحة + كلفة لوجستية
يعزى هذا التراجع في الواردات إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها:
الأضرار البنيوية التي لحقت بالموانئ جرّاء الغارات الجوية الأمريكية والإسرائيلية التي استهدفت سواحل البحر الأحمر منذ أوائل 2024، مما قلّص من قدرة هذه المرافئ على استقبال السفن بسلاسة.
القيود الأمنية والملاحية التي فُرضت على الملاحة في البحر الأحمر، والتي أدت إلى تأخيرات متكررة في دخول السفن، وتراكم الرسوم، وارتفاع الكلفة اللوجستية بنسبة غير مسبوقة.
الانهيار التدريجي للبنية التحتية نتيجة سنوات من النزاع، ما يجعل القطاع البحري عرضة لأبسط التحديات التشغيلية.
تحذيرات إنسانية: كارثة “غير مسبوقة” على الأبواب
حذّرت منظمات إنسانية محلية ودولية — من بينها منظمة أطباء بلا حدود، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وبرنامج الأغذية العالمي — من أن استمرار الانخفاض في الواردات قد يؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية.
وأشارت هذه المنظمات إلى أن الجوع، الفقر، النزوح، وتفشّي الأمراض باتت تهدّد حياة ملايين اليمنيين، داعيةً المجتمع الدولي إلى:
توفير دعم طارئ لتعزيز الإمدادات الغذائية والوقود.
فتح ممرات بديلة لوصول المساعدات الإنسانية.
الضغط على جميع الأطراف لضمان حرية الملاحة وحماية البنية التحتية المدنية.
واقعٌ مرير: من ضروريات الحياة… إلى رفاهيات نادرة
في ظل هذا التدهور، لم يعد الغذاء أو الدواء أو الوقود سلعًا متوفرة أو مضمونة. بل باتت، في نظر كثير من الأسر، رفاهيات نادرة يُناضل المواطنون يومياً للوصول إليها، إن وُجدت أصلاً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news