بات إعلان دولة اليمن الجنوبي وشيكاً، مسألة وقت فقط، حيث باتت الترتيبات شبه ناجزة على الأرض، عسكرياً وسياسياً. وما يؤجل حسم الأمر نهائياً جملة من التفاهمات الاقليمية قبل الدولية، بحيث لا تتم الخطوة من طرفٍ واحد، ما يفقدها الاعتراف، ويحوّلها إلى مشروع انفصالٍ فاقد للشرعية. وقد شهد الأسبوعان الأخيران سلسلة من التحرّكات التمهيدية على هذا الطريق، قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي بوصفه القوة العسكرية التي لا منافس لها في الجنوب، والمطالب منذ عدة أعوام بانفصال جنوب اليمن، من منطلق وصول مشروع الوحدة الاندماجية إلى طريقٍ مسدود، وفشله في توحيد شطري اليمن.
سار المجلس الجنوبي الانتقالي في الأسبوعين الأخيرين خطواتٍ مهمة لتحقيق مشروع الانفصال، تمثلت في التمدّد عسكرياً وامنياً في المناطق الخارجة عن سلطاته المباشرة من دولة الجنوب السابقة، وبسط سيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة، وحقق بذلك وضع اليد على المواقع النفطية الأساسية في كل اليمن، ووصلت قواته حتى حدود عُمان. وقد تجاوز بذلك وجود قوات الشرعية، والتشكيلات العسكرية لقبائل المنطقة المدعومة من السعودية، والحضور السعودي العسكري المنتشر هناك من أجل إسناد قوات الشرعية، ومراقبة السواحل لمواجهة تهريب السلاح الإيراني والمخدرات.
لم يخف المجلس الانتقالي نزوعه إلى استعادة دولة اليمن الجنوبي التي اتّحدت مع الجمهورية العربية اليمنية في 22 مايو/ أيار 1990، وقد تشكّل عام 2017، وفي مقدمة أولوياته هذا الهدف، وظل ينتظر اللحظة السياسية المؤاتية. وفي غضون ذلك، عمل، بدعم مباشر من الامارات، على بناء قوة عسكرية وأمنية، ومؤسّسات دولة باتت شبه جاهزة، في وقتٍ حافظ على وجوده ضمن مؤسّسات دولة الشرعية، وشغل رئيسه عيدروس الزبيدي منصب نائب رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي الذي تشكّل بمبادرة السعودية ودعمها لمواجهة مشروع "أنصار الله" (الحوثيون) الذي كان يرمي إلى السيطرة على اليمن بدعم من إيران.
يمتلك المجلس الانتقالي ثلاث نقاط قوة أساسية، تتمثل في الالتفاف الجنوبي من حوله، وضعف الدولة اليمنية، ودعم الإمارات، وقد بات اليوم يمتلك أهم قوة عسكرية، تتفوّق على جيش الشرعية في عديدها وتسليحها، وتضاهي قوة الحوثيين المتمركزة في الشمال، بعد أن تراجع رصيدها، تبعاً لما تعرّض له حليفها الرئيسي إيران، وما يسمّى محور المقاومة، ونتيجة الضربات العسكرية من إسرائيل والولايات المتحدة، بسبب انخراطهم في مشروع إسناد غزّة.
لم تتمكّن القوات السعودية من ثني المجلس الانتقالي عن تنفيذ مشروع بسط سيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة، كما انسحبت من القصر الرئاسي في منطقة المعاشيق في عدن، وحاولت أياماً معالجة الأمر بالحوار، وعدم اللجواء إلى القوة العسكرية، وشاركت وفود عسكرية سعودية إماراتية في تسوية الأزمة من دون أن تتوصل إلى اتفاق يثني "الانتقالي" عن التراجع عن خطواته العسكرية الهادفة إلى الانفصال، لا سيما أنها ترافقت مع اعتصامات شعبية في عدن تطالب باستعادة دولة الجنوب.
لا تبدو العودة إلى الوراء ممكنة لعدة أسباب، منها أن المجلس بات قوة مسيطرة على الأرض، وهذا ما يفسّر المرونة التي أبدتها السعودية باستبعاد اللجوء إلى الخيار العسكري، وحثّ المجلس على سحب قواته من حضرموت والمهرة، في ظل تأكيد الرياض المستمرّ لرفضها أي محاولاتٍ لفرض أمر واقع بالقوة، أو إدخال حضرموت في دوّامة صراعات جديدة. وهناك عامل مهم جدّاً، يتمثل في ربط المجلس خطواته بترتيبات في المنطقة ذات أهداف متعدّدة، منها الحسم العسكري مع الحوثيين، وفي ذلك مصلحة مشتركة لأطراف محلية وإقليمية ودولية. وعلى هذا، قد يشهد اليمن بجنوبه وشماله تطوّرات مهمّة في المدى القريب، تعيد تشكيل الخريطتين الجغرافية والسياسية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news