تتفاقم التحولات الأمنية والعسكرية في جزيرة سقطرى، التي تمثل اليوم منظارًا مثيرًا للقلق، بعدما تحولت من جزيرة هادئة ومزدهرة بالطبيعة إلى ساحة مفتوحة لإعادة تشكيل البنية العسكرية والأمنية، في خطوة تُعدّ مُستحدثة من حيث السرعة والحجم.
وسط هذا التحول، تبرز شخصيتان بارزتان في المشهد الجديد: أوسان العنشلي، الذي يشغل منصب أركان قوات الحماية الرئاسية التابعة للمجلس الانتقالي، وفضل باعش، قائد قوات الأمن الخاص، اللذان يُنظر إليهما على أنهما ركيزتان رئيسيتان في مشروع يُعتقد أنه يُدار من خارج المؤسسات الرسمية اليمنية ويُعَدّ جزءًا من استراتيجية أمنية وبيئية وسياسية طويلة الأمد.
وأوضح مراقبون أن توافد هذين القائدَين إلى الجزيرة ليس مجرد حضور عابر، بل يُعدّ جزءًا من خطة منظمة لإعادة هيكلة شاملة للقدرات العسكرية، تشمل بناء معسكرات جديدة، ونشر نقاط تمركز في مناطق استراتيجية، بالإضافة إلى تجنيد وتدريب عناصر من خارج المحافظة، ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الأجهزة المحلية على إدارة الأوضاع دون تدخل خارجي.
وأفادت مصادر محلية بأن العمليات العسكرية تسير بوتيرة متسارعة، مع إنشاء ما يُعرف بـ"اللواء الجديد"، الذي من المُفترض أن يُدار تحت قيادة العميد محسن الحاج، ويتكون من كتائب متخصصة، منها المدفعية، والدبابات، والدفاع الجوي، وهي كتائب تُعتبر حجر الزاوية في أي بنية عسكرية متطورة. ولفتت المعلومات إلى أن معظم هذه العناصر ليست من أبناء سقطرى، وإنما جُمعت من مناطق أخرى، ما يُعزز الشكوك حول نية المشروع في الاستفادة من القوى المحلية.
وكتب الناشط السقطري سعيد الرميلي على منصة فيس بوك، مُنتقدًا التواجد المتزايد للقيادات التابعة للمجلس الانتقالي، قائلاً: "حبة حبة.. لا تتزاحموا يا غيادات الإنتقالي على سقطرى، جاء اليوم أوسان العنشلي بعد أسبوع من وصول فضل باعش، والسقطرى وأهلها في غنى عن توافدكم إليها بغرض تحويلها إلى بؤرة عسكرية غير مبررة على الإطلاق، كان الأحرى بكم أن تتوافدوا إلى أبين لمواجهة القوى هناك، لكن الأطماع الإماراتية في الأرخبيل أولى من أي شيئ آخر بالنسبة لكم".
في المقابل، أوضح الكاتب والناشط الحقوقي السقطري عبدالكريم أن التحولات في الجزيرة لا تقتصر على التواجد العسكري، بل تمتد إلى ميدان السيطرة الرقمية، حيث تُستخدم "الحروب السيبرانية" كأداة لفرض الهيمنة، من خلال التحكم في القيادة والسيطرة على المعلومات، ما يُعدُّ تحوّلًا مُقلقًا في طبيعة الصراع، حيث لم تعد الحرب مجرد مواجهات ميدانية، بل تشمل تأثيرات رقمية وسياسية مُدروسة.
وأشار إلى أن إنشاء "اللواء الجديد" في موقع معسكر (ك_3)، وانسلاخه عن اللواء الأول البحري، ليس مجرد تغيير إداري، بل يُعدّ مؤشرًا على انقلاب في التوازنات العسكرية، خاصة مع انضمام قيادات وعناصر غير محلية، ما يُنذر بانشقاقات داخلية وتهديدًا للهوية المحلية.
ولفت إلى أن هذه الخطوات تُعدّ دليلاً قاطعًا على عدم ثقة بعض الأطراف بالمؤسسات الرسمية أو بالقيادات السقطرية، ما ينعكس على استمرار غياب أي حضور فاعل للسلطة الشرعية، وتعميق التبعية لقوى خارجية، رغم التحفظات الجمة التي تُبديها شرائح من المجتمع المحلي.
وأكد أن عسكرة سقطرى بهذا الشكل لا تخدم سوى الاستراتيجيات الاستعمارية الحديثة، التي تسعى إلى تحويل الجزر إلى نقاط تحكم ورقابية، على حساب الطبيعة والسلام الاجتماعي، مضيفًا أن ما يجري في الجزيرة لا ينبع من مخاوف أمنية حقيقية، بل من مآرب سياسية وعسكرية بعيدة المدى.
وأشار إلى أن هذه التحولات، رغم أنها تُطرح كجزء من "إصلاحات أمنية"، إلا أنها تُمثل خطوة نحو فصل سقطرى عن الدولة اليمنية، وتحويلها إلى منطقة نفوذ مُستقلة، ما يهدد باندلاع توترات إقليمية، ويفتح الباب أمام مواجهات جديدة في سياق صراعات متشابكة يُحتمل أن تُسجّل في سجلات أزمات المنطقة.
وأكّد الناشطون أن سقطرى، التي عرفت بالهدوء والطمأنينة، لا تحتاج إلى مزيد من التسليح، بل إلى حلول سياسية حقيقية، وإعادة بناء المؤسسات الأمنية من الداخل، بمشاركة أهلها، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي تُهدّد مستقبل الجزيرة وسلامتها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news