مع اقتراب نهاية نوفمبر، يواجه لبنان مرحلة حاسمة في تحديد مستقبل سيادته وأمنه، وسط تصاعد التوترات الإقليمية والداخلية. تأتي تصريحات رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام التي دعا فيها إلى فتح مسار تفاوض مع إسرائيل، لتشكل شرارة نقاش سياسي حاد داخل البلاد وخارجها، بينما يضع حزب الله خطوطاً حمراء واضحة تجاه أي تفاوض سياسي مباشر.
في تصريحات حصرية لبلومبرغ، شدد نواف سلام على استعداد لبنان للانخراط في مفاوضات مع إسرائيل، مؤكداً أن الدولة اللبنانية تسعى لدعم أميركي لفتح مسار تفاوضي.
وأوضح أن لبنان لن يفوت الفرصة التي توفرها التغيرات الكبيرة في المنطقة، معتبراً أن المعادلة الدولية واضحة: لا اقتصاد بلا أمن، ولا أمن بلا قرار واحد، ولا قرار بلا دولة قادرة على استعادة سلطتها من الدويلة.
وأشار سلام إلى أن لبنان في قلب عملية إعادة تموضع كبرى تحدد من سيمسك بمستقبل البلاد، مستعرضا الخيارات بين الدولة والسيادة أو النفوذ الخارجي.
واعتبر أن موقف لبنان اليوم يحاول تحقيق توازن بين السيادة الوطنية والمطالب الدولية والإقليمية.
في حديثه لـ"التاسعة" على سكاي نيوز عربية، قدّم الكاتب والباحث السياسي حسن الدر، قراءة معمّقة للوضع الحالي للتفاوض بين لبنان وإسرائيل، مؤكدا أن العقدة الأساسية التي تكمن في موقف إسرائيل الرافض للتفاوض المباشر، فيما يبقى لبنان متمسكاً بالميكانيزم غير المباشر وبالوسائل التقنية.
الدر كشف بوضوح أن حزب الله، على الرغم من موقفه المبدئي الرافض لأي تفاوض سياسي مباشر مع إسرائيل، ليس طرفاً معرقلًا، وأن الجيش اللبناني يواجه تحديات كبيرة نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، وسط ضغوط دولية متنامية.
إسرائيل والرفض المعلن للتفاوض
أوضح الدر أن الرئيس اللبناني نواف سلام قد أكّد أكثر من مرة خلال كلمته أن لبنان مستعد للتفاوض، إلا أن إسرائيل هي الطرف الرافض.
وقال الدر: "واضح بأن الذي لا يريد التفاوض هو إسرائيل… نحن نعرض التفاوض، وهم يدّعون الرغبة فيه، وعندما نمد يدنا لا يستجيبون".
وأشار إلى أن إسرائيل تعمل خارج الاتفاقات الدولية، بما في ذلك القرار 1701 وتفاهمات 425، مؤكداً أنها تسعى لفرض إرادتها السياسية بالقوة على لبنان. وأضاف الدر أن تقرير إسرائيل الأخيرة حول الوضع الأمني في الجنوب كان مليئاً بالتهويل والتحضير للحرب، في حين لبنان يظل مستعداً للتفاوض غير المباشر وفق آليات مدنية وتقنية.
حزب الله والتفاوض غير المباشر
أوضح الدر أن موقف حزب الله مبدئي من التفاوض المباشر والسياسي مع إسرائيل، لكنه لا يمتلك القدرة على عرقلة أي تفاوض تقوم به الدولة اللبنانية.
وأضاف أن الحزب يوافق على تفاوض تقني غير مباشر، كما حدث في التفاوض البحري، ويشدد على أن هذه التجربة أظهرت أن الحزب لا يمانع الوسائل غير المباشرة لتحقيق المصالح اللبنانية، ما يعكس التزامه بالمصلحة الوطنية بعيداً عن الاستفزاز السياسي.
الجيش اللبناني بين الاعتداءات والضغوط الدولية
أشار الدر إلى أن الجيش اللبناني هو الطرف الذي يتحمل اليوم ضغوطا كبيرة بسبب الانتهاكات الإسرائيلية، قائلا: "اليوم المشكل، لماذا هذا التحريض على الجيش اللبناني؟ حزب الله غير موجود جنوب الليطاني.. إسرائيل اليوم مشكلتها مع الدولة اللبنانية لأنها لم تطبق الاتفاق".
وأوضح أن الجيش رفض طلبات إسرائيل بالدخول إلى منازل المدنيين، مؤكدا التزامه بحماية السيادة اللبنانية وعدم العمل تحت إمرة القوات الإسرائيلية.
ولفت إلى أن التدخلات الأمريكية، بما في ذلك المطالب بإقالة قائد الجيش، تأتي نتيجة رفض الجيش الانصياع للضغوط، مؤكداً وقوف حزب الله خلف الجيش في هذا السياق.
التفاوض البحري كنموذج
استشهد الدر بالتفاوض البحري بين لبنان وإسرائيل كنموذج على إمكانية تحقيق تفاوض غير مباشر بمشاركة مدنيين تقنيين، مؤكداً أن هذا النوع من التفاوض ينسجم مع مصلحة الدولة ويتيح حماية سيادتها دون الانخراط في مفاوضات سياسية مباشرة قد تضر بموقف لبنان الاستراتيجي.
وشدد الدر على أن إسرائيل تهدد الأمن اللبناني بشكل متكرر وتتصرف خارج كل الاتفاقيات الدولية، مشيراً إلى أن أي محاولة لإخضاع الجيش اللبناني أو الدولة اللبنانية لمطالب إسرائيلية ستؤدي إلى فقدان السيادة. وقال: "اليوم خيار الدولة اللبنانية هو استعادة سيادتها… الجيش اللبناني ليس كتيبة في الجيش الإسرائيلي، وهذا ما رفضه قائد الجيش".
وأضاف أن إسرائيل تحاول فرض اتفاق أمني على لبنان، وهو ما يرفضه الرئيس وحكومة لبنان، مؤكداً أن لبنان يلتزم التفاوض وفق الميكانيزم غير المباشر وبالأطر القانونية المعترف بها دولياً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news