الحوثيون يحوّلون المساجد إلى منصات للهيمنة الطائفية وتشكيل وعيٍ خاضع بالقوة
قبل 10 دقيقة
لم يعد ما يحدث داخل المساجد في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي مجرد تجاوزات عابرة أو تصرفات فردية يمكن تفسيرها بالخطأ أو سوء التقدير.
ما يجري اليوم هو سياسة ممنهجة ومدروسة بعناية، تستهدف إعادة صياغة الوعي الجمعي لليمنيين، وجرّ المجتمع نحو نموذج عقائدي مغلق يتعامل مع الإنسان ككائن خاضع لا يملك حق التفكير أو الرفض أو حتى التساؤل.
منذ أن أحكمت مليشيا الحوثي قبضتها على عدد من المحافظات، أصبح واضحًا أن أولى أولوياتها ليست تحسين الخدمات، ولا حماية المواطنين، ولا بناء مؤسسات الدولة، بل السيطرة على الوعي والدين والمنابر. فالمساجد، التي ظلت لعقود رمزًا للوحدة الدينية والاعتدال في اليمن، تحولت على يد الجماعة إلى ساحات تعبئة طائفية هدفها خلق جيل منغمس في تقديس الجماعة وقيادتها، ومقتنع تمامًا بحقها المطلق في الطاعة والانصياع، دون اعتبار لأي قيم دينية أو وطنية.
استبدلت الجماعة خطب الجمعة بخطب جاهزة مفروضة بالقوة، تحمل مضمونًا واحدًا: تمجيد القيادة الحوثية، وترسيخ فكرة "الولاية"، وتبرير الحرب المستمرة تحت ذرائع دينية مزيفة. وتمّ إقصاء عشرات الأئمة والخطباء ممن رفضوا أن يكونوا أدوات ترويج، واستُبدلوا بعناصر موالية تخدم أجندة لا علاقة لها بروح الدين ولا بمقاصده.
الأخطر من ذلك أن حلقات تحفيظ القرآن تُعامل اليوم كقنوات تجنيد فكري مبكر، حيث يُلقّن الأطفال مفاهيم تعزز الانقسام والكراهية وتمجّد العنف، في محاولة واضحة لصناعة جيل يدين بالولاء للجماعة قبل الوطن وقبل قيم الإسلام السمحة.
إن ما تقوم به المليشيا لا يهدد المساجد فقط، بل يضرب هوية اليمن الدينية والثقافية في العمق. فحين يُعاد تشكيل الخطاب الديني ليصبح أداة سلطة لا أداة عبادة، وحين يُفرض على المجتمع فكر واحد لا يقبل التعدد، وحين تُستخدم بيوت الله لقتل حرية الوعي، يصبح المجتمع أمام خطر وجودي حقيقي. فالمشروع الحوثي لا يستهدف السيطرة على الحاضر فحسب، بل يسعى إلى امتلاك المستقبل عبر قولبة الأجيال القادمة.
وما يزيد المأساة تعقيدًا هو الصمت الدولي تجاه هذا الانتهاك الصارخ لحرية العبادة وحقوق الإنسان. فالمجتمع الدولي يدرك تمامًا أن تحويل دور العبادة إلى منصات سياسية وطائفية مسار يقود إلى تفكيك المجتمعات وإشعال صراعات لا تنطفئ، لكنه لا يزال يتعامل مع هذا السلوك الحوثي كأنه شأن داخلي لا يستحق التدخل.
اليمنيون اليوم بحاجة إلى موقف واضح: فالمساجد ليست ساحة صراع، ولا ملكًا لجماعة، ولا منصة لفرض الولاء بالقوة. ما يحدث جريمة بحق الدين وبحق الإنسان وبحق الوطن. وترك المليشيا تستمر في هذا المسار يعني السماح بتشويه الوعي الجمعي وتحويل المجتمع إلى نسخة هشة يسهل ترويضها وحكمها بالقهر.
لقد آن الأوان لوقف هذا العبث قبل أن يصبح هو القاعدة لا الاستثناء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news