تحليل | انفجار الشرق.. هل نفّذت الإمارات تحرّكاً استباقياً لضمان إدراج نفوذها في ترتيبات الحل اليمني؟

     
بران برس             عدد المشاهدات : 891 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
تحليل | انفجار الشرق.. هل نفّذت الإمارات تحرّكاً استباقياً لضمان إدراج نفوذها في ترتيبات الحل اليمني؟

شهدت محافظتا حضرموت والمهرة (شرقي اليمن)، واحدة من أكثر التحوّلات الميدانية المفاجئة في السنوات الأخيرة، حين دفعت الإمارات عبر المجلس الانتقالي الجنوبي بقواتها لإحداث تغيير عسكري سريع في خريطة السيطرة، وذلك بالتزامن مع معلومات عن محادثات غير معلنة بين السعودية والحوثيين في مسقط، وبرعاية عُمانية ودعم أممي.

وبعد الانفجار مباشرة، تكثّفت التحركات الدبلوماسية المرتبطة بالسعودية ومسقط والأمم المتحدة، في مشهد يوحي بأن الرياض شعرت بضرورة التحرك لحماية مسار سياسي كانت تبنيه بعيداً عن الضوضاء.

هذا التزامن طرح سؤالاً محورياً: هل تعمدت الإمارات تفجير الوضع في حضرموت لإفشال أو تعديل مسار سياسي سعودي كان يقترب من الاكتمال؟

كان المشهد الدبلوماسي في مسقط قبل الأحداث يوحي بإمكانية إحراز تقدم، وفق ما تفيد به المعلومات الشحيحة التي رشحت من تحركات المبعوث الأممي وما نشرته الصحافة المحلية والعربية. ففي أواخر أكتوبر، وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة العُمانية، حيث عقد اجتماعات رفيعة المستوى شملت المسؤولين العُمانيين ورئيس الوفد المفاوض للحوثيين محمد عبدالسلام، إلى جانب لقاءات مع مسؤولين إيرانيين، وبعد أقل من ثلاثة أسابيع عاد غروندبرغ مجدداً إلى مسقط في زيارة ثانية.

كانت المؤشرات تفيد بأن تحركات تجريها السعودية مع الحوثيين، ومن خلفهم إيران، عبر سلطنة عمان، في محاولة لإحياء خارطة الطريق التي كانت قطعت شوطاً قبل أن تتوقف بفعل هجمات الحوثيين على طرق التجارة الدولية في البحر الأحمر أواخر 2023، وبدا واضحاً غياب الإمارات عن هذه التحركات.

وفي أواخر أكتوبر وبداية نوفمبر، ازدادت المؤشرات على أن تسوية ما قيد التشكل، وتحدثت صحيفة "العرب" الإماراتية في 31 أكتوبر عن نجاح عُماني في إعادة خارطة الطريق إلى الطاولة. وبعدها نُشرت تقارير صحفية تشير إلى تكثيف اللقاءات بين غروندبرغ والحوثيين والمسؤولين العُمانيين، ووجود نقاشات حول خطوات إنسانية قد تقود إلى تقدم سياسي.

في هذه الأثناء، بدأت تتسرب معلومات عن بدء جولة مفاوضات واسعة حول ملف الأسرى في العاصمة العمانية مسقط، وهي جولة تأتي بعد فترة من الانقطاع، وبمشاركة الأطراف الرئيسية كافة، دون شروط مسبقة.

كان هذا المناخ يشير إلى أن لحظة سياسية مهمة ربما كانت تقترب، لكن ما جرى ابتداءً من 25 نوفمبر غيّر سياق الأحداث بشكل كامل. ففي ذلك اليوم، دفع المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً بقوات كبيرة نحو محافظة حضرموت، وبدأت استعدادات واسعة وتهيئة للمناخ العسكري، قبل أن تقتحم مطلع ديسمبر الجاري مقرات عسكرية رئيسية في سيئون والهضبة النفطية، بينها مقر المنطقة العسكرية الأولى، معلنة السيطرة على كبرى محافظات البلاد ومنطقة النفوذ التاريخي والموقع الحيوي للأمن القومي السعودي.

تطورت العمليات بسرعة، وشهدت المحافظة انتشاراً مكثفاً لقوات مدججة بالمدرعات والمسيرات، ووصل الأمر إلى اقتحام مقر قيادة قوات التحالف أثناء وجود ضباط سعوديين، إضافة إلى اقتحام معسكر اللواء 37 التابع للمنطقة العسكرية الأولى في منطقة الخشعة، بعد ساعات على ترتيبات وتسلم قوات درع الوطن المدعومة سعودياً للمعسكر، في خطوة أثارت تكهنات حول مدى قدرة الرياض على ضبط الأمور في الشرق اليمني.

التوقيت لم يكن عابراً، إذ جاء التصعيد قبل وقت قصير من مفاوضات الأسرى التي كانت الأمم المتحدة والسعودية تعملان على تهيئتها عبر مسقط، وبعد أشهر من النقاشات الهادئة بين الرياض وصنعاء عبر القنوات العمانية، ما عزز فرضية أن التحرك جاء لإعادة فرض الإمارات كلاعب لا يمكن تجاوزه في أي تسوية قادمة، خاصة أن التفاهمات السياسية التي كانت تُبنى لم تكن تشمل دوراً إماراتياً مركزياً.

الإمارات، وفق مسار السنوات السابقة، ترى في الجنوب والساحل الغربي والموانئ والساحل الشرقي أيضاً مناطق ترتبط بشكل مباشر بمصالحها الاستراتيجية. وربما رأت فيما يجري في مسقط، دون إشراكها، مساراً يهدد تلك المصالح، إذ تعيد التفاهمات التي بدا أنه يتم الترتيب لها بين السعودية وإيران عبر عمان، بغطاء أممي، تشكيل المشهد السياسي والأمني في الجنوب والشرق من دون اعتبار لوزنها العسكري.

وقد لا يكون هذا هو الدافع الوحيد وراء التصعيد؛ فثمّة مؤشرات أخرى لا يمكن تجاهلها. من بينها طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة في نوفمبر الماضي، من الرئيس الأمريكي التدخل لاحتواء أزمة السودان وإنهاء الحرب هناك، وهو ما قد يكون دافعاً رئيسياً لـ"أبوظبي"، التي تُعد لاعباً رئيسياً في ذلك الملف، دفعها لتحريك أدوات ميدانية في خاصرة السعودية، وضمن نطاق نفوذها التاريخي وعمقها الأمني، بهدف إيصال رسالة اعتراض أو تذكير بقدرتها على التأثير، لكن هذا لا يخرج الضغط من أجل إعادة أبوظبي الى نقاشات الملف اليمني من دائرة الدوافع المحتملة.

وبالنظر إلى امتداد الرسالة الإماراتية، يتضح أنها لم تقتصر على الرياض وحدها، بل طالت أيضاً مسقط بصورة مباشرة، من خلال توسيع نطاق التحرك العسكري للمجلس الانتقالي ليصل إلى محافظة المهرة المحاذية للسلطنة. وجاء هذا التمدد باتجاه منطقة تُعد تقليدياً مجالاً للتوازن بين السعودية وعُمان، في وقت تلعب فيه مسقط دور الميسّر الرئيسي للنقاشات السياسية حول اليمن.

بدا أن أبوظبي أرادت القول إن أي ترتيبات تصاغ في مسقط بمعزل عنها ستقابل بإعادة رسم خرائط النفوذ على الأرض، بما يضع سلطنة عمان أمام معادلة جديدة على حدودها الغربية، ويذكّرها بأن النفوذ الإماراتي في جنوب وشرق اليمن ليس ملفاً يمكن تجاوزه بسهولة. 

رد الفعل العماني، ورغم أن التطورات لامست حدودها، بدا أكثر هدوءاً، ما يعكس قراءة مسقط لطبيعة الرسالة. فعُمان ربما رأت أن اندفاع الانتقالي نحو المهرة لم يكن موجهاً ضدها بشكل رئيسي، وأن أولوية الرسالة للرياض الطرف القادر على كبح نفوذ الانتقالي وضبط الإيقاع في الشرق. وبذلك، اكتفت السلطنة بتثبيت خطوطها الحمراء عند الحدود، حين طالبت بإعادة علم الجمهورية اليمنية وهددت بإغلاق المنفذ، من دون ضجيج يمكن أن يفسد التفاهمات التي تُبنى في عاصمتها، والتي تعدّها جزءاً من أمنها الاستراتيجي.

أما ردة الفعل السعودية فبدت متأخرة ومرتبكة في البداية، قبل أن تتوزع على أكثر من مستوى، في محاولة لإدارة الموقف دون نسف التحالفات القائمة أو خسارة المسار السياسي الذي كان يتشكل بهدوء.

 لكن الأولوية كانت أمنية وعسكرية، إذ وصل رئيس اللجنة الخاصة اللواء محمد القحطاني إلى المكلا في مهمة عاجلة لاحتواء التصعيد وما زال هناك لليوم الثالث عشر على التوالي، بينما حركت المملكة قوات "درع الوطن" وأرسلت تعزيزات جديدة ومدرعات وآليات نحو الشرق، وسياسياً دفعت برئيس مجلس القيادة اليمني لإطلاق تصريحات رافضة لما جرى.

وتتابعت بعد ذلك المواقف الرسمية اليمنية، من لقاءات الرئيس العليمي بسفراء الدول الكبرى، إلى بيانات الأحزاب ومجلسي النواب والشورى، في محاولة لعزل موقف المجلس الانتقالي سياسياً، وهو ما دفعه لاحقاً إلى اللجوء للشارع وإعلان مظاهرات واعتصامات في عدد من المحافظات، وصولاً إلى بيان رئاسة هيئة الأركان العامة الصادر يوم الجمعة.

وعلى المستوى الدبلوماسي، حرصت الرياض على حماية الترتيبات التي كانت تعمل عليها من قبل، فبعث ولي العهد السعودي برسالة إلى سلطان عُمان، والتقى المبعوث الأممي، كما استقبل الأمين العام للأمم المتحدة، في إطار جهود تثبيت مسار التهدئة.

وفي الوقت ذاته، سعت المملكة إلى طمأنة أبوظبي عبر اجتماعات عقدها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ في الرياض، وجمعت السفيرين السعودي والإماراتي لدى اليمن ووزير الخارجية اليمني. وربما يفسر ذلك سحب قوات "درع الوطن" من مواقع متعددة في جنوب البلاد، حيث تنتشر تشكيلات موالية للإمارات، وإعادة نشرها في محافظات الشرق، في رسالة مفادها أن السعودية لا تنوي الدخول في مواجهة مباشرة داخل مناطق النفوذ الإماراتي التقليدية، مع احتفاظها في الوقت نفسه بهامش الحركة في حضرموت والمهرة.

وفي السياق ذاته، تواصلت الجهود السعودية خلال الأيام الماضية؛ إذ وصل، الجمعة، إلى عدن فريق سعودي–إماراتي مشترك للقاء رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي. وقال مصدر في مكتب رئاسة مجلس القيادة الرئاسي لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ" إن الزيارة تأتي في إطار تحركات عاجلة تهدف إلى إنهاء التوتر في المحافظات الشرقية وإعادة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، باعتبار هذا الملف أولوية قصوى للشرعية والتحالف.

من جهتها، أفادت وسائل إعلام يمنية بأن السعودية باشرت، السبت، سحب آخر آلياتها ومعداتها العسكرية من مقر التحالف العربي في عدن، وذلك غداة لقاء اللجنة العسكرية بالزبيدي، في خطوة يمكن تفسيرها ضمن مسار التهدئة ومحاولة إعادة ترتيب الانتشار العسكري بما يتوافق مع التفاهمات الجارية.

ولعل مجمل هذه التطورات يشير إلى أن الرياض وأبوظبي توصلتا إلى تفاهم من نوع ما لإدارة النفوذ في جنوب البلاد، يقوم على تجنب الصدام المباشر وتقاسم الأدوار، بحيث تحتفظ الإمارات بنفوذها في جنوب غرب اليمن، فيما يتركز الدور السعودي بصورة أكبر في المحافظات الشرقية، ضمن معادلة مؤقتة تهدف إلى ضبط التوازنات ومنع انفجار الخلاف بين الطرفين.

وبالتوازي، أعادت المملكة ترتيب الموقف الدولي الذي بدا صامتاً خلال الأيام الأولى للتصعيد. ففي 9 ديسمبر، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الوزير أنتوني بلينكن بحث مع نظيره السعودي التطورات اليمنية، مع التشديد على ضرورة "الحفاظ على الاستقرار"، كما ناقشا الملف السوداني، في إشارة إلى مراقبة واشنطن لنقاط التماس الحساسة في العلاقة السعودية الإماراتية.

 وفي السياق نفسه، ناقشت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الوضع في اليمن، في 9 ديسمبر أيضا، وأشار بيان روسي إلى "القلق من التصعيد".

وفي اليوم ذاته، عقدت السعودية وإيران والصين اجتماعاً ثلاثياً في طهران أكد التمسك باتفاق بكين لعام 2023، ودعا إلى حل سياسي شامل في اليمن تحت رعاية الأمم المتحدة، في إشارة إلى أن التفاهمات الإقليمية الكبرى لا تزال قائمة رغم الاضطرابات الميدانية.

أما بخصوص المسار السياسي في مسقط، فيقول وزير الخارجية اليمني الأسبق أبوبكر القربي إن اجتماع الأسرى يشكل خطوة تفتح الباب لمسار سياسي عبر البوابة الإنسانية، مؤكداً أن البيئة الإقليمية باتت مواتية لمثل هذا الاختراق. وأضاف أن البيان الثلاثي يؤكد أن اليمن لم يعد مجرد ساحة نفوذ، بل ملفاً لتفاهمات إقليمية أوسع.

ومع دخول الشهر الأخير من عام 2025، تُستأنف جولة مفاوضات الأسرى بعد توقف طويل، فيما تحاول السعودية تثبيت التهدئة شرق اليمن، وتؤكد إيران والصين استمرار المسار السياسي، بينما تسعى الإمارات إلى توسيع حضورها في معادلة النفوذ عبر أدوات ميدانية. وفي هذا السياق، تبدو الفرضية القائلة إن تحرك الانتقالي جاء لإعادة إدراج الإمارات كلاعب لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مقبلة، فرضية تستند إلى تسلسل زمني ووقائع سياسية يصعب تجاهلها

 

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل: المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يكشف مخططاً لضرب الحوثيين عبر عملية عسكرية برية واسعة تشارك فيها قوات جوية وبحرية.. وطهران تحذر

مأرب برس | 1310 قراءة 

تحليل | انفجار الشرق.. هل نفّذت الإمارات تحرّكاً استباقياً لضمان إدراج نفوذها في ترتيبات الحل اليمني؟

بران برس | 891 قراءة 

حضرموت على وقع انشقاق عسكري قائد المنطقة الثانية يبدل ولاءه

موقع الجنوب اليمني | 735 قراءة 

حشد سعودي ضخم في العبر والوديعة… درع الوطن يعيد انتشار قواته شرق اليمن و تخلي مواقعها في عدن ولحج وتتجه إلى حضرموت والمهرة

مأرب برس | 713 قراءة 

سقوط ضحايا نتيجة قصف الطيران

كريتر سكاي | 613 قراءة 

عُمان تُهدد بالفوضى والحوثي انتقاماً لخسارة نفوذها في المهرة وحضرموت

نيوز يمن | 487 قراءة 

لقاء الزبيدي والبركاني يثير الجدل .. وبن سلمان يعلق بهذه الكلمات

كريتر سكاي | 439 قراءة 

قوات عسكرية تتسلم المهرة

الخليج اليوم | 434 قراءة 

أول وزارة بالحكومة الشرعية تزيل صورة العليمي وتستبدلها بصورة الرئيس عيدروس الزُبيدي

العاصفة نيوز | 432 قراءة 

مسرحية انسحاب القوات الجنوبية من الجنوب

العاصفة نيوز | 411 قراءة