زوجات المغتربين في اليمن: وجوه الصبر والصمود في زمن الغياب الطويل

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 35 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
زوجات المغتربين في اليمن: وجوه الصبر والصمود في زمن الغياب الطويل

زوجات المغتربين في اليمن: وجوه الصبر والصمود في زمن الغياب الطويل

في بلد أنهكته الحرب منذ أكثر من عقد، تقف آلاف النساء اليمنيات في مواجهة واقعٍ فرض عليهن أدواراً مزدوجة ومسؤوليات ثقيلة بعد أن غاب أزواجهن إلى المنافي، مدفوعين بضيق العيش وانسداد الأفق. تحولت الهجرة القسرية من وسيلة للنجاة إلى اختبار طويل لصبر النساء وإصرارهن، فبينما يتنقل الرجال في الغربة بحثاً عن الرزق، تبقى الزوجات في الداخل يحملن عبء البيت والأرض والأبناء، ويمارسن أدوار الأم والأب والراعي في آن واحد.

الكثير من زوجات المغتربين لم يخترن الغياب، لكنه فُرض عليهن، فواجهنه بصلابة جعلتهن رموزاً للصمود. بعضهن وجدن في الانشغال بالعمل والزراعة والتجارة الصغيرة طريقاً لتجاوز الوحدة، وأخريات بدأن مشاريع من الصفر اعتماداً على مدخرات محدودة وتحويلات أزواجهن. داخل القرى والمدن، برزت نماذج مدهشة لنساء أدِرن بيوتهن وحياتهن بحكمة، حولن الحرمان إلى دافع للبناء، والانتظار إلى فعل إنجاز.

إحدى النساء روت أنها حين غاب زوجها للعمل خارج البلاد لم تجد وقتاً للبكاء، بل بدأت بإدارة الأرض وحمايتها من الطامعين، فوضعت نظاماً صارماً لمتابعة الزراعة وضبط النفقات، وأخفت تفاصيل التحويلات المالية حفاظاً على مال زوجها. بينما استطاعت أخرى أن تدخر نصف ما يُرسل إليها سراً، لتبني منزلاً متكاملاً قبل عودة زوجها المفاجئة بعد حادث عمل، ليكتشف أن حلمه بالاستقرار أصبح حقيقة بفضل تدبيرها وصبرها.

تقدّر أعداد المغتربين اليمنيين بأكثر من سبعة ملايين شخص، أي ما يقارب ثلث السكان، يعيش معظمهم في دول الخليج، وتشكل تحويلاتهم شرياناً حيوياً لاقتصادٍ يترنح. غير أن هذا الامتداد البشري الهائل يقابله فراغ إنساني كبير في الداخل، حيث تتضاعف معاناة الأسر التي تنتظر أخبار الغائبين وتكابد وحدها تحديات المعيشة. فالهجرة التي كانت تُعد حلاً لأزمات الفقر، أصبحت وجهاً آخر للألم، تترك نساءً معلقات بين الأمل والانتظار الطويل.

في خضم هذا الواقع، تبرز قصص نساء استطعن تحويل الغياب إلى فرصة. فقد أسست بعضهن مشاريع تجارية وخدمية ناجحة بعد أعوام من الادخار والتقشف، مستثمرات مهاراتهن وثقة المجتمع بهن. تحولت البيوت إلى مراكز إنتاج صغيرة، وتحوّلت بعض النساء إلى معيلات لأسر بأكملها، يكافحن بصمت لإثبات أن الاعتماد على الذات ليس خياراً ترفياً بل ضرورة للبقاء.

لكن التحديات لا تقف عند حدود الاقتصاد، بل تمتد إلى الجانب الاجتماعي والنفسي. فالكثير من النساء يواجهن نظرة مجتمعية قاصرة، تختزل زوجة المغترب في صورة “المنتظرة الصامتة”، بينما الحقيقة أنهن يقمن بدور محوري في بقاء الأسرة. إحدى السيدات لخصت ذلك بقولها: “لسنا ضحايا، نحن رائدات نحمل بيوتنا على أكتافنا ونصنع الحياة من اللاشيء”.

البعد العاطفي بدوره يمثل امتحاناً صعباً، إذ يعيش الأزواج والزوجات على تواصل متقطع بين مكالمات ورسائل يحاولون من خلالها الحفاظ على خيط المودة رغم المسافات. يشير مختصون إلى أن هذا التواصل المنتظم هو الركيزة الأساسية لبقاء العلاقة، وأن الثقة المتبادلة والصدق هما ما يحميها من التآكل، فالمسافة – كما يقولون – لا تقاس بالأميال، بل بحرارة العاطفة التي تربط القلوب.

ومع اتساع استخدام وسائل التواصل، ظهرت تهديدات جديدة تمس خصوصية هذه الأسر، إذ تعرضت بعض النساء لاختراقات رقمية وتسريب صور شخصية كانت تتبادلها مع أزواجهن. هذه الحوادث كشفت هشاشة الأمان الرقمي ودفعت المختصين للتحذير من تخزين الصور في التطبيقات السحابية أو إرسالها عبر المنصات غير الآمنة، مؤكدين أن حماية الخصوصية لا تقل أهمية عن الحفاظ على الثقة بين الزوجين. ويرى خبراء الشريعة أن تبادل الصور الخاصة عبر الإنترنت لا يخلو من مخاطر شرعية واجتماعية جسيمة إذا وقعت في الأيدي الخطأ.

ولا تخلو الصورة من الجوانب القاتمة، إذ تلجأ بعض زوجات المغتربين إلى المحاكم بعد أن ينقطع أزواجهن عن التواصل أو الإنفاق. يتيح القانون اليمني للمرأة طلب فسخ الزواج بعد عام من الغياب إذا لم تتلق نفقة، وبعد عامين إذا كان الزوج منفقاً، لكن الطريق إلى العدالة يظل شاقاً في ظل ضعف الوعي القانوني والضغوط الاجتماعية. كثير من هؤلاء النسوة يصفن أنفسهن بأنهن “معلّقات بين الصبر والنسيان”، بعد أن تحوّل حلم الزواج من مغترب إلى انتظار طويل بلا نهاية.

ويرى باحثون اجتماعيون أن زوجة المغترب باتت تمثل ركناً أساسياً في صمود المجتمع اليمني خلال سنوات الحرب، فهي التي حافظت على التوازن الأسري في ظل غياب الرجل، وأبقت الحياة ممكنة رغم الانقطاع. ويؤكدون أن المجتمع بحاجة إلى إعادة النظر في نظرته إليها، ودعمها بوعي واحترام، لا بشفقة أو تقليل.

بهذا المعنى، لا تُختزل تجربة زوجة المغترب في الحنين أو الغياب، بل في قدرتها على تحويل الفقد إلى طاقة حياة. هي المرأة التي تتولى قيادة السفينة في غياب الربان، وتُبقي العائلة على قيد الأمل، تؤمن أن الحب لا يُقاس بالمسافات، وأن الصبر يمكن أن يصنع وطناً صغيراً داخل البيت حتى يعود الغائبون. إنها الحكاية الخفية لصمود النساء في وطنٍ مزقته الحرب، حيث تُكتب البطولة كل يوم بصوتٍ خافت وأيدٍ مثقلة بالمسؤولية.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

اعلان امريكي بشأن مصير اليمن!

نيوز لاين | 469 قراءة 

من هوالقائد الذي تسلم نقطة درع الوطن في الصبيحة عقب انسحابها منها ؟

يمن فويس | 469 قراءة 

خطف ناشطة على تيك توك وإعدامها علانية على يد مسلحين

الوطن العدنية | 441 قراءة 

طلب مصري للرئيس ”العليمي” يثير ضجة كبيرة ويشعل المواقع

نيوز لاين | 324 قراءة 

يمنية تتعرض للذبح بامريكا (تفاصيل)

نيوز لاين | 318 قراءة 

3 حالات تمنع ترحيلك من السعودية نهائياً… أولها لا يعرفه 90% من المقيمين!

نيوز لاين | 277 قراءة 

جريمة مروّعة في أمريكا.. مق،،تل امرأة يمنية بطريقة بشعة

صوت العاصمة | 264 قراءة 

التوقيع على اتفاقية سعودية جديدة لإنقاذ تعز اليمنية من كارثة كبيرة

يمن فويس | 207 قراءة 

حضرموت : اشتباكات دامية ورفع نقطة الرماض واعتقال قيادتها وسط اتهامات متبادلة (تفاصيل)

الناقد برس | 202 قراءة 

من جبهات القتال إلى رصيف الاعتصام.. أبطال الحرب في مأرب بلا علاج ولا رواتب

قناة المهرية | 166 قراءة