تعيش المحافظات الجنوبية صدمة سياسية غير مسبوقة بعد تأكيدات رسمية عن إسقاط السعودية لملف “القضية الجنوبية” من أجندة المفاوضات اليمنية، في خطوة تمثل – بحسب مراقبين – بداية النهاية للمجلس الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات، الذي فقد آخر أوراق الضغط بعد سنوات من التلويح بمشروع “الانفصال”.
ففي مقابلة مع صحيفة أخبار الخليج، كشف وزير الخارجية في حكومة عدن، شائع الزنداني، عن تحول جذري في موقف السعودية من ملف الجنوب، مؤكداً أن الرياض أسقطت بالكامل مطلب “الانتقالي” بفكرة “حل الدولتين”، وأن التوجه الجديد يقوم على “شراكة وطنية شاملة” مع جميع القوى اليمنية دون استثناء.
وصف الزنداني أطروحة “الانتقالي” بأنها “غير واقعية ولا تعكس الحقائق على الأرض” مشيراً إلى أن السعودية باتت ترى أن الانفصال أصبح مشروعاً متهاوياً لا ينسجم مع ترتيبات الحل الشامل في اليمن، ولا مع مصالح التحالف الذي يواجه أزمة وجودية في الجنوب.
تأتي هذه التصريحات عقب جولة مفاوضات مباشرة بين صنعاء والرياض في مسقط، والتي يبدو أنها أعادت رسم ملامح المشهد السياسي اليمني، خصوصاً مع ما كشفت عنه مصادر من ضغوط “اللجنة الخماسية الدولية” لإجبار المجلس الانتقالي على تسليم موارده وإيراداته للحكومة الموالية للتحالف في عدن، تمهيداً لإنهاء نفوذه العسكري والإداري على المحافظات الجنوبية، بما فيها عدن، المعقل الأبرز له.
وقد فجّرت هذه التطورات عاصفة من الغضب في الشارع الجنوبي، حيث تفاعل ناشطون وقيادات ميدانية بغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر كثيرون أن “القضية الجنوبية بيعت في مزاد سياسي سعودي إماراتي”. ووصف آخرون تصريحات الزنداني بأنها “إعلان وفاة رسمية لمشروع الانتقالي”، خصوصاً بعد سلسلة من الانكسارات السياسية والعسكرية التي مني بها المجلس خلال الأشهر الماضية.
ورأى مراقبون أن الانتقالي فقد الحاضنة الشعبية التي طالما تغنّى بها، بعد أن “حوّل شعارات التحرير والاستقلال إلى مصالح مالية وامتيازات شخصية لقياداته”، في حين يبدو أن السعودية قررت سحب البساط من تحت أقدامه تماماً، تمهيداً لإعادة توحيد القرار الجنوبي تحت سلطتها المباشرة ضمن أي تسوية قادمة.
في المقابل، سارع المجلس الانتقالي إلى محاولة امتصاص الغضب الشعبي ببيان صادر عن “جمعيته العامة” – لا عن هيئة رئاسته – في محاولة لتقليل حجم الصدمة. وزعم البيان أن تصريحات الزنداني “تمثل رأياً شخصياً لا يلزم أحداً”، مشيراً إلى أن “القضية الجنوبية راسخة في مسار المفاوضات”. غير أن هذا البيان زاد الشكوك حول الارتباك الحاد داخل قيادة المجلس، التي فقدت زمام المبادرة أمام تصاعد الخطوات السعودية.
ويرى محللون أن التحرك السعودي الأخير يحمل رسائل متعددة: أولها طمأنة صنعاء بأن ملف الجنوب لن يُستخدم كورقة ابتزاز سياسي، وثانيها قصم ظهر النفوذ الإماراتي في المحافظات الجنوبية عبر تفكيك أدواتها المحلية. كما يمثل هذا التحول إعادة تموضع استراتيجية للرياض في مسار التسوية، بما يضمن لها الهيمنة على القرار السياسي والاقتصادي في الجنوب دون حاجة لوسيط إماراتي.
وهكذا، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تصفية ممنهجة لما تبقى من نفوذ الانتقالي، وأن الرياض حسمت أمرها بإسقاط مشروع الانفصال من جذوره، إيذاناً بمرحلة جديدة من الصراع الخفي بين راعَي العدوان نفسيهما — السعودية والإمارات — في سباق محموم للهيمنة على الجنوب اليمني.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news