شقيقٌ عربيٌّ يشغل الحضارم في مساحاته بحقوق حضرموت في دولةٍ مستقلة، على أساس أنها ضُمّت إلى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية من قِبل بريطانيا عشية مغادرتها، مُشدّدًا على حقّهم قانونًا في ذلك.
فيتبارى المشاركون في مساحته حول هذا الحق، بما يعكس حالةَ بيئةٍ من التشظّي المجتمعي والسياسي والانقسام الوطني، التي أنتجتها صراعاتٌ دامية تحت مختلف الأيديولوجيات القومية والأممية، فضلًا عن الوطنية والمطامح القبلية والمناطقية، في آفاقٍ مُغبَّرةٍ أفقدت الأغلبيةَ الرؤية، وبالتالي التخبطَ في تحديد ما يُوحِّد أبناء حضرموت.
الأمر الذي يفرض سؤالًا: ما هو الأفضل لحضرموت؟
هل هي الوحدة؟ أم التشطير؟ أم الخيار الأصعب – الاستقلال؟
وذلك في ظل كل هذه الضبابية اليمنية والعربية، بل والدولية. وأيٌّ من هذه الخيارات يُحقّق للحضارم دورهم في إدارة حياتهم واستثمار مواردهم البشرية والطبيعية؟
الوحدة.. قضية عالية الحساسية، قد تتحوّل إجابتي عليها إلى قضيةٍ تدفع الأفراد والأطراف إلى اتهامي بسحب حضرموت إلى باب اليمن، بكل بساطةٍ وسطحية، بدلًا من تناول الموضوع بجدّية تُعمِّق النقاش في مزاياها الاستراتيجية والاقتصادية.
لكن يظل السؤال مشروعًا، والمطلوب مناقشته بموضوعية، بعيدًا عن المفاضلة المسبقة، لكي لا نصدر أحكامًا تقييمية في ظل هذه الأوضاع، قبل الوصول إلى مغادرتها، أو على الأقل قبل أن تتوصل مختلف الأطراف المعنية إلى رؤيةٍ واضحةٍ لكيفية مغادرتها.
وهذا لن يتحقق إلا من خلال قياداتٍ وطنيةٍ تُدرك أهمية دور حضرموت كشريكٍ استثنائي.
فللحضارم مصالح في الوحدة – اقتصادية واستراتيجية – إذا ما أدركت القيادات الراهنة أسباب إخفاقاتها، واستوعبت دور حضرموت المرادف للاستقرار كإقليمٍ قائد.
التشطير.. مشروعٌ في دهاليز أجهزةٍ دوليةٍ يتردد صداه داخل أجهزةٍ إقليميةٍ وعربية، توضحه كثيرٌ من الممارسات على حضرموت، بهدف تفتيت الإرادة المجتمعية الحضرمية المثقلة ذاكرتها بممارسات ما قبل الوحدة عام 1990 لنظام اليمن الديمقراطي، بشكلٍ عام، وعلى حضرموت بشكلٍ خاص.
لذلك فإن الحضارم اليوم لا ينظرون إلى التشطير إلا من خلال تلك المرحلة – لا أقول الأغلبية المطلقة، بل النسبية المدركة لعُقم أيّ مستقبلٍ لعلاقاتٍ منتجةٍ مع أرياف جنوب اليمن، وإن غيّروا المسمّى إلى الجنوب العربي الذي حاربوه واتّهموا دعاته بالعمالة للرجعية والاستعمار.
ولكن، هل يكفي الحضارم الرفضُ المجرّد للتشطير أو للوحدة اليمنية دون مغادرة التشرذم أو توحيد الإرادة؟
حتى تُدرك الأطراف اليمنية أنه لا تسويات دون حضرموت – دورًا وجغرافيا – في مشاريعهم.
وهذا لا يعني أن الوحدة خيرٌ مطلق، أو أن التشطير هو المخرج الوحيد لأزمات اليمن، في ظل تناطح المصالح، التي يمكن توظيفها في استنساخ الحل اليوغسلافي الصعب وتفضيله على حلّ كردستان–العراق، لا الصحراء المغاربية.
وهو الممكن سياسيًا واقتصاديًا بل واستراتيجيًا، إذا ما أدرك الحضارم والأطراف اليمنية تلك الأبعاد في مستقبلٍ يُعيد لليمن ألقه ودوره في أهم منطقةٍ لمصالح العالم.
الحضرمة.. بمعنى استقلال حضرموت بنظامٍ سياسيٍّ يكفل للإقليم الحضرمي وحدته واستقراره.
وهذا خيارٌ تدفع به الأمنيات، في الوقت الذي لا نجد ما يُعزّز هذا التوجّه بين الولايات الحضرمية (شبوة، حضرموت، المهرة، سقطرى) على مستوى النخب ولا بين القوى المجتمعية، الأمر الذي يُفقد هذا المطمح جديّته، ويحوّله إلى مجرد أُمنياتٍ غير قادرةٍ على التحوّل إلى مشاريع سياسيةٍ متماسكةٍ لكيانٍ مجتمعيٍّ حضرميٍّ توحّده الجغرافيا والتقاليد والثقافة المجتمعية والدينية.
ولكن – مع الأسف – وحتى اليوم لا نجد لدى النخب ما يدفعها إلى مغادرة حالة التشرذم والذاتية، وهي حقائق سياسية واجتماعية أنتجتها صراعاتٌ وتقلبات نصف قرن.
ودون مغادرة تلك الحقائق، ستظل المسافة طويلة بين الأماني والتطلعات إلى فرض حضرمة – على غرار كردستان – كإقليمٍ قائدٍ يمكن أن يُسهم في مغادرة صراعاتِ يمنٍ عاجزٍ عن تجاوز انقساماته وجهوياته الاجتماعية والجغرافية.
ختامًا.. لنفكّر في مخارج سياسيةٍ بوعيٍ ومسؤولية، بعيدًا عن الرغبوية التي تعكسها – إن لم أقل تثيرها – بعض المساحات، وتحولها إلى قضايا متفجّرة، بحيث تتحزّب لها بعض الأطراف، وتتصارع الجماعات، وتتَصادم الآراء لأهدافٍ قد تدفع إلى ما هو أسوأ من الخيارات الثلاثة.
فهل ندرك عواقب ما نحن فيه؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news