📰 تقرير: البحر الأحمر.. مسرح صراع النفوذ القديم المتجدد بين إسرائيل واليمن وفصائل المـ،،قاومة

يمثل البحر الأحمر، بتقاطع أهم ممراته المائية عند مضيق باب المندب، ساحة تتشابك فيها الجغرافيا مع السياسة، ليصبح مسرحاً رئيسياً للتنافس الدولي ومحاولات فرض النفوذ.

وتكشف الأحداث الجارية، وتاريخ من الصراع الموثق، عن عمق العلاقة المشتبكة بين أمن إسرائيل البحري جنوباً عبر اليمن، وتاريخ تدخلها غير المباشر والمباشر في المنطقة.

🚢 التوتر الحالي وتاريخ الصراع

أعادت أحداث أكتوبر 2023 في غزة البحر الأحمر إلى واجهة الاهتمام العالمي، خاصة مع تصاعد التوترات التي تجلت في إعلان جماعة الحوثي عن خطف سفينة شحن "لها صلات إسرائيلية" في المضيق. هذا التوتر له جذور عميقة تعود لعقود من الزمن، حيث شكل جنوب البحر الأحمر، تحديداً اليمن، مصدراً للتهديدات المتواصلة على أمن إسرائيل البحري.

🇮🇱 أول عملية عسكرية إسرائيلية خارج نطاقها الجغرافي:

حرب اليمن (1962-1966)

تفاصيل العملية السرية "جسر جوي"

* التحالف غير المتوقع: في صيف عام 1963، عُقد اجتماع سري في لندن بين نيل ماكلين، عضو نافذ في "مجموعة عدن" (تتكون من شخصيات بريطانية مهمة وبموافقة ضمنية من الخارجية البريطانية)، والملحق العسكري الإسرائيلي، العقيد دان حيرام.

* الهدف المعلن: طرحت فكرة إنشاء جسر جوي تقوم فيه إسرائيل بدعم القوات الملكية (ضد الجمهوريين المدعومين من مصر).

* التنفيذ واللوجستيات:

* بدأت العملية مساء 31 مارس 1964، واستمرت لعامين، نفذ خلالها سلاح الجو الإسرائيلي 14 رحلة جوية.

* انطلقت الطائرات من قاعدة تل نوف الإسرائيلية جنوباً نحو صنعاء، وهبطت في جيبوتي للتزود بالوقود.

* تم التنسيق على الأرض بواسطة مرتزقة بريطانيين يتواصلون مع الطيارين الإسرائيليين مباشرة عبر شارات ضوئية ملونة (الأخضر يعني: المسار آمن).

* الأسلحة المهربة: تراوحت بين قذائف هاون ثقيلة 81 ملم، ومسدسات رشاشة ألمانية تعود للحرب العالمية الثانية، وبنادق بريطانية. وتم التأكد من إزالة الأرقام التسلسلية لضمان عدم تتبع مصدرها.

الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية

* استنزاف الجيش المصري: كان الهدف الأبرز هو إضعاف الجيش المصري وإلهائه في حرب اليمن (كانت مصر العدو الأول لإسرائيل)، مما يصرف اهتمامها بعيداً عن الجبهة الإسرائيلية.

* المعلومات الاستخباراتية: تبادل المرتزقة البريطانيون معلومات مع الإسرائيليين، تحديداً حول استخدام مصر للأسلحة الكيماوية (غاز الخردل وغازات أعصاب مشتبهة). وقد أثرت هذه المعلومات على استراتيجية إسرائيل ضد مصر، وساعدت في تحديد نقاط الضعف المصرية (قدرة الطيران على إيصال الأسلحة الكيماوية) مما أثر على تفكيرها الاستراتيجي وصولاً لحرب 1967.

* وعد بالاعتراف (غير مؤكد): أشارت وثائق إلى وعد من الإمام في حال انتصاره بالاعتراف بإسرائيل، رغم أن الأهداف الاستراتيجية الأهم كانت تتعلق بمصر.

🇪🇹 الارتكاز الاستخباراتي في القرن الإفريقي: العلاقة مع إثيوبيا

ارتبط التغلغل الإسرائيلي في المنطقة بعوامل إقليمية، أبرزها التواجد البريطاني في شرق إفريقيا، والتحالف الوثيق مع إثيوبيا في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي (الحليف للولايات المتحدة وإسرائيل).

* قاعدة الراديو مارينا: مثلت قاعدة استخباراتية في مستعمرة إريتريا (التي كانت تسيطر عليها إثيوبيا) نقطة ارتكاز للتواجد الإسرائيلي.

* الدعم العسكري: تم تدريب الحرس الإمبراطوري ووحدة الكوماندو الإثيوبية الخاصة "اللهيب" في إسرائيل أو من قبل مستشارين إسرائيليين، وكانت مهمتهم الأساسية القضاء على الثورة الإريترية.

* تأسيس قواعد عسكرية: بين عامي 1969 و1970، بدأت إسرائيل بتأسيس قواعد عسكرية في جزر إريترية، مثل دهلك، ومصوع، وعصب، وحالِب، بهدف مراقبة حركة البحر الأحمر.

🇵🇸 اليمن الجنوبي: قاعدة خلفية للمقاومة الفلسطينية

بعد استقلال اليمن الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وتقاربه مع مصر والمقاومة الفلسطينية، أصبح نقطة انطلاق وقاعدة خلفية آمنة للمنظمات الفلسطينية، خاصة في حقبة السبعينيات.

* التدريب والتخطيط: وفرت عدن مقراً آمناً ومعسكرات تدريب، خاصة لـ العمل الخاص الذي كان مسؤولاً عنه الدكتور وديع حداد (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين).

* عملية "كورال سي": في يوليو 1971، استهدف مقاتلون من الجبهة الشعبية ناقلة النفط الإسرائيلية "كورال سي" قرب جزيرة ميون، وهي أول عملية تنفذها المقاومة الفلسطينية على أهداف إسرائيلية في البحر الأحمر، وتم التخطيط لها وتنفيذها من اليمن.

🇪🇷 التحول الاستراتيجي: من إثيوبيا إلى إريتريا

أدى سقوط نظام هيلا سيلاسي عام 1974 وقيام نظام شيوعي في إثيوبيا إلى زيادة الخناق على إسرائيل.

* التحالف الجديد: بعد استقلال إريتريا، أقام نظام الرئيس إسياس أفورقي علاقة "طبيعية" مع إسرائيل، على الرغم من أن الثورة الإريترية نفسها كانت معادية لوجود إسرائيل التي دعمت الإثيوبيين ضدهم (لأن الإريتريين كانوا يسعون لتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عربية).

* أهمية الموقع: تعتبر إريتريا مهمة لإسرائيل لامتلاكها أطول ساحل على البحر الأحمر غرباً، مما يخدم الاستراتيجية الإسرائيلية في إضعاف السيطرة العربية على ضفتي البحر، وتأمين منفذ إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي.

* التواجد الحالي: يشير الخبراء إلى وجود اتفاقيات لتبادل المعلومات الأمنية أو تواجد استخباراتي، وإن كان يلفه سرية تامة، في ظل سعي إسرائيل الدائم لضمان عدم تحول البحر الأحمر إلى "بحيرة عربية".

المصدر: برنامج المتحري