تشهد العديد من المحافظات اليمنية، بما في ذلك الحديدة والجوف ولحج وتعز والبيضاء، في الآونة الأخيرة، استمرارًا في تصاعد أعداد ضحايا الألغام والمقذوفات الحربية، رغم توقف المعارك في معظم الجبهات منذ ثلاث سنوات عقب هدنة رعتها الأمم المتحدة.
في محافظة الحديدة، والتي تعد الأكثر تضررًا منذ بداية هذا العام، أوضحت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات في تقريرها الصادر في 15 أكتوبر الجاري أن الألغام الأرضية التي زرعتها جماعة الحوثي أودت بحياة 64 مدنيًا وأصابت 83 آخرين خلال الفترة من يناير 2025 حتى أغسطس 2025، إضافة إلى تضرر 68 مركبة مدنية في ذات الفترة.
وأشار التقرير، الصادر تحت عنوان "ألغام بلا خرائط"، إلى أن جماعة الحوثي زرعت الألغام بشكل عشوائي في مناطق مدنية حساسة تشمل المنازل والأسواق والشوارع والمزارع، مما أدى إلى سقوط مزيد من الضحايا بينهم نساء وأطفال.
كما سجلت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها) تسعة حوادث متعلقة بالألغام والمخلفات الحربية في محافظة الحديدة بين يوليو وسبتمبر 2025.
وأفادت البعثة في بيان أن الحوادث أسفرت عن إصابة ستة أشخاص ومقتل ثلاثة آخرين، هم رجل وامرأة وفتاة، في مديريات الحالي والتحيتا وبيت الفقيه وحيس والدريهمي.
وبحسب رصد مراسل "المهرية نت" فقد شهدت المحافظات الأخرى مثل" تعز والجوف ولحج والبيضاء" حوادث بالألغام والمقذوفات الحربية منذ بداية هذا العام:
- في تعز: قتل خمسة أطفال وإصابة ثلاثة آخرون، بالإضافة إلى امرأتين ورجل.
- الجوف: قتل مدني وأصيب 12 آخرين، بينهم نساء وأطفال.
- لحج: مقتل طفلين ورجل وإصابة امرأة.
- البيضاء: قتلت فتاتان ورجل وامرأة مسنة.
في المقابل، تستمر جهود نزع الألغام من قبل مشروع "مسام". حيث أعلنت إدارته في 5 أكتوبر الجاري، عن نزع أكثر من 517,818 لغمًا وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة من الأراضي اليمنية منذ انطلاق المشروع في يونيو 2018.
*استمرار زراعة الألغام بشكل عشوائي
هذه الجهود، بحسب مراقبين، ليست كافية، خاصة مع استمرار زرع الألغام بشكل عشوائي وبدون خرائط في مناطق حساسة، مما يؤدي إلى استمرار الحوادث بين المدنيين بشكل كبير.
ويرى المدير التنفيذي للمرصد اليمني للألغام فارس الحميري أن:" حوادث انفجارات الألغام والمقذوفات من مخلفات الحرب تصاعدت خلال الفترة الأخيرة، خاصة منذ أبريل 2022، عقب الهدنة الإنسانية المفترضة".
وأضاف لـ" المهرية نت" المدافع والهجمات العسكرية توقفت، وشعر المواطنون بنوع من الأمان، خاصة أولئك الذين حاولوا العودة إلى منازلهم من مخيمات النزوح؛ لكن الألغام والذخائر غير المنفجرة كانت تترصدهم في الطرقات والمنازل".
وتابع " نسجل شبه يوميا حوادث انفجارات ألغام ومقذوفات، خاصة في المناطق شديدة التلوث في الحديدة وتعز والضالع والبيضاء ومأرب والجوف وحجة".
*جرف السيول للألغام
وأفاد الحميري بأن" حوادث الألغام ترتفع بشكل كبير خلال مواسم الأمطار، حيث تجرف السيول المتدفقة الألغام والأجسام الحربية من المناطق الجبلية إلى الأودية ومزارع المواطنين، وتساهم السيول في تحريك هذه الملوثات إلى الطرقات والمناطق الآهلة بالسكان".
وأشار إلى أن" اليمن عضو في معاهدة أوتاوا التي تحظر الألغام الأرضية التي تستهدف الأفراد منذ مارس 1999، إلا أن الحوثيين غير ملتزمين بهذه الاتفاقية وزرعوا ألغامًا فردية بشكل مكثف في مخالفة واضحة للاتفاقية".
وحول الحلول للحد من استمرار ارتفاع ضحايا الألغام يؤكد الحميري على ضرورة أن تكثف الجهات المختصة الحكومية والسلطات المحلية والمنظمات العاملة أنشطتها التوعوية لتقليل مخاطر الإصابة بالألغام وزيادة الوعي عند النساء والفتيات والأطفال بمخاطر هذه الأجسام".
وأوضح أن:" التوعية بمخاطر الألغام والذخائر والمواد المتفجرة في الوقت الحالي لا ترقى إلى مستوى الخطر المحدق بالسكان"."
وشدد على أهمية" الضغط على الحوثيين لتسليم خرائط الألغام، لتتمكن الفرق الهندسية من مواصلة أعمالها في مجال التطهير والنزع، خاصة في المناطق المأهولة".
*استخدام واسع وعشوائي
بدوره، يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي إن "استمرار تصاعد أعداد ضحايا الألغام في اليمن يعزى إلى الاستخدام الواسع والعشوائي للألغام من قبل جماعة الحوثي في مناطق مأهولة وزراعية دون خرائط دقيقة، ما جعلها تهديدًا دائمًا للمدنيين حتى بعد توقف المعارك".
وأضاف لـ" المهرية نت" أن: "غياب الدولة بسبب الحرب، خاصة في مناطق الاشتباكات، وضعف إمكانيات نزعها وافتقار الجهود إلى التمويل، مما فاقم من حجم الكارثة".
وأوضح الحميدي أن "ضعف التنسيق بين الجهات العاملة في مجال النزع، وغياب قاعدة بيانات وطنية موحدة يعيق التخطيط الفعّال لعمليات النزع".
وأفاد بأن "الجهود المبذولة حتى الآن تبقى محدودة رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها مشروع مسام، إذ تتركز في بعض المناطق ولا تشمل محافظات كثيرة ما زالت تعاني من وجود الألغام والمقذوفات غير المنفجرة".
ونوه الحميدي إلى أن "حماية المدنيين تتطلب استراتيجية وطنية شاملة لا تقتصر على النزع، بل تشمل التوعية المجتمعية، وتدريب السكان على الإبلاغ، وتعويض الضحايا وتأهيلهم".
وشدد على ضرورة "إدماج ملف الألغام في مسار العدالة الانتقالية باعتباره جريمة حرب تستوجب المساءلة، إلى جانب الدعوة لانضمام اليمن إلى اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام ومطالبة الأمم المتحدة بآلية رقابة دولية فعالة".
من جهته، يقول الصحفي والناشط حمدان البكاري لـ"المهرية نت". إن:" ويلات الحرب في اليمن تسببت في زرع الألغام والعبوات الناسفة التي لا تفرق بين مدني وعسكري، مما أدى إلى حدوث مآسي إنسانية لا تحصى وقصص مؤلمة بشكل مستمر".
وأضاف البكاري أن: "من بين هذه القصص المأساوية مقتل خمسة أطفال في مديرية التعزية بسبب عبثهم بمقذوف حربي وهم يلعبون به أثناء لعبهم دون علمهم بخطورته، كما تعرضت امرأة في البيضاء لإصابة بليغة بسبب لغم أرضي زرع في أحد الحقول الزراعية".
*غياب التوعية والرقابة الفعالة
وأفاد بأن "هذه الحوادث تستمر في الارتفاع جراء عدم توعية الأطفال والنساء بخطورة الألغام والمقذوفات الحربية، وغياب الرقابة الفعالة على تجارة الألغام والعبوات الناسفة، وعدم كفاية الموارد والجهود المبذولة لنزع الألغام من الأراضي اليمنية، خاصة مع توقف الحرب في الجبهات منذ سنوات، وعودة الكثير من النازحين إلى منازلهم في مناطق فيها الألغام".
وشدد البكاري على ضرورة "التدريب والتعليم للمواطنين في المناطق الملوثة وتوعيتهم بخطورة الألغام والمقذوفات الحربية وكيفية التعامل معها، وتقديم الرعاية الطبية والنفسية للضحايا وأسرهم لمواجهة الصدمات النفسية".
وأردف "كما يجب العمل المشترك بين الحكومة والمجتمع الدولي لتقليل الحوادث وحماية الأرواح وضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة".
واختتم حديثه بالقول: "يجب على الجميع التوقف والتفكير في كيفية مواجهة هذا الخطر الذي يداهم الشعب اليمني، لضمان سلامة المواطنين وحماية الأرواح البريئة".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news