الشيخ عبدالرب النقيب
جبلٌ شامخٌ لا تهزه الرياح
مهما سطّر القلم من عبارات الثناء والإجلال تبقى الكلمات عاجزة عن الإحاطة بمقام ومكانة الشيخ عبدالرب بن أحمد النقيب المرجعية الجنوبية ورجل المواقف الصلبة والشجاعة الذي لم يتردد يوماً في قول الحق أو الدفاع عن المظلوم مهما كانت كلفة الموقف أو ضريبته. وإن سألني أحدٌ عنه لقلت بصدقٍ لا تكلّف فيه ما قاله صديقي أبو شعيب بن شيهون عنه:"لو كانت الوطنية إنساناً وكان للشرف عنوان وللعدل ميزان وللشجاعة وجه يُشار إليه بالبنان وللثبات جبل كجبل شمسان لكان هو الشيخ عبدالرب النقيب ذاك الرجل الذي لا يخشى في قول الحق لومة لائم".
لقد عرفناه رجلاً صادقاً في وطنيته نبيلاً في مواقفه ثابتاً في مبادئه لا تُغريه المناصب ولا تُرهبه السلطات ولا يتنازل عن قناعته ولو اجتمع عليه من في الأرض. وفي زمنٍ كان فيه كثير من المشايخ يتسابقون إلى صنعاء لاستخراج بطاقة شيخ كان الشيخ النقيب يقف شامخاً في وجه النظام رافضاً كل محاولات الاستمالة أو الترغيب التي أغرت البعض فأبى أن يبيع صوته أو كرامته بأي ثمن كان.
ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق الحراك الجنوبي كان الشيخ عبدالرب النقيب من أوائل من ناصروا القضية الجنوبية قولاً وفعلاً دعمها من ماله الخاص وفتح داره مأوىً وسنداً لكل ناشطٍ ومطاردٍ من بطش النظام وجعل من منزله منبراً يجتمع فيه الأحرار وصوتاً للكرامة في زمن القهر. لم يكن يبحث عن زعامةٍ أو جاه بل كان يرى في نصرة المظلومين واجباً دينياً ووطنياً لا يحتمل التأجيل ومن ذلك موقفه الثابت والشجاع إلى جانب صحيفة "الأيام" التي كانت أشبه بحزب جامع التف حوله الجنوبيون وأتذكر زيارة الأستاذ هشام باشراحيل إلى يافع بعد المضايقات التي تعرض لها ونهب ممتلكات والده وأسرته في صنعاء وكنت برفقته مع كل من:الأستاذ علي هيثم الغريب والفقيد نجيب يابلي والشهيد محمد صالح طماح والأستاذ بدر الصلاحي وأثناء لقائه مع المرجعية الجنوبية الشيخ المناضل عبدالرب أحمد النقيب في منزله تحدث الفقيد هشام بحرقة عن ما تعرض له وصحيفة "الأيام" في عدن من ظلم. وما زالت كلماته ترن في ذاكرتي حينما عبر عن رفضه لذلك الظلم قائلاً:"قد نتغاضى عن مضايقتهم لنا في صنعاء فهذه بلادهم أما أن يهينونا أو يذلونا في بلادنا وفي مدينتنا عدن فلن نقبل ذلك والموت أهون وأعز".. وقد رد عليه الشيخ النقيب بكلمات قاطعة مانعة قائلا:" يا هشام ..الجنوب كله معك واعتبرنا قبيلة (الأيام)".
لقد وقف الشيخ النقيب في وجه نظام علي عبدالله صالح عندما كان في أوج سطوته في وقت كانت فيه كثير من الرموز تلوذ بالصمت أو المسايرة ففيما كان صوته جهوراً في وجه الظلم والفساد ولم تنكسر له كلمة أو تلن له قناة.
وحين اجتاحت سياسة "فرق تسد" الجنوب بعد حرب 1994 سعى النظام لتغذية الفتن بين القبائل وإشعال الخصومات الداخلية لكن الشيخ النقيب وقف لها بالمرصاد مطفئاً نيران الثأر وساعياً في الإصلاح بين الناس حتى صار رمزاً للصلح الاجتماعي ومرجعاً موثوقاً لكل من أراد أن يطفئ فتنة أو يعقد صلحاً.
لم تخلُ منطقة من مناطق يافع وغيرها من مناطق الجنوب إلا وكان له فيها بصمة بيضاء في حل النزاعات ووأد الفتن وحقن الدماء. لم يكن مصلحاً فحسب بل كان حكيماً نزيهاً صادق الكلمة قوي الحجة يجمع الناس على الخير ويعيد للمجتمع تماسكه عندما تتصدع العلاقات وتشتعل الخصومات.
وعندما جاءت ساعة المحن الكبرى في مواجهة الغزو الحوثي كان الشيخ عبدالرب النقيب في مقدمة من لبّوا النداء يشجع الشباب على المقاومة ويدعم المقاتلين ويجمع التبرعات لمساندتهم في الميدان لقد كان وما زال صادق الانتماء لوطنه جنوبياً خالصاً في وطنيته يرى أن الدفاع عن الأرض والعرض واجب لا يُفوض ولا يُؤجل.
ومثلما كان قائداً في الميدان كان قدوة في الكرم والمروءة فمن عرفه عن قرب أدرك أن بيته مفتوح للجميع وأن كلمته الصادقة تسبق فعله دائماً وأنه لا يتأخر عن مساعدة محتاج أو نصرة مظلوم ولقد جمع في شخصه بين نُبل الشيخ وحنكة السياسي وسماحة المصلح الاجتماعي فصار مرجعية جنوبية محترمة ذات حضور فعّال في كل موقف يستدعي الحكمة والرجولة.
لم يكن الشيخ عبدالرب النقيب يوماً من أولئك الذين ينتظرون الأضواء أو التصفيق بل كان من أولئك الذين يصنعون المواقف ويتركونها تتحدث عنهم. ولذلك فإن تاريخه الوطني والاجتماعي لا يُختصر في كلمات فهو مدرسة في الثبات والإقدام والعطاء.
وصدق من قال: إن معادن الرجال لا تُقاس في أوقات الرخاء بل في لحظات الشدائد والمحن فهناك فقط يُعرف الصادق من المدّعي والغث من السمين ويُفرز الذهب الخالص من بين ركام الزيف. وفي كل تلك اللحظات والمواقف كان الشيخ عبدالرب النقيب ذهباً خالصاً لا يصدأ وجبلاً راسخاً لا تهزه الرياح.
حفظ الله الشيخ عبدالرب النقيب وأطال في عمره ومتّعه بالصحة والعافية وجزاه عن وطنه وأهله خير الجزاء فقد كان وما يزال ضميراً حياً ليافع والجنوب ورمزاً للمروءة والكرامة والشرف.
د.علي صالح الخلاقي
25اكتوبر2025م
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news